برلماني أوربي يدين رفع السرّية عن أرشيف حرب الجزائر.. وتساؤلات عن المغزى (فيديو)

عاشت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي 132 عامًا حتى انتصرت في حرب الاستقلال عام 1962 (الفرنسية)

هاجم عضو في البرلمان الأوربي قرار فرنسا رفع السرّية عن جانب من أرشيف حرب الجزائر، وعدّها خطوة لإرضاء البلد العربي.

وقال تيغي ماغياني، المحسوب على التيار اليميني المحافظ “مرّة أخرى، خطوة لإرضاء الجزائر، مع العلم أنها لن تقدّم في المقابل أيّ إشارات تهدئة تجاه فرنسا. سياسة الاعتذار والتوبة عارٌ على فرنسا”.

وأعلنت فرنسا، الجمعة، أنها ستتيح للعامّة قريبًا الاطلاع على الأجزاء الأكثر سرّية من أرشيفها الوطني عن حرب الاستقلال الجزائرية، ممّا يُلقي الضوء على بعض من أحلك الفصول في تاريخ فرنسا.

وشنّت فرنسا بين عامَي 1954 و1962، حربًا على حركة الاستقلال في مستعمرتها آنذاك، وقُتِل مئات الآلاف من الجزائريين، واستخدمت القوات الفرنسية ووكلاؤها التعذيب للمعارضين، وفق مؤرّخين.

وقالت وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشلو لدى إعلانها فتح الأرشيف “نحن بحاجة إلى أن نمتلك الشجاعة لمواجهة الحقيقة التاريخية”.

بدوره، قال الصحفي اليساري ومدير صحيفة ميديا باغت إدفي بلينيل “لا مصالحة للذكريات دون حقيقة التاريخ، من المُسلَّم أن القرار مُرحَّب به، لكنّه جاء متأخّرًا. في الجزائر شنّت فرنسا حربًا قذرة، وانتهكت حقوق الإنسان بالاستعمار والهيمنة العنصرية”.

 

هل الوثائق مفيدة؟

من جانبه، أوضح المؤرّخ الجزائري محمد الأمين بلغيث، أن فرنسا لن تدين نفسها في الوثائق، وستعمل على إخفاء جزء كبير منها.

وقال للجزيرة مباشر “الفرنسيون يُحسِنون الفرز، لذلك لن ينشروا وثائق تدين المجرم الفرنسي لفترة طويلة جدًّا”.

وأضاف “منذ نحو سنة يُفترض أن تُرفع السرّية عن الوثائق والملفات المرتبطة بالتفجيرات النووية في 13 فبراير/شباط 1960، وهي جريمة ستبقى لملايين السنين، لكن حتى الآن لم يحدث شيء، وما زلنا بالانتظار”.

وتابع بلغيث “المعروف أن فرنسا ارتكبت جرائم عن طريق الشرطة وقوات الدرك، ورغم ذلك لم نسمع يومًا أن قوات الشرطة ستسلّم ملفات تتعلق بجرائم معركة الجزائر”.

ورأى أن الفرنسيين “يُحسِنون أيضًا التلاعب بالألفاظ ويقدّمون أشياء للاستهلاك، لذا هذه المسائل تتطلب خارطة طريق بين الدولتين”.

وأشار إلى أن “هناك حسابات إعلامية وانتخابية، ومن المؤكّد أن الفرنسيين لن يمكّننونا من الوثائق التي تدين المجرمين الحقيقيين”.

“الحق يحتاج إلى أدلة”

ويختلف مع بلغيث المحلّل السياسي والخبير في القانون الدولي مجيد بودن، حيث يرى أن رفع السرّية عن الوثائق خطوة إيجابية جدًّا، ويمكنها أن تقود إلى إدانة مَن ارتكبوا جرائم حرب.

وقال بودن “الرفع سيكون شاملًا ولن يكون هناك استثناءات، ويجب أن نغتنم هذه الفرصة ونثمّنها. اذا كان هناك نقص فالمحاكم موجودة”.

وأضاف “السياسيون يريدون التلاعب ولا يهتمون بأمر الضحايا، بينما الضحايا يطالبون بحقوقهم، والحقّ يحتاج إلى أدلة وهذه فرصة لإثباته، ولبناء الذاكرة المشتركة”.

وتابع “إذا وُضِعت الحقائق على الطاولة يصعب الكذب، ومَن يعارض هذه الفكرة يريد التلاعب”.

وأشار إلى أنه “يمكننا تكوين ملف بالوثائق والأدلة عن المسؤولين الذين ارتكبوا الجرائم، وإذا اكتُشفِت عملية ممنهجة بأمر الحكومة آنذاك، فيمكن إذن طلب تعويضات”.

وهزّ القتال في الجزائر فرنسا، وأدّى إلى محاولة انقلاب فاشلة ضدّ الرئيس شارل ديغول لمنعه من إنهاء الحكم الفرنسي. وبعد مرور ما يقرب من 60 عامًا على انتهائه، لا يزال الصراع موضوعًا حسّاسًا للغاية ومثيرًا للانقسام في فرنسا.

وعاشت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي 132 عامًا، حتى انتصرت في حرب الاستقلال.

يُذكَر أن الإعلان جاء بعد يومين من زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى الجزائر.

وأجرى الوزير محادثات مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون استهدفت إحياء الحوار بين الجانبين بعد تدهور العلاقات بشكل حاد.

ويردّد مسؤولون فرنسيون في مناسبات عدّة ضرورة طيّ الجزائر صفحة الماضي الاستعماري، وفتح صفحة جديدة.

وفي 9 مارس/آذار الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -في إطار سياسة “مصالحة الذاكرة” مع الجزائر- تبسيط الوصول إلى إجراءات رفع السرّية عن الوثائق التي ترجع إلى أكثر من 50 عامًا.

من جهتها، تضع الجزائر على طاولة مفاوضاتها مع فرنسا استكمال استرجاع جماجم قادة المقاومة الشعبية للاحتلال الفرنسي، التي ظلّت مُحتجَزة في متحف الإنسان بالعاصمة باريس لمدّة تزيد على 170 عامًا، بجانب استعادة الأرشيف، وقضية التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية وتعويض المتضرّرين، إضافة إلى ملف المفقودين من الجانبين.

المصدر : الجزيرة مباشر