في ذكرى ثورة يناير.. العفو الدولية: حياة السجناء المصريين في خطر

صورة من القمر الصناعي لسجن العقرب أخذت في سبتمبر/أيلول 2016 (هيومن رايتس ووتش)

قالت منظمة العفو الدولية اليوم الإثنين إن مسؤولي السجون في مصر يعرضون سجناء الرأي وغيرهم من المحتجزين بدواع سياسية للتعذيب ولظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، ويحرمونهم عمدا من الرعاية الصحية.

جاء ذلك في تقرير جديد للمنظمة بمناسبة مرور 10 سنوات على ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011.

ويبين التقرير أن قسوة السلطات قد تسببت أو أسهمت في وقوع وفيات أثناء الاحتجاز، كما ألحقت أضرارا لا يمكن علاجها بصحة السجناء.

ما تموتوا ولا تولعوا؟

وحمل التقرير عنوان “ما تموتوا ولا تولعوا؟ الإهمال والحرمان من الرعاية الصحية في السجون المصرية”.

ويرسم التقرير صورة قاتمة لأزمة حقوق الإنسان في السجون المصرية، التي ملأتها حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي برجال ونساء من الذين كانوا في طليعة صفوف الثائرين من أجل العدالة الاجتماعية والسياسية.

كما بين التقرير أن سلطات السجون تقاعست عن حماية السجناء من وباء فيروس كورونا.

وقال فيليب لوثر، مدير البحوث وحشد التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، “إن مسؤولي السجون يبدون استخفافا تاما بأرواح وسلامة السجناء المكدسين في السجون المصرية المكتظة، ويتجاهلون احتياجاتهم الصحية إلى حد كبير، حيث يلقون على عاتق أهالي السجناء أعباء إمدادهم بالأدوية والأطعمة والنقود اللازمة لشراء أساسيات مثل الصابون، ولا يكتفون بذلك بل يتسببون في معاناة إضافية لهؤلاء السجناء بحرمانهم من تلقي العلاج الطبي الكافي أو من نقلهم إلى المستشفيات في وقت مناسب”.

ومضى فيليب لوثر قائلا “إن السلطات تتمادى إلى أبعد من ذلك، فتحرم السجناء من الرعاية الصحية والغذاء الكافي والزيارات العائلية، والمعروف أن مثل هذا الحرمان يعتبر نوعاً من التعذيب”.

وقد بعثت منظمة العفو الدولية نتائج بحوثها إلى السلطات المصرية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولكنها لم تتلق أي رد.

ظروف الاحتجاز القاسية وغير الإنسانية

وبحسب التقرير فقد أقدمت السلطات على تعريض السجناء في السجون الـ16 التي شملها البحث لظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، مما يشكل تهديداً لحقهم في الصحة.

ووصف محتجزون سابقون كيف يتم حبسهم في زنازين مكتظة تفتقر إلى التهوية، وتتسم بتدني مستوى النظافة والصرف الصحي، بينما يحرمهم الحراس من الأغطية والملابس الكافية، ومن الطعام الكافي، ومن أدوات النظافة الشخصية، بما في ذلك الفوط الصحية، ومن التريُّض والخروج إلى الهواء النقي، وهناك عشرات السجناء محرومون حاليا من الزيارات العائلية.

السجون المصرية تشهد تكدسا كبيرا وسط انتشار فيروس كورونا (الجزيرة – أرشيف)

ومن بين الأعمال الانتقامية ضد هؤلاء السجناء احتجازهم لفترات طويلة ولأجل غير مُسمى رهن الحبس الانفرادي في ظروف سيئة، حيث يظلون داخل الزنزانة لأكثر من 22 أو 23 ساعة يومياً؛ وحرمانهم من الزيارات العائلية لفترات وصلت أحياناً إلى أربع سنوات؛ وحرمانهم من تلقي الأطعمة، وغيرها من الأساسيات، من الأهالي.

الإهمال الطبي

وأظهر التقرير أن مسؤولي السجون عادةً ما يتقاعسون عن توفير الرعاية الصحية الكافية للسجناء، سواء من خلال الإهمال أو المنع المتعمد.

وعادة ما تتسم عيادات السجون بعدم النظافة وبالافتقار إلى المعدات والمهنيين الطبيين المؤهلين، بينما يكتفي أطباء السجون بإعطاء السجناء مسكنات للآلام بغض النظر عن الأعراض التي يشتكون منها، بل ويوجهون لهم السباب أحياناً، بما في ذلك وصمهم بعبارات من قبيل “الإرهاب” و”الانحلال الأخلاقي”.

