عام في القصر: أسرار تنشر لأول مرة عن الرئيس مرسي [الحلقة 17]

عام في القصر: أسرار تنشر لأول مرة عن الرئيس مرسي

بإقرارِ الدستورِ، الذي أُعلنت نتيجةُ الاستفتاءِ عليه في مساءِ الثلاثاء 25 ديسمبر 2013، قفزَ الرئيسُ محمد مرسي قفزةً مهمةً للأمام.

فهو يتبعُ سياسةَ فرضِ الأمرِ الواقعِ في التعاملِ مع المعارضةِ وإذ عمِلتْ كلَّ ما في وُسعِها من أجلِ حلِّ الجمعيةِ التأسيسيةِ لوضعِ الدستور، وجعلت التعهّدَ بذلك هو شرطَها لقَبولِ الحوارِ مع الرئيسِ، وهو ما أجمعَ عليه بعضُ قادتِها عندما التقَوا به، فقد مضى قُدماً في طريقِه، وعندما انسحبوا منها، قبيلَ جلساتِها النهائية لم يكترثْ كثيراً بانسحابِهم، وتمّ الانتهاءُ من إعدادِ مشروعِ الدستور، فكان مطلبُهم عدمَ عرضِه على الاستفتاءِ، ودعَوا إلى مظاهراتٍ لم تكنْ قد توقّفتْ من أجل هذا الهدفِ، لكن ها هو مشروعُ الدستور يُعرضُ على الشعبِ، والذي وافقَ عليه بأغلبيةٍ مريحة!

والحال كذلك، فقد وضعتْ جبهةُ الإنقاذ شرطاً لبدء الحوارِ مع الرئاسةِ، هو التعهّدُ بتعديلِ بعضِ مواد الدستور، وقامت نسوةٌ في المدينة بقصِّ شعورهنّ احتجاجاً على الدستورِ، من بينهنّ “جانيت عبد العليم” الباحثةُ فيما يُسمّى بمركزِ وسائل الاتّصال من أجلِ التنمية، ومنى عبد الراضي أمينةُ الاتحاد النسائي بحزبِ التجمّع الوطني التقدّمي الوحدوي، وقلْنَ إنّ الفكرةَ مستوحاةٌ من ابنةِ إخناتون التي حلقت شعرَ رأسِها وجابت البراريَ والصحاريَ المصريةَ في صحبةِ أبيها بعد أن تعرّضَ للظلم من كهنةِ المعبد!

إن شئتَ الدقّةَ فإن شهرَ ديسمبر2012 كان هو شهرَ الحسم، رغمَ القلاقلِ والمظاهراتِ التي لا تنتهي والتي تدعو لها جبهةُ الإنقاذ، فقد تمّ إقرارُ الدستور، وخضعت لذلك المحكمةُ الدستوريةُ العليا وقامت جمعيّتُها العموميةُ بالاستجابةِ للنصِ الخاصِ بتشكيلِها، وخرجت تهاني الجبالي من العملِ القضائي بشكلٍ كامل، فما يزيدُ على العددِ المنصوصِ عليه في الدستورِ كان النصُّ على عودتِهم لوظائِفهم السابقةِ، ولأن جميعَهم قضاةٌ، فلم يكن هناك مشكلةٌ في هذا، لتكونَ المشكلةُ فقط في “الجبالي”، التي لم تكن قاضيةً، وإنما كانت محاميةً في جامعةِ طنطا، وقد خرجت على التقاعدِ لتجاوزِها سنَّ الستّين، في حين أن سنَّ الخروجِ على المعاشِ بالنسبةِ للقضاة هو سبعون سنةً!

المستشارة تهاني الجبالي

وإذا كانت بدايةُ هذا الشهرِ قد شهدت أزمةَ النائبِ العام وإجباره من قِبلِ وكلاءَ للنيابةِ على إعلانِ استقالته، فقد تراجعَ في الاستقالةِ، وعاد لمكتبِه ليقومَ بعمليةِ تصفيةٍ ضد الحرسِ القديمِ في مكتبِ النائب العام، الذي كان يمثلُه النائبُ العام المساعدُ عادل السعيد!

