خبراء للجزيرة مباشر: توليد إثيوبيا للكهرباء من سد النهضة “رمزي”.. والهدف منه رفع شعبية أبي أحمد (فيديو)

قال خبراء في مجال السدود للجزيرة مباشر إن إنتاج الكهرباء من سد النهضة لا يمثل في الوقت الحالي سوى دفعة معنوية للشعب الإثيوبي ودعم سياسي لموقف رئيس الوزراء أبي أحمد.

وقال الدكتور عثمان التوم وزير الري السوداني الأسبق إن إثيوبيا أنزلت توربينيْن من توربينات سد النهضة بغرض بدء توليد “مبكر” لإنتاج الكهرباء، مضيفًا أنها تختبر التوربينات منذ شهر مضى.

وتابع في حديثه لبرنامج المسائية على شاشة الجزيرة مباشر “ما زالت المياه تمر من الحاجز الأوسط، وسيمر جزء منها عبر التوربينات المفعّلة، وما يزيد عن ذلك سيمر من فوق الحاجز الأوسط، وهو إجراء طبيعي ومتوقع”.

يأتي ذلك بعدما أعلن مسؤولون حكوميون لوكالة فرانس برس أن إثيوبيا ستبدأ خلال ساعات عملية توليد الطاقة من سد النهضة، الذي يتوقع أن يكون أكبر مشروع أفريقي لتوليد الكهرباء من المياه، في قلب خلاف إقليمي منذ أن أطلقت إثيوبيا المشروع في 2011.

وقال مسؤول في الحكومة الإثيوبية “غدًا (الأحد) ستبدأ أول عملية توليد كهرباء من السد”، وأكد مسؤول آخر هذه المعلومات.

وردًا على سؤال بخصوص الحاجة الإثيوبية للتفاوض في حين تفعل ما تقرره بعيدًا عن دولتي المصب، قال التوم “إثيوبيا في حاجة ماسة للتفاوض لا سيما مع السودان، لأنها إذا أرادت الاستفادة القصوى من سد النهضة فيجب تنظيم تشغيل السد بالتوافق مع السدود السودانية والسد العالي كذلك”.

واستطرد “يعود هذا التنسيق بالفائدة على الدول الثلاث، وبصورة خاصة تفيد منه إثيوبيا وتتمكن من توليد الطاقة المطلوبة للداخل والخارج، وأي تعنت سيضر إثيوبيا في المقام الأول”، وفق تعبيره.

وفي 2011، أطلقت إثيوبيا المشروع الذي تقدّر قيمته بنحو 4 مليارات دولار ويهدف إلى بناء أكبر سد لإنتاج الطاقة الكهرومائية في أفريقيا، بقدرة إنتاج تفوق 5 آلاف ميغاوات.

ويقع سد النهضة الذي تقدّر كلفته بـ4.2 مليارات دولار على النيل الأزرق في منطقة بني شنقول-قمز، وعلى بُعد نحو 30 كيلومترًا من الحدود مع السودان، ويبلغ طوله 1800 متر وارتفاعه 145 مترًا.

وينبع النيل الأزرق من إثيوبيا في حين ينبع النيل الأبيض من بحيرة فيكتوريا، وفي الخرطوم يلتقي هذان النهران ليشكّلا معًا نهر النيل الذي يعبر السودان ومصر ويصب في البحر المتوسط.

في حين قال الدكتور محمد حافظ أستاذ هندسة السدود إن الإنتاج المزمع غدًا سيكون من توربين واحد فقط (التوربين 10)، وهو مجرد إنتاج رمزي يهدف إلى طمأنة الداخل وإيصال رسالة مضمونها أننا بدأنا الإنتاج وتسويق شعبية أبي أحمد.

وتابع حافظ في حديثه لبرنامج المسائية على شاشة الجزيرة مباشر “من الناحية الفنية لا يوجد ارتفاع كبير للمياه، ومن ثم فليس من المتوقع أن يُنتج التوربين الكهرباء بالطاقة القصوى منه المقدّرة بـ375 ميغاوات، وقد يُنتج أقل من 50% فحسب”.

وأضاف “حتى بعد تشغيل التوربين الثاني (التوربين 9) لن يزيد معدل إنتاج الكهرباء، وسيكون الهدف منه تخفيض منسوب البحيرة لاستكمال صب الخرسانة على الممر الأوسط، حتى يرتفع إلى منسوب ما بين 600- 610 أمتار تمهيدًا للملء الثالث”.

وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت إثيوبيا أن كمية المياه التي يختزنها السد باتت كافية لبدء عملية توليد الطاقة، لكنها لم تعط أرقامًا محددة وسط اعتقاد أن الهدف الذي حددته لم يتم بلوغه.

وفي الشهر نفسه، ناقش مجلس الأمن المشروع غير أن إثيوبيا -التي طالما عارضت بحث قضية السد في مجلس الأمن- عدّت بيان المجلس خروجًا “غير مفيد” عن المسار بقيادة الاتحاد الأفريقي.

وتؤكد إثيوبيا أن مشروع سد النهضة أساسي من أجل تنمية البلاد، وأنه لن يؤثر على مستوى تدفق المياه.

وتتخوف مصر -التي تعتمد على نهر النيل لتوفير نحو 97% من مياه الري والشرب- من وتيرة ملء خزان السد، ومن أن تعبئته خلال فترة قصيرة ستؤدي إلى انخفاض كبير في جريان مياه النيل على امتداد البلاد.