وقد ذكرت اثنتان من المحتجزات السابقات أنهما تعرضتا لإيذاء وتحرش جنسي من العاملين الطبيين في السجن.

كما قال محتجزون سابقون إنه لا توجد آلية واضحة لطلب المساعدة الطبية، بما في ذلك في حالات الطوارئ، وإنهم كانوا يُتركون تماماً تحت رحمة الحراس وغيرهم من مسؤولي السجون، الذين كانوا يتجاهلون شكواهم في كثير من الأحيان.

وكثيراً ما ترفض سلطات السجون نقل محتجزين احتجزوا على خلفية سياسية وفي حاجة لرعاية طبية عاجلة إلى مستشفيات خارج السجون لديها الإمكانات المتخصصة اللازمة، بل وتمنع عنهم الأدوية، حتى في الحالات التي كان يمكن أن يتحمل فيها أهاليهم التكاليف.

وقال فيليب لوثر “من المروِّع أن جميع الأشخاص الذين وُثِّقت حالاتهم في التقرير الحالي، تعرضوا للحرمان من الرعاية الصحية الكافية في السجون أو من النقل إلى مستشفيات متخصصة خارج السجون، مرة واحدة على الأقل خلال احتجازهم، مما أدى إلى تدهور صحتهم بشكل كبير”.

الوفيات قيد الاحتجاز

وتقصَّت منظمة العفو الدولية حالات وفاة 12 شخصاً أثناء احتجازهم أو بعد وقت قصير من الإفراج عنهم، ولدى المنظمة علم بحالات 37 شخصاً آخرين تُوفوا في عام 2020، ولكن المنظمة لم تتمكن من الحصول على موافقة أهاليهم على نشر الحالات نظراً لخشيتهم من الأعمال الانتقامية.

وتشير تقديرات جماعات حقوق الإنسان المصرية إلى أن مئات الأشخاص تُوفوا في أماكن الاحتجاز منذ عام 2013.

114 ألف سجين

وترفض السلطات المصرية الإفصاح عن عدد السجناء في البلاد، وتشير تقديرات إلى أن العدد يبلغ حوالي 114 ألف سجين، أي ما يزيد عن ضعف القدرة الاستيعابية للسجون والتي قدّرها  السيسي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بـ55  ألف سجين.

وقد تزايد عدد السجناء بشكل كبير عقب الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013، ما أدى إلى اكتظاظ شديد في السجون.

ارتفع عدد السجون التي تم إنشاؤها في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى 27 سجنا

وفي السجون التي فحصتها المنظمة، يتكدَّس مئات السجناء في زنازين مكتظَّة، حيث يبلغ متوسط المساحة المتاحة لكل سجين من أرضية الزنزانة حوالي 1.1 متر مربع، وهي تقل كثيراً عن الحد الأدنى الذي أوصى به خبراء، وهو 3.4 متر مربع.

سوء إدارة أزمة كورونا

ومع انتشار فيروس كورونا، تقاعست إدارات السجون عن توزيع المنتجات الصحية بشكل منتظم على السجناء، وتتبع وفحص القادمين الجدد، وإجراء اختبارات للمشتبه في إصابتهم وعزلهم.

ولم يتم بشكل منهجي إجراء اختبارات للمحتجزين الذين ظهرت عليهم أعراض الإصابة في بعض السجون، وتُرك أمثال هؤلاء المحتجزين في زنازينهم، مما شكَّل خطراً على غيرهم.

غياب الإشراف

ويضيف التقرير أن مسؤولي السجون يمارسون عملهم دون أن يخضعوا لإشراف يُذكر من جهات مستقلة، أو لأي إشراف على الإطلاق.

وللنيابة سلطة إجراء زيارات غير مُعلن عنها سلفاً إلى أماكن الاحتجاز، ولكنها نادراً ما تقوم بذلك وعادةً ما تتجاهل شكاوى المحتجزين.

واختتم فيليب لوثر تصريحه قائلا “في ظل المخاطر الكبيرة للغاية والمناخ السائد للإفلات من العقاب في مصر، من الضروري أن يستجيب المجتمع الدولي بإصرار وإلحاح، بما في ذلك من خلال آلية لرصد حالة حقوق الإنسان في مصر ينشئها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة”.

المصدر : الجزيرة مباشر + منظمة العفو الدولية