كما شهد هذا الشهرُ استكمالَ تشكيلِ مجلسِ الشورى، بتعيين الرئيسِ ثلثَ الأعضاء، استعداداً للقيامِ بمَهمة التشريعِ كاملة، لحينِ انتخابِ مجلسِ الشعب!

كان ما يشغلُ الرئيسَ محمد مرسي هو استكمالُ بناءِ مؤسّساتِ الدولةِ، وكانت المعارضةُ تعملُ على إفشالِه في هذه المَهمة، لكنّه كان دائماً يقفزُ للأمام، فينجحُ في فرضِ الأمرِ الواقعِ عليها، وهو يجعلُ الموضوعَ الجديدَ هو خوضَ انتخاباتِ البرلمانِ، وبدأت القوى السياسيةُ الرقصَ على هذه النغمةِ، والاستعدادَ لها، وإن كان هذا لم يمنعْ من الطلبِ بتعديلِ الدستور، وعقد البرادعي لقاءً مغلقاً مع أعضاء المكتبِ السياسي لحركةِ شباب 6 أبريل في منزلِه لبحثِ الاستعدادِ للاحتفالِ بذكرى ثورةِ يناير، وفيه قال بضرورةِ الضغطِ الشعبي لإسقاطِ الدستور.

وبدأت المعارضةُ البحثَ في إمكانيةِ خوضِ الانتخاباتِ البرلمانيةِ بقائمةٍ موحدةٍ، فلا صوتَ يعلو على الانتخابات!

وتقدّمت جبهةُ الإنقاذِ- التي كانت تضمُّ في هذا التاريخ 15 حزباً- بمشروعِ قانونٍ لمباشرةِ الحقوقِ السياسيةِ إلى الرئاسةِ، حيث تسلّمتْه الدكتورةُ باكينام الشرقاوي، مساعدُ رئيسِ الجمهوريةِ للشؤونِ السياسيةِ، ويضمُّ 7 أبوابٍ و94 مادةً، وهو مشروعٌ يدورُ حول تشكيلِ اللجنة العليا للانتخاباتِ، وأن الشرطةَ المنتدبةَ للعمليةِ الانتخابية تأخذُ تعليماتٍ من اللجنةِ العليا ورؤساءِ اللجانِ الفرعيةِ من القضاة، وعدم سقوطِ جرائمِ الانتخاباتِ بالتقادمِ، وأن تُجرى بالقوائمِ الحزبيةِ النسبيّة، مع مراعاةِ وضعِ اسمِ امرأةٍ واحدةٍ على الأقلِّ ضمنَ أسماءِ أول أربعةِ مرشحين، وامرأتَين ضمنَ أول ثمانيةِ مرشحين. ويحظر المشروعُ استخدامَ الشعاراتِ الدينيةِ أثناء الحملةِ الانتخابيةِ، كما يحظر على الموظفين العموميّين ومَن في حكمِهم الاشتراك في الدعايةِ للمرشحين!

أزماتُ عصام العريان

ولم يتوقّف الدكتورُ عصام العريان عن منشوراتِه المثيرةِ للجدلِ، والتي كانت تحرجُ الرئاسةَ، فلا يكادُ تحتوي آثارَ تغريدةٍ له، حتى يكتبَ تغريدةً جديدةً أكثرَ إثارة!

فلم تكد الرئاسةُ تتجاوزُ الأزمةَ التي تسبّب فيها مع القضاةِ، والخاصةَ بإعلانِه أنّ مكالمةَ النائبِ العام عبد المجيد محمود التي قبل فيها منصبَ سفيرِ مصر في الفاتيكان مسجلةٌ، وأن الرئاسةَ تسجلُ كلَّ المكالمات الصادرةِ منها، وهو ما رأى النائبُ العام فتحَ تحقيقٍ فيه لإحراجِ الرئاسة، حتى بدأ العريان أزمةً جديدةً تمثلت في دعوتِه اليهودَ المصريين للعودةِ إلى مصرَ واستردادِ أملاكِهم، ورحّبَ الإعلامُ الإسرائيليُ بالدعوةِ وأشاد بمرسي، واستخدمتْها المعارضةُ أداةً لتشويه الإخوانِ والرئاسةِ، واعتبرت أنها دعوةٌ تسعى لكسبِ ودِّ الإسرائيليين من جماعةٍ طالما دغدغت المشاعرَ بتهديدِ اليهودِ بخيبر، وبجيشِ محمد!

