“رد الجميل”.. كيف جنّد بوتين حلفاءه لمساعدته في حربه على أوكرانيا؟

الرئيس الشيشاني رمضان قديروف يصف نفسه بأنه "جندي بوتين المخلص" (غيتي)

نسج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شبكة تحالفات مع دول وأنظمة سياسية في مناطق عدة من العالم خلال السنوات الماضية عن طريق دعم تلك الدول والأنظمة في مناسبات سابقة.

ومع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا وتعثّر العملية العسكرية، لجأ بوتين إلى هؤلاء الحلفاء لالتماس المساعدة منهم واستخدام مواردهم البشرية والاقتصادية واللوجستية. وتنوعت تلك المساعدات ما بين دعم عسكري مباشر، وآخر سياسي ودبلوماسي، فضلًا عن إرسال مرتزقة، واستغلال الأجواء للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الغربية.

الشيشان

قضت روسيا على استقلال الشيشان الذي حصلت عليه بعد الحرب الشيشانية الأولى في تسعينيات القرن العشرين، وضمّتها رسميًا إلى أراضيها بعد حرب أوقعت آلاف القتلى وتسببت في تدمير العاصمة غروزني.

وفي 2007 صار رمضان قديروف، الذي يصف نفسه بأنه “جندي بوتين”، رئيسًا للشيشان، ومنذ ذلك الوقت اعتمد بوتين على قديروف في مهمات عدة، منها إرسال قوات خاصة إلى سوريا. وقد شرح عضو مجلس الدوما الروسي ليونيد كالاشنيكوف أسباب إرسال تلك القوات قبل سنوات، قائلًا إن ذلك جاء بسبب “قدرات هذه القوات القتالية وتحملها المناخ السوري، وانسجام عناصرها في طبيعة التفكير والتقاليد مع السوريين”.

وقد حصل قديروف على دعم كبير من بوتين، إذ قلّده الأخير أوسمة عدة، منها لقب “بطل روسيا” عام 2015، ولقب جنرال في الجيش عام 2019.

ويواجه قديروف اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، منها قمع المعارضة واحتجاز عائلات المعارضين، إلا أن تلك الاتهامات لم تؤثر في مكانته لدى الكرملين.

وبعد بدء الحرب بأيام، ظهر قديروف في مقطع فيديو أمام الآلاف من المقاتلين، مؤكدًا أنه سيرسلهم للقتال لصالح القوات الروسية في أوكرانيا. ونشر على حسابات بمواقع التواصل عددًا من الأخبار والتطورات عن أداء القوات الشيشانية هناك، وخاصة في مدينة ماريوبول التي تشهد قتالًا عنيفًا وحرب شوارع، بعد استماتة القوات الأوكرانية في الدفاع عنها. وأكد قديروف أن قواته سيطرت على عدد من الأحياء في المدينة، وأقرّ في الوقت نفسه بسقوط قتلى من جنوده في تلك المعارك.

سوريا

تدخلت روسيا عسكريًا في سوريا منذ 2015، لإنقاذ النظام السوري بقيادة بشار الأسد من قوات المعارضة التي سيطرت على أجزاء واسعة من البلاد، وكانت وقتها على بعد كيلومترات قليلة من العاصمة دمشق.

وبالفعل ساعدت القوات الروسية النظام على استعادة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، أبرزها مدينة حلب، بعد تنفيذ قصف جوي ومدفعي أودى بحياة الآلاف من المدنيين، كما أدى إلى تهجير سكان مناطق بكاملها بعد تدميرها بشكل تام. وأقامت روسيا قواعد عسكرية في سوريا مثل قاعدتي حميميم وطرطوس، ونشرت منظومات للدفاع الجوي وسفنًا حربية ونقاط مراقبة، ووقّعت اتفاقيات مع النظام تنص على بقاء قواتها هناك لعشرات السنوات.

وأدى هذا التدخّل إلى تبعية النظام السوري لموسكو في الملفات الخارجية، مثل اعتراف دمشق باستقلال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية المنفصلين عن جورجيا، وهما إقليمان ساعدتهما روسيا على الانفصال بعدما شنّت حربًا على جورجيا عام 2008. ولم يعترف بالإقليمين مستقلين حتى الآن سوى روسيا وسوريا وفنزويلا ونيكارغوا وفانوتو وناورو.

