“أقمار فلسطين” والتشبّث بالنفَس الأخير.. هذا ما حدث يوم المجزرة بنابلس المُحاصَرة (فيديو)

فضلًا عن كونها محاصرة منذ أسبوعين، غرقت نابلس فجر اليوم في بحر دماء بعدما فقدت 5 من أبنائها وأصيب عشرات منهم بعملية عسكرية للاحتلال استهدفت “عرين الأسود”، كما استشهد شاب سادس أيضا في رام الله.

وفي الوقت الذي نعى فيه رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية “أقمار فلسطين الستة”، أكد قاضي قضاة فلسطين محمود الهباش أن “مقاومة الاحتلال حق مشروع وأن الشعب الفلسطيني لن تتوقف مقاومته حتى نيل حريته وكرامته ولو احتاج الأمر لمئة سنة أخرى”.

تلك اللحظات -التي عاشها أهالي نابلس عندما هبوا بالآلاف إلى المستشفى- لن ينسوها أبدًا عندما صدحت حناجرهم باسم الشهيد وديع حوح -أحد قادة عرين الأسود- بعد أن أعلن الأطباء إعادة النبض له عقب الإعلان عن استشهاده، متشبثين بـ”النفس الأخير”، لتعود حالة الحزن تخيّم على الموقف مرة أخرى ويُحمل على الأكتاف شهيدًا، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية.

الفجر الدامي

عند منتصف ليلة الثلاثاء، اكتُشفت قوة إسرائيلية خاصة وسط نابلس بشمال الضفة الغربية، كانت تستعد لاغتيال عدد من الشبان، ثم ما لبثت المدينة أن دخلت في أقسى حالة لها منذ سنوات، إذ أُعلنت عمليات قتل واغتيال متتالية استمرت حتى ساعات صباح اليوم.

ونقلت الوكالة الفلسطينية تفاصيل ما حدث على لسان شهود عيان، حيث دخلت قوة الاحتلال نابلس على دفعات واستهدفت مناطق بالقذائف والمتفجرات، وبذلك كانت هذه أطول وأقسى العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف المدينة منذ أسابيع.

وحتى صباح اليوم، كانت الأدخنة ما زالت تتصاعد من أحياء البلدة القديمة، وكانت الروايات تتوالى عن الطريقة التي قُتل بها خمسة شبان في مناطق متفرقة من المدينة، وقد اخترقت زخات الرصاص جدران أحد المنازل حتى ثقبت أنابيب المياه.

وذكر الشهود أنه فور اقتحام حوش العطعوط في نابلس بأعداد كبيرة بدأت قوات الاحتلال إطلاقا كثيفا للرصاص والقنابل اليدوية يستهدف المنزل مباشرة، في عملية ربما تكون أعنف هجوم هناك منذ سنوات.

ويقول أحد سكان المنطقة “لم نشهد مثل هذه العملية العسكرية من قبل”. لكن المدينة -وفق رصد الوكالة الفلسطينية- شهدت في سنين طفولة ذلك الشاب عمليات عسكرية أقسى في أبريل/ نيسان 2002 عندما اجتاحها جيش الاحتلال وهدم جزءًا من بلدتها القديمة في عملية أطلق عليها حينها “السور الواقي”.

نابلس المُحاصَرة “لن تستسلم”

تلتقي حارات نابلس في خط مستطيل عند سفح جبلي عيبال وجرزيم الشهيرين، ويقول سكان المدينة إن قوات عسكرية إسرائيلية نزلت من الجبلين وشاركت في العملية. وهذان الجبلان في واقع الأمر هما سدان ضخمان يستخدمهما جيش الاحتلال منذ عقود في حصار نابلس، فعلى قمتيهما وُضعت نقاط عسكرية دائمة تراقب حركة المدينة ليلا ونهارا.

تبدو المدينة كأنها تعيش حالة من عدم اليقين لا تدري فيها كيف ستنتهي هذه السلسلة من عمليات القتل اليومية. إن نابلس ومحطيها هذه الأيام في قبضة عسكرية إسرائيلية قاسية، بحسب وصف الوكالة الفلسطينية. وقد كشفت الساعات الأولى من نهار اليوم شدة ما تعرضت له المدينة.

أما حركة آلاف المندفعين إلى المستشفيات فتكشف حجم الحزن العميق في وجوه سكانها. لدى الكثيرين من سكان المدينة ذكريات عن عمليات عسكرية سابقة، وأصبح لدى الكثيرين من الجيل الذي لم يشهد تلك العمليات في بداية القرن الجديد ذكريات مماثلة سيروُونها مستقبلًا.

كانت بركة الدماء في إحدى غرف المستشفيات صورة أخرى من الصور التي خزّنها سكان المدينة في ذاكرتهم البارحة وصباح اليوم. ورغم ذلك، تظهر نبرات التحدي الممزوج بالقلق في عيون الشبان المصطفين بالآلاف أمام مستشفيات المدينة التي شهدت “بركة الدماء”، وقال أحدهم “نابلس قوية ولن تستسلم أبدًا”.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أن العملية العسكرية التي قامت بها قوات الاحتلال فجر اليوم أدت إلى مقتل أحد قادة مجموعة “عرين الأسود”، وهو وديع الحَوَح، واصفًا هذه العملية بأنها معقدة وتم التخطيط لها أيامًا عديدة.

ولليوم الـ14 على التوالي، تعيش نابلس تحت حصار مشدد فرضه جيش الاحتلال عقب مقتل أحد جنوده من قبل مجموعة عرين الأسود. وظهرت عرين الأسود علنًا في عرض عسكري مطلع سبتمبر/أيلول الماضي في البلدة القديمة بنابلس وينتمي أفرادها لمختلف الفصائل الفلسطينية.

وعمّ، اليوم، الإضراب محافظات الضفة تلبية لدعوة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والقوى الوطنية والإسلامية حدادًا على أرواح الشهداء الستة في نابلس ورام الله، وتنديدًا بجرائم الاحتلال المتواصلة في حق أبناء فلسطين.

وأدانت منظمة التعاون الإسلامي بشدة العدوان الهمجي الإسرائيلي، واعتبرت “أن هذه الجريمة، وما سبقها من اعتداءات إسرائيلية متكررة وحصار إسرائيلي لمدينة نابلس، تأتي في سياق عدوان عسكري إسرائيلي مفتوح على الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته يستدعي التحقيق والمساءلة”، بتدخل فوري من المجتمع الدولي.

بدورها، قالت الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات إن “الوحشية الإسرائيلية بلغت حدًّا غير مسبوق في ارتكاب جرائم حرب وصلت إلى قصف وتدمير منازل المدنيين بالصواريخ والقنابل، في تصعيد خطير لا يمكن قبوله أو السكوت عنه”.

وحذرت الهيئة في بيان لها من أن هذا التمادي من جانب الاحتلال في إطلاق يد جيشه وآلة حربه للفتك بأبناء الشعب الفلسطيني وإعطاء جنوده تصاريح بالقتل دون اعتبار لأي معايير إنسانية أو أخلاقية ستكون له تداعيات خطيرة سيتحمل مسؤوليتها، ولن يثني الشعب الفلسطيني عن ممارسة حقه الشرعي في الدفاع عن نفسه وأرضه وحقوقه.

المصدر : الجزيرة مباشر + وكالة الأنباء الفلسطينية