طلاب فروا من حرب أوكرانيا عالقون في جحيم الانهيار الاقتصادي في لبنان

آثار الدمار جراء القصف الروسي على مدينة خاركييف في أوكرانيا (رويترز)

ترك طلاب لبنانيون مقاعد دراستهم في أوكرانيا على عجل، هرباً من الهجوم الروسي، ليجدوا مستقبلهم مهدداً في لبنان حيث يكافحون لمواصلة تعليمهم في خضمّ انهيار اقتصادي غير مسبوق وتردّ في الخدمات كالكهرباء.

قبل 6 سنوات، بدأ ياسر حرب (25 عاماً) مسيرته في دراسة الطب في أوكرانيا، وبعدما كان على وشك الانتهاء من مرحلة الصحة العامة، غادرها مسرعاً قبل يومين من بدء الحرب الروسية في فبراير/شباط، لتبدأ في لبنان معاناة من نوع آخر.

وقال الطالب إن “الحرب هناك أفضل من البقاء هنا”، وأضاف بعد أن بات مضطراً لمتابعة صفوفه عن بعد “الإنترنت بطيء، نعاني لنتمكن من الاستماع لشروحات الأساتذة، ومن شأن ذلك أن ينعكس على درجاتنا”.

يقطن ياسر في منزل والديه في مدينة النبطية في جنوب لبنان، لكن تجربته القصيرة تدفعه للتفكير بالعودة إلى أوكرانيا بمجرد استئناف الرحلات الجوية إليها، ويقول “على الأقل في كييف، تتوافر الخدمات الرئيسية”.

بعد أكثر من شهرين على بدء الحرب الروسية وتعرض كييف لضربات عدة، عاد الهدوء إلى العاصمة الأوكرانية فيما تتركز العمليات الروسية في شرق البلاد.

ولم تنقطع الكهرباء يوماً عن المدينة ولم تتوقف خدمة المواصلات فيها حين كانت في دائرة الخطر، فيما يشهد لبنان منذ الصيف الماضي، أزمة كهرباء حادة مع تخطي ساعات التقنين 22 ساعة يومياً، وسط عجز السلطات في خضم الانهيار الاقتصادي المستمر منذ 2019 عن استيراد الفيول لتشغيل معامل الإنتاج.

وفاقم رفع الدعم عن استيراد المازوت الضروري لتشغيل المولدات الخاصة، الوضع سوءاً، وجراء انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وضعف خدمات الإنترنت وارتفاع كلفة التنقّل، باتت متابعة الطلاب بشكل عام لتحصيلهم الجامعي أكان عن بعد أم حضورياً، نضالاً يومياً مرهقاً.

أطباء “أونلاين”

في نهاية مارس/آذار، أعلن لبنان أن غالبية مواطنيه غادروا أوكرانيا بينهم ألف طالب، وفور عودتهم، طلبت وزارة التربية من الطلاب تعبئة استمارات بغية توفير مقاعد لهم في الجامعات اللبنانية ما يتيح لهم إكمال دراستهم.

ورغم مشاركة 340 طالباً بياناتهم مع الوزارة، وفق ما يقول وزير التربية عباس الحلبي لفرانس برس، إلا أنّ أياً منهم لم يتمكن من الالتحاق بجامعة خاصة في لبنان.

ويشرح “لا يحمل الطلاب ملفاتهم لأن بعضهم غادروا” على عجل، بينما “تعرضت الجامعات للقصف ولم تعد لديها مستندات”.

أما في الجامعة اللبنانية، الجامعة الوحيدة الرسمية في لبنان وذات كلفة التسجيل المنخفضة، فيوضح رئيسها بسام بدران لفرانس برس أنّه يتعين على كل طالب يود متابعة تحصيله العلمي الخضوع لامتحانات دخول، وفق ما تقتضي قوانين الجامعة.

وجاءت معاناة الطلاب العائدين من أوكرانيا في وقت يعاني قطاع التعليم من تحديات عدة. في مارس، حذّر برنامج التربية في مكتب اليونسكو في بيروت من أن لبنان يواجه “حالة طوارئ” في قطاع التعليم.

ويأمل ياسر بعد إنهاء عامه الأخير بالصحة العامة في أوكرانيا متابعة اختصاصه في ألمانيا، لكن عليه أولاً أن يدفع كامل قسطه للجامعة في أوكرانيا، وذلك ليس سهلاً جراء القيود التي تفرضها المصارف اللبنانية على التحويلات إلى الخارج.

من خاركيف حيث كان يتابع دراسته في كلية الطب، عاد سامر دقدوق (23 عاماً)، إلى بيروت ليكتفي بمتابعة دراسته عن بعد.

وتمكّن لمرات قليلة من العمل في مستشفى في بيروت كمتدرب، إلا أن ذلك ليس متاحاً بشكل دائم كون المستشفيات تكتظ بطلبة الجامعات اللبنانية أساساً.

ويقول “يذهب الجزء العملي من الدراسة هباء، وإن لم نقم به ينتهي الأمر بنا (أطباء أونلاين) وهذا لا ينفع”.

على غرار طلاب كثر، يطمح سامر للسفر إلى دولة أوربية أخرى لإتمام تعليمه، لكن وضع عائلته الاقتصادي جراء الأزمة لا يسمح بذلك.

“عبء على عائلتي”

وحالف الحظ ناتالي ديب (24 عاماً) التي، بدلاً من العودة إلى لبنان، ذهبت إلى ألمانيا. وتعد ألمانيا وجهة أساسية للطلاب في أوكرانيا الراغبين بإكمال اختصاصاتهم في الطب.

وتواصل حالياً دروسها عبر الإنترنت، وتأمل الحصول على موافقة احدى المستشفيات الألمانية لمتابعة الجزء العملي.

وتقول ناتالي لفرانس برس عبر الهاتف “لم أعد إلى لبنان لأن ألمانيا تقدم فرصاً أكثر من دون أن أشكّل عبئاً إضافياً على عائلتي”.

خلال أكثر من عامين، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، وبات أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر, ولا يتخطى الحد الأدنى للأجور 30 دولاراً، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء.

واضطر والد ناتالي إلى بيع منزله في بيروت والانتقال للعيش في قريته ليضمن مستقبل ابنته التعليمي.

في جامعة بوغوموليتس الطبية الوطنية في كييف، تدفع ناتالي 4400 دولار سنوياً، أي 5 مرات أقل من قسط غالبية الجامعات الخاصة في لبنان.

أما الجامعة اللبنانية، فترزح تحت وطأة الانهيار الاقتصادي بسبب نقص التمويل والإضرابات المتكررة لأساتذتها الذين خسروا الجزء الأكبر من رواتبهم جراء انهيار قيمة العملة، عدا عن صعوبة امتحانات الدخول الى كلياتها.

وتقول ناتالي إن أصدقاءها الذين عادوا إلى لبنان “نادمون على قرارهم”، وتضيف “بالطبع ارتاحوا لمجرد فرارهم من أوكرانيا، لكنهم يفضلون أن يكونوا في مكان آخر في أوربا”.

المصدر : الفرنسية