وأمسكت المعارضةُ في هذا المنشورِ وصنعت من “الحَبّة قُبّة”، واعتبرَها عبد الغفار شكر رئيسُ حزب التحالف الشعبي جزءاً من دعايةِ الإخوانِ ضد ثورةِ يوليو 1952، وأنهم هنا يتّهمون عبدَ الناصر بأنه طرد اليهودَ من مصرَ.

وقال الحقوقي حافظ أبو سعدة إنّ كلامَ العريان يستهدفُ ترتيبَ تعويضاتٍ ضخمةٍ لليهود بسببِ طردِهم، وعلى أساسِ أنه لا يوجد دليلٌ على عمليةِ الطردِ هذه، لكنّ الإقرارَ بهذا من قبل ممثلٍ عن رئاسةِ الجمهوريةِ يؤكدُ أن هناك اتجاهاً لدفع التعويضاتِ من ميزانيةِ الدولة. ووصف حسين عبد الرازق عضو المجلسِ الرئاسي بحزبِ التجمع حديثَ العريان بأنه غيرُ مسؤول.

كان العريان مُستشاراً برئاسةِ الجمهورية، وعقب انتهائِه من صلاةِ الفجر، يغريه السكونُ بالتغريد، فيستيقظُ الناسُ كثيراً على واحدةٍ من التغريداتِ المثيرةِ للجدل، والتي تتسبّبُ في أزمةٍ للقوم هم في غنًى عنها، وكلامُه لا يحسبُ فقط على جماعةِ الإخوان، ولكن يحسبُ كذلك على الرئاسةِ بحكمِ منصبه!

ولم تمنعْه الحملةُ على الجماعةِ والرئاسةِ من أن يجددَ دعوتَه بعد أربعةِ أيام في مداخلةٍ مع برنامجٍ تلفزيوني هذه المرّةِ، ودافعَ عنها، مستنداً تارةً إلى نصوصِ الدستور الذي يكفل حقَّ المواطنةِ، وبين القولِ إنّ عودةَ اليهودِ المصريين ستعجّلُ بعودةِ الفلسطينيين إلى وطنِهم.

وتعليقاً على هذه الدعوةِ وصلت للرئاسةِ برقيةٌ من الهيئةِ اليهودية في باريس، تطالبُ بحقِّ اليهود في استردادِ 30 مليارَ دولار كتعويضٍ لهم، بعد هذا الاعترافِ المصري بحقوقِهم. ومن جانبِه، أعلنَ تنظيمُ الجهادِ ممثلاً في أحدِ قياداتِه وهو محمد أبو سمرة العودةَ للعنفِ حال عودةِ اليهود، على أساسِ أن وجودَهم في مصرَ مخالفٌ للشريعة.

ولم تجد الرئاسةُ بدّاً من أن تعلنَ أنها غيرُ مسؤولة عن هذه التصريحاتِ، وأنها مجرد آراء شخصيةٍ للعريان.

وربما تنفّس الرئيسُ محمد مرسي الصعداء، عندما وجد حلاً معقولاً لكتلةِ البارودِ المتحركةِ هذه، فتمَّ تعيينُ العريان في مجلسِ الشورى، وزعيماً للأغلبيةِ، بما يمثّل تخلّصاً دبلوماسياً من الرئاسةِ منه، وكتب العريان تغريدةً، قال فيها إنه مَن استقال من عملِه ضمنَ هيئة المستشارين بالرئاسة.

ورغم أن الهجومَ على هذه التصريحاتِ يبدو خارجَ سياق الاستعدادِ للانتخاباتِ البرلمانيةِ، لكنّ الواقعَ أنها جزءٌ منها، ولضربِ حزبِ “الحرية والعدالة” في هذه الانتخاباتِ وتقديمِه على أنه يتقرّبُ من اليهود، ويخططُ لمجاملة الإسرائيليين من الخزانةِ المصريةِ، مستغلةً في هذا حالةَ العداءِ الشعبي لإسرائيلَ!

