السودان.. دعوة للمحاسبة ومطالبات بلجنة دولية في ذكرى مجزرة القيادة العامة

قوات الأمن السودانية تحاصر مقر الاعتصام أمام القيادة العامة الخرطوم-أرشيفية

جددت الأمم المتحدة، اليوم الأربعاء، دعوة الحكومة السودانية إلى تقديم المسؤولين عن فض اعتصام الخرطوم وانتهاكات حقوق الإنسان إلى العدالة في حين طالب أهالي الضحايا بلجنة دولية.

جاء ذلك في بيان  صادر عن المنسقة المقيمة للأمم المتحدة بالسودان – قوي يوب سن- بالتزامن مع حلول الذكرى الأولى لأحداث فض اعتصام الخرطوم في 3 يونيو/ حزيران 2019.
وقالت سن” قبل عام، شهد العالم هجمات وحشية على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في السودان”.

وأضافت” نيابة عن فريق الأمم المتحدة في السودان، أكرر دعوة الأمين العام أنطونيو غوتيريش السلطات إلى التحقيق بشكل موثوق ومستقل، وتقديم المسؤولين عن الانتهاكات إلى العدالة.

واعتبرت أن تشكيل الحكومة الانتقالية لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في 3 يونيو، وغيرها من الحوادث ذات الصلة، خطوة حاسمة نحو العدالة والمساءلة.

وأكدت سن التزام الأمم المتحدة بدعم المرحلة الانتقالية للسودان، في وقت يتحرك فيه نحو تحقيق تطلعات شعبه القديمة في السلام والديمقراطية.

لجنة تحقيق دولية

وبعد عام على سقوط عشرات القتلى في هجوم على محتجين سودانيين أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم، يتمسك أهالي الضحايا بأمل كشف مرتكبي العملية، ويطالبون بتحقيق دولي يؤدي لمحاسبة المسؤولين عن قتل أحبائهم.

وقال -كشة عبد السلام كشة- هو والد عبد السلام الذي كان في الخامسة والعشرين من عمره عندما قتل في عملية نفذها رجال يرتدون زيا عسكريا في الثالث من يونيو/حزيران العام الماضي، لفرانس برس “نطالب بلجنة تحقيق دولية لضمان حقّ الشهداء”.

وكان آلاف المعتصمين يتجمعون أمام مقر قيادة الجيش منذ أسابيع طويلة مطالبين بحكومة مدنية وبحكم ديموقراطي بعد إطاحة الجيش بالرئيس عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019.

وفي ذلك اليوم، فتح مسلحون النار على المعتصمين وفضوا الاعتصام بالقوة، ما خلّف 128 قتيلا بين المتظاهرين، وفق تحالف الحرية والتغيير الذي قاد الاحتجاجات، بينما تتحدث الأرقام الرسمية عن مقتل 87 شخصا.

لجنة تحقيق

شكلت الحكومة الانتقالية التي تولت السلطة في البلاد في صيف 2019 بعد مفاوضات شاقة مع المحتجين لجنة تحقيق مستقلة في أحداث الثالث من يونيو/حزيران 2019، لكن اللجنة لم تعلن نتائج عملها بعد.

وعند مدخل منزل عائلة كشة الذي يبعد حوالى خمسمئة متر عن مقر قيادة الجيش ووزارة الدفاع، علّقت صورة لعبد السلام، ويقول الوالد” نحن نرفض هذه اللجنة”.

ويتذكر مثل هذا اليوم من العام الماضي قائلا “أسرعت إلى مكان الاعتصام بعد أن تلقيت اتصالات هاتفية عدة قالت لي إن ابني قد مات”.

وعثر على ابنه في وقت لاحق وقد أصيب برصاصات عدة في أنحاء جسده، وتقول آمنه بحيري، والدة عبد السلام” لن نعفي عمّن أهدر دم الشهداء ولن نتنازل عن حقهم”.

فض اعتصام الخرطوم

في 3 يونيو 2019، فض مسلحون يرتدون زيا عسكريا اعتصاما للمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين أمام مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم، بعد الإطاحة بالريس عمر البشير في أبريل/ نيسان من العام ذاته.

وأسفرت عملية الفض عن مقتل 66 شخصا، بحسب وزارة الصحة، فيما قدرت قوى إعلان الحرية والتغيير التي قادت الحراك الشعبي آنذاك، عدد الضحايا بـ128 قتيلا.