أيضا أيّد النظام السوري اعتراف روسيا بانفصال منطقتي دونيتسك ولوهانسك عن أوكرانيا. وبعد شن موسكو الحرب على كييف، كشفت تقارير عن إرسال نظام الأسد مقاتلين ومرتزقة للقتال في أوكرانيا.

ففي 11 مارس/آذار الجاري، أعلن بوتين السماح للمقاتلين من الشرق الأوسط بالانضمام إلى العمليات العسكرية. وأكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن 16 ألف “متطوع” من الشرق الأوسط مستعدون للقتال في دونباس.

وكشفت الغارديان البريطانية أن قوات النظام السوري بدأت بتجنيد مقاتلين من صفوفها للذهاب إلى أوكرانيا والقتال لصالح الجانب الروسي. وقالت إن النظام وعد بدفع رواتب مجزية للجنود إذا قرروا الانضمام لصفوف القوات الروسية في أوكرانيا.

ونُشرت إشعارات التجنيد على مواقع إلكترونية مرتبطة بالنظام السوري، وتضمنت وصفًا وظيفيًا يشترط “الخبرة في المشاركة في العمليات العسكرية وإمكانية السفر إلى الخارج”. وظهرت لقطات مصورة لما بدا أنهم جنود سوريون في عرض عسكري يحملون العلمين السوري والروسي ويرددون هتافات مؤيدة للأسد، ويحمل أحدهم شعار الرمز (Z) الذي ارتبط مؤخرًا بتأييد العمليات العسكرية الروسية.

كما اتهمت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) روسيا بتجنيد مقاتلين سوريين وأجانب آخرين بالتزامن مع زيادة الهجمات العسكرية على العديد من المدن الأوكرانية.

ونقلت وول ستريت جورنال عن مسؤولين أميركيين أن روسيا سوريين لديهم خبرة في القتال بالمدن للاستعانة بهم في أوكرانيا ولمساعدتها على السيطرة على كييف، وذلك مقابل أجور تتراوح بين 200 و300 دولار.

لكن تقديرات أخرى أشارت إلى استبعاد مشاركة واسعة من المقاتلين السوريين في أوكرانيا، نظرا لحاجة النظام السوري لجنوده بسبب استمرار الحرب والتهديدات الأمنية التي يواجهها، فضلا عن إمكانية أن يستغل بعض السوريين السفر إلى أوكرانيا ثم الهروب من القتال واللجوء إلى دول أوربية مجاورة.

بيلاروسيا

صار النظام البيلاروسي مدينًا لروسيا بعد تدخّل الأخيرة لمساعدته في مواجهة الاحتجاجات التي اندلعت ضده بسبب اتهامات بتزوير الانتخابات الرئاسية. واستغلت روسيا الحدود الأوكرانية البيلاروسية وأجرت مناورات عسكرية ضخمة قبل بدء الحرب على الحدود الأوكرانية مع بيلاروسيا، وحشدت قوات لها هناك لتشتيت القوات الأوكرانية وإجبارها على البقاء على الحدود مع بيلاروسيا في حالة استعداد دائم تحسبًا لإعلان الحرب من جانب الأخيرة، وأيضًا إجبار أوكرانيا على القتال في أكثر من جبهة إذا انضمت بيلاروسيا إلى روسيا في الحرب.

ورغم أن بيلاروسيا لم تعلن دخولها الحرب رسميًا حتى الآن، إلا أنها تحوّلت إلى مركز لتقديم الدعم اللوجستي والإمدادات للقوات الروسية التي تحارب داخل أوكرانيا، وكذلك نقطة انطلاق للعمليات الجوية الروسية.

وزعم نظام الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أن مواطني بلاده صوّتوا الشهر الماضي لصالح السماح باستضافة القوات الروسية والأسلحة النووية بشكل دائم. واتهمت أوكرانيا بيلاروسيا القيام باستفزازات عسكرية على الحدود وإطلاق صواريخ من جانبها باتجاه الأراضي الأوكرانية.

وقالت وكالة رويترز، الأربعاء، أن بيلاروسيا طلبت من دبلوماسيين أوكرانيين مغادرة البلاد وأغلقت القنصلية الأوكرانية في مدينة بريست.

وقالت وزارة الدفاع الأوكرانية إن هناك احتمالية لاشتراك بيلاروسيا في الحرب. كما صرّح مسؤولون أمريكيون وآخرون في حلف شمال الأطلسي لشبكة (سي إن إن) الأمريكية، بأن بيلاروسيا يمكن أن تنضم إلى روسيا “قريبًا” في حربها ضد أوكرانيا، وأن البلاد تتخذ بالفعل خطوات للقيام بذلك وإعداد البيئة الملائمة للهجوم.

