محلل سياسي إسرائيلي: غطرسة حكومة نتنياهو تهدد تل أبيب بسيناريو مظلم
غياب الخيارات

يعيش الإسرائيليون خلال السنوات الأخيرة كما لو كانوا يركبون “قطار الموت في مدن الملاهي” فتتبدل حياتهم بين الصعود والهبوط، وفق تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية.
فبعد تجاوز تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد التي تفجرت عام 2020، وخوض 5 انتخابات مبكرة، كانوا يستعدون للتعافي الوطني في 2023 ولكن سرعان ما بدت صعوبة تحقيق هذا الآمال في يناير/كانون الثاني 2023 عندما كشف وزير العدل ياريف ليفين خططه لإصلاح النظام القضائي مما فجر موجة احتجاجات شعبية وانقسامات سياسية واسعة، ثم تبددت الآمال تمامًا بهجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهيئة البث الإسرائيلية: إصابة 4 مجندات قبالة الحدود المصرية
لقطات جديدة.. اللحظات الأولى لاغتيال حسن إصليح داخل مستشفى ناصر (شاهد)
كمين “حي التنور”.. القسام تفتح “أبواب الجحيم” على قوتين إسرائيليتين في رفح (شاهد)
الطوفان وتحطيم ثقة الإسرائيليين
ويقول المحلل السياسي الإسرائيلي شالوم ليبنر، إن الدمار الشامل الذي ألحقته هجمات 7 أكتوبر بالقواعد والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة امتد إلى تحطيم ثقة الإسرائيليين في مؤسساتهم العامة التي كانت تحظى باحترام كبير وهي الحكومة والجيش، وأجهزة الاستخبارات، مع اتضاح حجم الخلل الهائل الذي أصاب هذه المؤسسات، حتى بدت إسرائيل تائهة، وقد تخلّت عنها قياداتها على ما يبدو في ذلك الوقت.

وأضاف ليبنر أنه بعد مرور عام على هجمات 7 أكتوبر الماضي، ما زالت مشاعر الإحباط وخيبة الأمل تسيطر على أغلبية الإسرائيليين. وقد أصبحت وعود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتحقيق “نصر كامل” على حماس “جوفاء”. والإسرائيليون إما يشعرون بخيبة الأمل لأن تعهّداته لم تتحقق، أو أنهم لا يصدقون أن مثل هذا الإنجاز ممكن.
وفي حين تتزايد خسائر الإسرائيليين في حرب غزة رغم الدمار الهائل الذي تلحقه إسرائيل بمدن القطاع، وقتلها لأكثر من 42 ألف فلسطيني أغلبهم من الأطفال والنساء، تعيد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تجميع صفوفها داخل المناطق التي ينسحب منها الجيش الإسرائيلي. كما تتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لقبول وقف إطلاق النار الذي لن يوقف تفكيك البنية التحتية لفصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع.
دفعة قوية لكنها قد تكون مؤقتة
ولكن الروح المعنوية المنهارة للإسرائيليين، تلقّت دفعة قوية يوم 17 سبتمبر/أيلول الماضي عندما تحول الاهتمام فجأة نحو لبنان، بعد تفجيرات البيجر ثم أجهزة الاتصال اللاسلكي في اليوم التالي، خلال عملية استخباراتية محكمة.
ورغم نفي إسرائيل الرسمي مسؤوليتها عن العمليتين، فإن الجيش الإسرائيلي أعقبهما بسلسلة هجمات جوية أسفرت عن قتل عدد من كبار قادة حزب الله -العدو اللدود لإسرائيل- وفي مقدمتهم أمينه العام حسن نصر الله، وشن عملية عسكرية واسعة على لبنان.
وفي حين لم تكن إسرائيل مستعدة للحرب ضد حماس في غزة، فإنها كانت مستعدة بصورة أفضل للتعامل مع حزب الله سواء على الصعيد العسكري أو الاستخباراتي، وهو ما أتاح لها توجيه ضربة قوية إليه جعلته “يرجع 20 عامًا إلى الوراء” على حد قول مسؤول أمريكي لشبكة (سي إن إن) الأمريكية.