وكان حزبُ “الحرية والعدالة”، الذراعُ السياسية للإخوانِ المسلمين، يستعدُّ أيضاً للانتخاباتِ البرلمانيةِ، لكنه في هذه المرةِ قال إنه لن يتحالفَ مع الليبراليين، وأعلنَ عن استعدادِه للتنازلِ عن 40 في المئةِ من قوائمِه للإسلاميين فقط، وأعلنَ أنه سيقومُ بالتنسيقِ مع حزبِ “البناء والتنمية”، الذراعِ السياسيةِ للجماعةِ الإسلامية في محافظاتِ الصعيد!

ومع بدايةِ شهرِ يناير 2013، لم يكن هناك ما يؤكدُ في الأفقِ أن انقلاباً في الطريقِ، أو أن هناك استعداداً لانقلابٍ عسكري.

الدكتور عصام العريان
هيكل ومرسي.. كاهن يبحث عن فرعونَ

لقد طلبَ الرئيسُ عقبَ حصار الاتحادية أن يلتقي بالكاتبِ الكبيرِ محمد حسنين هيكل، وهو المعروفُ بأنه “عرّاب الانقلاب”، لكن كان من الواضحِ أن التفكيرَ في الانقلابِ العسكري لم يكن قائماً خلال هذه الفترةِ!

وذلك رغمَ حساسيةِ موقفِ هيكل، عندما يلتقي برئيسٍ تقود المعارضةُ حملةً ضده حدَّ حصارِ قصر الحكم، ومحاولة اقتحامِه، وكان مُدركاً هو هذه الحساسيةَ، فبرّر قبل أن يُوجّه إليه أيُّ انتقادٍ، بأنه يلتقي بالرئيسِ كصحفي فهو ليس سياسياً أو جزءاً من الفعلِ السياسي وحالةِ الاستقطاب!

وعقب اللقاءِ، كان الحوارُ الممتدّ مع لميس الحديدي معه، وقد راعني أنّه في الحلقتَين الأوليَينِ كان متعاطفاً تماماً مع الرئيسِ، مشيداً بما أسماه قدرتَه على الإنصات!

وهيكل كاهنٌ يبحثُ دائماً عن فرعونَ، كما وصفه الكاتبُ الراحل صلاح عيسى، في دراسةٍ حملت هذا العنوانَ ونشرتْها مجلةُ “الهلال”، فقد كان كاهنَ عبد الناصر، وأرادَ أن يجربَ حظَه مع السادات، لكنّ الخلافَ بينهما وقع، وانتهى بعزلِ الساداتِ له من رئاسةِ تحريرِ جريدة “الأهرام”، وأحاله في وقتٍ لاحق للتحقيقِ أمامَ المدعي العام الاشتراكي، قبلَ اعتقالِه ضمن مَن تمَّ التحفظُ عليهم في سبتمبر 1981، وانتقم هو من الساداتِ على طريقتِه، فألّف كتابَ “خريف الغضب”، وجّه فيه إهاناتٍ بالغةً للسادات، وصلت إلى حدّ قولِه إنه كان معقداً من لونِه الأسمر، ولأن شهوةَ الانتقام كانت تسيطرُ عليه، فقد قال إنّه ورِثَ اللونَ الأسودَ عن والدتِه “ست البرين”، وهي سودانيةٌ، فكانت حملةٌ عليه من القُرّاءِ السودانيين!

وأراد أن يقومَ بدورِ الكاهن مع مبارك، لكن مبارك كان ينفرُ من حالةِ التعالي بالثقافةِ التي يحرصُ هيكل على تأكيدِها ويعملُ على تعميقِها، وكان مبارك أجهلَ من أن يفهمَ كثيراً مما يقولُه هيكل، أو يملك القدرةَ على تحمُّلِ طريقتِه في الكلامِ للوصولِ إلى هدفِه، حيث يطوفُ حول الموضوعِ طويلاً، قبل الوصولِ للنقطة المطلوبة.