السودان

كان لافتًا أن نائب رئيس مجلس السيادة في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي) ذهب في زيارة استغرقت أيامًا عدة إلى موسكو قبل يوم من إعلان روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا، في إشارة إلى قوة العلاقة بين الطرفين. كما عبّر حميدتي خلال زيارته عن تأييده لما أسماه “حق روسيا في الدفاع عن أراضيها وشعبه” في تصريحات لوسائل إعلام روسية، رغم أن الخارجية السودانية أكدت بعد أيام أنها “تدعو إلى إنهاء التصعيد والعودة إلى الحوار”، لكنها امتنعت عن التصويت لمصلحة مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة روسيا بالتوقف الفوري عن استخدام القوة ضد أوكرانيا.

وكانت روسيا عبّرت في مجلس الأمن عن رفضها لإدانة الإجراءات التي قام بها الجيش السوداني في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي وصفت بـ”الانقلاب”، بعدما تضمنت إقالة حكومة عبد الله حمدوك وإنهاء الشراكة مع المدنيين. وقال نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة ديميتري بوليانسكي حينها “لماذا نقول على ما حدث بالسودان انقلابًا عسكريًا؟ ولماذا لا يكون انتقالًا للسلطة”.

وأعادت زيارة حميدتي لموسكو الحديث عن خطط روسية لإقامة قاعدة بحرية في السودان، وهو مشروع ظهر في اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين عام 2019، وقدمت موسكو الطلب بإقامة القاعدة أواخر 2020، وأعلن حميدتي عند عودته إلى السودان أن “المشروع لا يزال قيد الدراسة”.

وتحدثت تقارير عن نشاط لشركة فاغنر في السودان. وقال بيان مشترك لسفيري بريطانيا والنرويج والقائمة بالأعمال الأمريكية في الخرطوم إن “مجموعة فاغنر تنخرط في أنشطة غير مشروعة” في السودان. إلا أن الحكومة السودانية نفت، الثلاثاء، تلك الاتهامات.

وقالت وكالة بلومبرغ إن مرتزقة فاغنر يتمركزون حاليًا في دول أفريقية هي: السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وزيمبابوي وأنغولا ومدغشقر وغينيا وغينيا بيساو وموزمبيق وربما في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ويعمل هؤلاء المرتزقة، بحسب الوكالة، على تدريب جيوش وقوات محلية وحماية شخصيات أو مكافحة جماعات متمردة أو إرهابية وحراسة مناجم ذهب وماس ويورانيوم في المناطق المضطربة.

وقبل أسابيع، نشرت صحيفة التلغراف البريطانية تقريرًا تحت عنوان “ذهب السودان ينقذ بوتين من العقوبات الغربية”. وتحدث التقرير عن دور الذهب الأفريقي -الذي يتم تهريب جزء منه عبر السودان- في إنقاذ بوتين من العقوبات الغربية. وقالت الصحيفة إن روسيا هرّبت مئات الأطنان من الذهب بصورة غير شرعية من السودان على مدار الأعوام الماضية، ضمن عملية لتحصين روسيا من العقوبات الاقتصادية جراء الحرب على أوكرانيا.

ونقلت عن مسؤول في شركة سودانية للذهب قوله إن روسيا “أكبر لاعب أجنبي في قطاع التعدين الضخم في البلاد”، وإن الذهب السوداني يتم تهريب الكثير منه في طائرات صغيرة من المطارات العسكرية إلى روسيا، بسبب علاقتها القوية مع حميدتي. كما قالت إن فاغنر تدرب قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي.

قوات حفتر

دعمت روسيا قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر قبل سنوات، وخاصة أثناء حربه الفاشلة للسيطرة على العاصمة طرابلس. وتركز الدعم بشكل أساس على تقديم أسلحة ومنظومات للدفاع الجوي، فضلًا عن جنود مرتزقة من شركة فاغنر المملوكة لرجل الأعمال الروسي المقرب من بوتين (يفغيني بريغوجين).

واستمر الدعم الروسي لقوات حفتر حتى بعد انسحابها من مدن الغرب الليبي عام 2020، وتركزت قوات فاغنر في مناطق بالشرق والجنوب وحول الحقول النفطية.