ولكن هذه الارتفاع في الروح المعنوية للإسرائيليين وتفوقها في ساحة القتال ضد حزب الله، قد يتضح فيما بعد أنه مؤقت، يقول ليبنر الذي عمل خلال الفترة من 1990 إلى 2016 في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي مع 7 رؤوساء وزارة متعاقبين “ما يزال عشرات الآلاف من الإسرائيليين نازحين عن منازلهم الموجودة في مرمى نيران حزب الله، ويمكن أن يزداد أعداد النازحين الإسرائيليين إذا وسع حزب الله نطاق هجماته. وقد شهد يوم 25 سبتمبر قصفًا صاروخيًا غير مسبوق من حزب الله لتل أبيب”.
وتابع “إن الحكمة التقليدية تقول إن الحزب ما يزال يحتفظ بترسانة صاروخية كبيرة، يمكنه إطلاقها مع تقدم التوغل البري للجيش الإسرائيلي. والأخطر من ذلك أن إيران تجاوزت سريعًا ضربات إسرائيل لحليفها حزب الله وأغرقت إسرائيل بنحو 200 صاروخ باليستي في الأول من أكتوبر”.
واستطرد “الآن تقف إسرائيل مرة أخرى في مفترق طرق. ففي حين يتزايد القصف الإسرائيلي في لبنان كجزء من محاولة معلنة لتعزيز (خفض التصعيد من خلال التصعيد)، يمكن أن تمتد نيران تلك المواجهة إلى مناطق ساخنة مجاورة أخرى، لتصبح هذه الصيغة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لإسرائيل، وخاصة بعد أن خرجت إيران من الظل لتدخل المعركة بشكل لا لبس فيه”.
ويقول إن الخطأ في التقدير ــسواء من جانب إسرائيل أو حزب الله- فيما يتصل بتصورات أو مسار المواجهة قد يؤدي إلى إشعال فتيل حرب شاملة على الجبهات المتعددة التي ذكرها نتنياهو مرارًا وتكرارًا “وهذا من شأنه أن ينذر بكارثة محتملة ليس فقط بالنسبة لمواطني إسرائيل وبنيتها الأساسية، بل وأيضا بالنسبة لاقتصادها المتعثر بالفعل ومكانتها العالمية”.
غياب الخيارات
في الوقت نفسه تطرح الدعوة التي وجهتها مجموعة من الدول بدعم من الولايات المتحدة في 25 سبتمبر الماضي إلى هدنة مدتها 21 يومًا على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، تنطلق منها المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى “وقف دائم للأعمال العدائية”، مسارًا مختلفا للمضي قدمًا في هذا المسار لأن مثل هذه الهدنة من شأنها منح حزب الله وقتًا ثمينًا للتعافي وإعادة تكوين ترسانته المستنفدة.
ويرى شالوم ليبنر أنه في غياب الخيارات المثالية، أصبحت حكومة نتنياهو ــالتي ما زالت شعبيتها متدنية إلى حد كبير بين الناخبينــ في مواجهة عدة قرارات حرجة تؤدي إما إلى انتشال الإسرائيليين من كابوسهم الممتد أو جعل الوضع الحالي السيئ أشد سوءًا. ويمكن أن تصبح “إعادة سكان الشمال إلى ديارهم بأمان”، التي أضافتها الحكومة الأمنية الإسرائيلية إلى أهدافها الحربية في 17 سبتمبر، أقل مشاكل هذه الحكومة.

في الوقت نفسه يشير تعامل نتنياهو السيئ مع المناقشات الأخيرة المتعلقة بالوقف المحتمل لإطلاق النار لمدة ثلاثة أسابيع إلى أنه ربما يتحرك في الاتجاه الخاطئ. ففي تكرار لخطوته الكلاسيكية، أعطى نتنياهو موافقته على جهود التهدئة المبذولة، ثم استسلم للاعتراضات الصاخبة من شركائه في الائتلاف الحاكم والذين هددوا باسقاط الحكومة، فسحب موافقته على جهود التهدئة.
وإذا كانت التحفّظات الإسرائيلية على الاتفاق المقترح تستحق أن تؤخذ في الاعتبار، فإن تنفير الوسطاء المتعاطفين مع إسرائيل لن يؤدي بالتأكيد إلى تفاقم مأزق إسرائيل، بحسب ليبنر، كما أن الاحتكاكات الواضحة مع الولايات المتحدة بشأن الخطوط العريضة للرد المتوقع من جانبها على الهجوم الإيراني يمكن أن تعرض إسرائيل للخطر، وهي تفتقر إلى القدرة على التعامل مع التهديد الإيراني بمفردها.
غطرسة نتنياهو والسيناريو المظلم
ويقول ليبنر إن الغطرسة التي تمارسها حكومة نتنياهو ليست حليفًا جيدًا، وسوف تتوقف المعارك في نهاية المطاف، لذلك فإن مسار العمل الأكثر فعالية لنتنياهو هو التعاون مع إدارة الرئيس الأمريكي بايدن وبدء العمل البناء لصياغة نهاية مستدامة للعبة بما يضمن المكاسب التي حققتها إسرائيل بشق الأنفس في ساحة المعركة، وينهي حروب الاستنزاف في غزة ولبنان، ويسهل عودة مواطنيها الأسرى والمهجرين إلى ديارهم.
وأخيرًا، فقد كانت واشنطن وباريس، من بين عواصم أخرى، سارعت بإرسال المساعدات لإسرائيل عندما أطلقت إيران أكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار عليها في 13 إبريل/نيسان. ولكن لن يكون لهذا الدعم ــبالإضافة إلى المساعدات المادية والدبلوماسية التي يقدمها الداعم لإسرائيل في البيت الأبيضــ نفس الأهمية إذا تدهورت الظروف ووجدت إسرائيل نفسها متورطة في قتال أوسع نطاقًا وأشد ضراوة.
وختم بالقول “إذا قاد نتنياهو إسرائيل إلى هذا السيناريو المظلم، بسبب غطرسة حكومته اليمينية، بعد أن يكون قد أحرق كل الجسور مع أصدقاء بلاده، فسوف يظل الإسرائيليون يشعرون بالحزن والإحباط لفترة طويلة قادمة”.