وتعدّ مصر المشروع تهديدًا وجوديًا لها، بينما حذّر السودان من “مخاطر كبيرة” على حياة الملايين من الناس.

وعن مصير الطاقة الكهربائية المنتجة من السد، قال محمد العروسي عضو مجلس النواب الفيدرالي الإثيوبي إن كل الاحتمالات واردة ومن حق إثيوبيا أن تصدّر الكهرباء، مستدركًا “ما علمناه أنها ستستفيد منه داخليًا، وإن كان لديها فائض فسيُصدّر إلى دول الجوار والدول التي تحتاج إلى الكهرباء”.

وقال أديسو لاشيتيو من معهد (بروكينغز) في واشنطن “الكهرباء التي ستولّد من السد يمكن أن تساعد على إحياء اقتصاد دمرته عوامل مجتمعة من حرب دامية وارتفاع أسعار الوقود وجائحة كوفيد-19”.

ويبلغ طول نهر النيل 6695 كيلومترًا، وهو يعدّ بذلك مثل الأمازون النهر الأطول في العالم، ويشكّل مصدرًا حيويًا للموارد المائية وللطاقة الكهرومائية في منطقة أفريقية قاحلة.

وتساوي مساحة حوض النيل ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، أي 10% من مساحة القارة الأفريقية، ويتوزع بين عشر دول هي بوروندي وجمهورية الكونغو الديموقراطية ومصر وإثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وجنوب السودان والسودان وتنزانيا، ويقدّر مستوى تدفقه السنوي بنحو 84 مليار متر مكعب.

وتوقّع التوم أن يكون التوليد الكامل لسد النهضة خلال عام 2025، وأن الاحتياج الإثيوبي للكهرباء داخليًا كبير جدًا، ولن يشعر المواطن الإثيوبي بتوليد الكهرباء إلا من الناحية النفسية، في حين أنه لن يشعر فعليًا بتوليد الكهرباء قبل 2025.

وواصل “تواجه إثيوبيا تحديًا كبيرًا، وحتى تستمر لا بدّ من بناء الحاجز الأوسط، وإن واصلت توليد الكهرباء من توربين واحد فلن تتمكن من بناء الحاجز الأوسط”.

وعلّق التوم على التأثر المحتمل لدولتي المصب جراء تنفيذ أديس أبابا مرحلة الملء الثالث، التي يُتوقع أن تكون 21 مليار متر مكعب، بقوله “تنفيذ عملية الملء الثالث مجرد احتمال ضعيف، وتعتمد على فيضان العام الجاري”.

وتابع “وفق القراءات الحالية، لن يكون للملء الثالث تأثير سلبي في مصر، لكن السودان يحتاج إجراءات معينة لأنه يعتمد على الإيراد اللحظي”.

وأعلنت أديس أبابا أن هدفها لعام 2021 هو ملء خزان السد بـ13.5 مليار متر مكعب إضافية من المياه، علمًا بأن سعته القصوى هي 74 مليار متر مكعب.

ويأمل السودان في أن يسهم المشروع في ضبط الفيضانات السنوية، لكنه يخشى أن تلحق أضرار بسدوده في غياب اتفاقية حول تشغيل سد النهضة.

ولم تتوصل محادثات أجريت برعاية الاتحاد الأفريقي إلى اتفاق ثلاثي حول ملء السد وتشغيله، وطالبت القاهرة والخرطوم بأن تتوقف أديس أبابا عن ملء خزان السد إلى حين التوصل لاتفاق.

غير أن المسؤولين الإثيوبيين يعدّون ملء السد مرحلة طبيعية من عملية بنائه ولا يمكن وقفها.

وتبنى مجلس الأمن، في سبتمبر/أيلول الماضي، بيانًا يوصي مصر وإثيوبيا والسودان باستئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي.

وفي منتصف 2020، بدأت إثيوبيا المرحلة الأولى من ملء السد الذي تزيد قدرته الإنتاجية القصوى على خمسة آلاف ميغاوات.

وأضيف إلى مصادر التوتر الإقليمية النزاع الدائر في إقليم تيغراي (شمالي إثيوبيا) منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، الذي أدى إلى لجوء عشرات آلاف الأشخاص إلى السودان الذي يعاني أساسًا أزمة اقتصادية خانقة.

وتشهد العلاقات بين أديس أبابا والخرطوم توترًا على خلفية نزاع حول السيادة على منطقة الفشقة الحدودية الخصبة التي تشهد اشتباكات دموية متقطعة بين الجانبين.

وتتمسك مصر بـ”حق تاريخي” لها في مياه النيل تضمنه سلسلة اتفاقات مبرمة منذ عام 1929، وحصلت مصر حينها على حق النقض (فيتو) على بناء أي مشاريع على النهر.

وفي 1959، حصلت مصر -بموجب اتفاق مع الخرطوم حول توزيع مياه النيل- على حصة بنسبة 66% من كمية التدفق السنوي للنيل، مقابل 22% للسودان.

لكن في 2010، وقّعت دول حوض النيل -باستثناء مصر والسودان- اتفاقًا جديدًا نصّ على إلغاء حق النقض الذي تتمتع به مصر وسمح بإقامة مشاريع للري وسدود لإنتاج الكهرباء.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع التواصل + وكالات