وقبل أيام، قالت وزارة الدفاع الأوكرانية إن حفتر زار موسكو وتعهّد بإرسال “متطوعين ليبيين” إلى أوكرانيا للقتال لصالح روسيا. وتوقّعت الوزارة أن تنظّم فاغنر عملية نقل المتطوعين عبر طائرات لسلاح الجو الروسي.

وكانت السفارة الليبية في كييف ردت، الثلاثاء، على تلك التقارير وقالت إن الخبر “عار عن الصحة”، وإنها “تخلّي مسؤوليتها من أي عمل مشين يصدر عن أشخاص لا يمثّلون الدولة الليبية”.

صربيا

تضمنت العقوبات الغربية المفروضة على موسكو إعلان دول عدة إغلاق أجوائها أمام الطائرات الروسية، وهو ما أدى إلى صعوبات كبيرة في تسيير الرحلات الجوية وسفر المواطنين الروس إلى الخارج. إلا أن صربيا مثّلت بوابة خلفية لروسيا للالتفاف على العقوبات.

تدعم روسيا صربيا في مجالات عدة، كما تدعم التطلعات الانفصالية لصرب البوسنة، وهو ما أدى إلى زيادة التوترات هناك وسط مخاوف من اندلاع حرب أهلية. وقد حذّرت روسيا البوسنة مؤخرًا من أنها ستواجه مصير أوكرانيا إذا قررت أن تكون جزءًا من حلف الناتو.

وبعد الحرب على أوكرانيا، رفضت صربيا العقوبات الأوربية والغربية على روسيا، وأبقت أجواءها مفتوحة، وتظاهر الآلاف من الصرب تأييدًا للموقف الروسي، وزادت سعة مقاعد الطيران بين روسيا وصربيا بنسبة 50% خلال الأسبوع الأول من مارس الجاري وسط توقعات بارتفاع النسبة خلال الأسابيع المقبلة، بسبب تمتع الطائرات الصربية بحرية المرور في المجال الجوي لأوربا.ِ

وقبل أيام، أعلنت صربيا استنفار قواتها على الحدود مع كوسوفو التي كانت أعلنت استقلالها عام 2008 رغم رفض بلغراد.

وتشهد كوسوفو توترا بسبب احتجاجات يقوم بها الصرب هناك، بحجة صدور قرار بإزالة لوحات السيارات الصربية عن المركبات التي تدخل البلاد، كما انتشرت قوات من الشرطة الكوسوفية لضبط الأمن.

ورأى محللون أن الحشود العسكرية الصربية ربما تكون بإيعاز من روسيا لإشعال التوترات في البلقان ردا على العقوبات الغربية، مستدلين على ذلك بالدعم الروسي للأقلية الصربية في البوسنة، وبالتهديد الذي وجهه السفير الروسي في سراييفو للبوسنة قبل أيام، والذي حذرها فيه من احتمال أن تواجه مصير أوكرانيا.

من جانبها، حذرت رئيسة كوسوفو (فيوسا عثماني) في حوار مع الجزيرة، الجانب الصربي من القيام بأي تحركات عسكرية، قائلة إنها ستواجه عقوبات كبيرة ستجعلها تتضرر مثلما تضررت حليفتها روسيا.

أوسيتيا الجنوبية

دعمت روسيا انفصال أوسيتيا الجنوبية، بالإضافة إلى أبخازيا عن جورجيا عام 2008. وأقامت قواعد عسكرية في المنطقتين لمنع أي محاولات جورجية لاستعادتهما.

وفي 26 مارس/آذار، أعلنت أوسيتيا إرسال قوات لأوكرانيا للمشاركة في الحرب. وقال زعيم المنطقة (أناتولي بيبيلوف) إن القوات تهدف إلى “المساعدة في حماية روسيا”، مضيفا “رجالنا سيؤدون واجبهم العسكري ويرفعون رايتهم بفخر إنهم متحمسون لذلك”.

ورغم عدم الكشف عن أعداد القوات المرسلة أو تسليحها، فإنه من المستبعد أن تشكل فارقا يذكر في الحرب، وستكون في الأغلب مجرد مشاركة رمزية لإبداء الدعم والتضامن السياسي، نظرا لأن عدد سكان أوسيتيا يزيد قليلا عن 70 ألف نسمة. وقد تكون تلك الخطوة الرمزية ردا على انضمام المئات من الجورجيين للقتال ضد روسيا في أوكرانيا، بسبب دعم روسيا لانفصال أبخازيا وأوسيتيا.

المصدر : الجزيرة مباشر