وحمّلت قوى التغيير، المجلس العسكري الذي كان يتولى السلطة حينها، مسؤولية فض الاعتصام، فيما قال المجلس إنه لم يصدر أمرا بالفض.

وشهدت مناطق متفرقة من العاصمة صباح اليوم الأربعاء، احتجاجات، أشعل محتجون خلالها الإطارات، ورددوا هتافات تطالب بالقصاص والعدالة لشهداء فض الاعتصام.

وخرج العشرات في تظاهرة في شوارع الخرطوم على الرغم من منع التجمعات في إطار إجراءات الوقاية من فيروس كورونا المستجد.

وحمل المحتجون، صور الضحايا الذين سقطوا في عملية فض الاعتصام، وبينهم عبد السلام كشة وهتفوا “دم الشهيد ما راح لا بسينو نحن وشاح”.

وفي 21 أغسطس/ آب 2019، بدأ السودان مرحلة انتقالية تستمر 39 شهرا، تنتهي بإجراء انتخابات يتقاسم خلالها السلطة كل من المجلس العسكري المنحل وقوى إعلان الحرية والتغيير.

مَن فض الاعتصام؟

كانت منظمة العفو الدولية طالبت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بإجراء تحقيق دولي في أحداث الثالث من يونيو/ حزيران.

منظمة ( فيزيشنز فور هيومان رايتس- أطباء من أجل حقوق الانسان- منظمة غير حكومية تتخذ من الولايات المتحدة مقرا، أصدرت تقريرا لها في مارس/ آذار.

قالت المنظمة” إن الانتهاكات التي ارتكبت في الثالث من يونيو 2019 يمكن أن تكون جرائم دولية وتشمل جرائم ضد الإنسانية، ولا يجب أن تكون هناك حصانة” لمرتكبيها.

وقال التقرير إن الانتهاكات شملت “عمليات قتل وتعذيب واغتصاب وعنف جنسي واختفاءات وأعمالا أخرى غير إنسانية”.

واتهمت تقارير وعائلات ضحايا قوات الدعم السريع السودانية بتنفيذ العملية.

وقال تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إن “أعداد القوات التي قادت عملية الهجوم على الاعتصام يدلّ على أن الفضّ تمّ بتخطيط عمليّاتي رسمي”.

في ذلك الوقت، كان مجلس عسكري تسلّم السلطة بعد سقوط البشير.. وقد نفى بشكل قاطع تورط أي جهة أمنية أو عسكرية رسمية.

لكن والدة عبد السلام كشة تقول بإصرار “أنا اتهم كل المؤسسات العسكرية، لأنها هي من فضت الاعتصام”.

شخصيات نافذة

في سبتمبر/أيلول 2019، شكل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لجنة مستقلة برئاسة المحامي الحقوقي المخضرم نبيل أديب. 

وكان من المفترض أن تقدم اللجنة تقريرها خلال ثلاثة أشهر، ولكنها طلبت في ديسمبر/ كانون الأول تمديد المهلة ثلاثة اشهر أخرى.

ويقول أديب لفرانس برس “لم تكن الأشهر الثلاثة كافية” مضيفا “هذه جريمة فيها عدد كبير من المتهمين فضلا عن الملابسات السياسية” التي أحاطت بها وأعرب عن أسفه لأن ثلاثة أشهر أخرى “ضاعت بسبب كورونا”.

وتكرّر آمنة وهي تنظر إلى صور لابنها عرضتها داخل المنزل، فيما صوتها يختنق بالدموع “أنا غير معترفة بهذه اللجنة.. لن تأتي بحق الشهداء”.

وقال حمدوك في كلمة بثها التلفزيون الرسمي اليوم بمناسبة الذكرى “إنني أؤكد لكم جميعا أن تحقيق العدالة الشاملة والقصاص لأرواح شهدائنا الأبطال خطوة لا مناص ولا تراجع عنها”. 

ويقول نبيل أديب “هذه جريمة بشعة حركت ضمير الشعب” متابعا “الاتهام فيها قد يطال شخصيات نافذة” من دون أن يذكر مزيدا من التفاصيل.

ويشير الى إن اللجنة استمعت إلى شهادات عدة، مؤكدا أنه تمّ إعطاء ضمانات للشهود بأنه لن يتم الكشف عن أسمائهم.

ويقول “استمعت اللجنة كذلك إلى اتهامات بحصول حوادث اغتصاب في مكان فضّ الاعتصام”.

المصدر : الجزيرة مباشر + وكالات