ويبدو أنّ صلاح عيسى بدراستِه “كاهن يبحث عن فرعون”، قد ضغطَ على جرحٍ غائرٍ في قلبِ الكاتبِ الكبيرِ، فكانت القطيعةُ، وعندما أجرى عيسى عمليةَ القلبِ المفتوحِ لم يزرْه أو يطمئنّ عليه، كان من الواضحِ أنه غاضبٌ بشكلٍ كبير، فنسِيَ أنه عندما حُوصِر كتابُه “خريف الغضب” عقب صدورِه، أنّ “صلاح عيسى” أجرى معه حواراً مطولاً نشرته جريدة “الأهالي” التي كان عيسى يشغلُ مديرَ تحريرِها، وكان ينقلُ في الإجابة عن بعض الأسئلةِ إجاباتٍ مطولةً من الكتاب، لتحدّي عمليةِ الحصار، وهو ما أحدثَ أزمةً داخل حزب التجمع الذي يصدرُ “الأهالي”، لأن جهاتٍ في السلطةِ دخلت على الخطِّ، واستخدمت البعضَ داخل التجمع لوقفِ هذا النشر!

بَيدَ أنّ هيكل نسِيَ كل هذا، بسببِ هذا الوصف: “كاهن يبحث عن فرعون”، لأنه ضغطَ على جرحٍ عميقٍ لديه، ولامسَ عصبَ الحقيقة، فهل كان يبحثُ عن دورٍ مع الفرعونِ الجديد: محمد مرسي؟!

محمد حسنين هيكل

لقد تغيّرَ موقفُ هيكل في سلسلةِ حواراتِه مع “لميس الحديدي” على قناة “سي بي سي”، هل لأنه بعدَ الإشادةِ بالرئيسِ كان ينتظرُ تواصلاً من الرئيسِ معه، لشكرِه أو لتكرارِ اللقاءِ به، وهو ما لم يحدثْ؟ هل كانت هناك جهةٌ في الجماعةِ أو الرئاسةِ تتابعُ هذا الحوارَ أصلاً؟!

وإذا كان للجماعة مشكلاتٌ سابقةٌ مع العصرِ الناصري، وهيكل هو كاهنٌ هذه المرحلةِ، فقد حدثَ ما أسقطَ هذه الحساسيةَ، ففي إحدى السنواتِ في عهدِ مبارك، وكانت القبضةُ الأمنيةُ تشتدُّ على جماعة الإخوان، وكانوا قد بدأوا في تقليدٍ سنوي وهو الدعوةُ لإفطارٍ بأحدِ الفنادق في أحدِ أيام شهرِ رمضان، وهو ما مُنع في سنواتٍ تالية!

وجهت الدعوةُ لهيكل، فلبّاها، ولم ينسَ أن يقول هناك: جئت إلى هنا متحدياً، في إشارةٍ لا تخطئ العينُ دلالتَها على أن التحدي هو لسلطةٍ تحاصرُ الجماعةَ وتنكّلُ بها!

لكنها إشكاليةُ التواصلِ مع الغيرِ، مع أناسٍ من ثقافةٍ مختلفة، فماذا يمكن أن يكونَ الحديثُ عند اللقاءِ، فهل يوجدُ من بينِ مَن سيلتقون به أو مَن يتواصلون معه مَن قرأوا كتبَه مثلاً، أو لهم تحفّظٌ على بعضِ آرائه، وماذا بعد الدقائقِ الأولى التي تدور حول الحالِ والأحوالِ والسؤالِ عن الصحة والأولاد؟!

إنّ المنطقَ هنا أن يُتركَ هيكل لطريقتِه الاستعراضيةِ في الكلامِ، فيبدو المستمعُ أمام نفسِه كما لو كان تلميذاً يتلقّى دروساً من الأستاذ المعلم، وعندما تختلفُ الثقافاتُ وتتعارضُ التوجهاتُ تكون هذه الطريقة غيرَ مستساغةٍ من قبل المستمع، لاسيما إذا كان يتولّى منصباً قيادياً في مؤسسةٍ ما!

وفي أولِ لقاءٍ لهيكل مع مبارك، تحدثَ بهذه الطريقةِ، فظنَّ مبارك أنه ينصحُه أو شيئاً من هذا القبيل، فقال له: “وفّر نصائحك لنفسك، ليسكتَه عن مواصلة الكلام الذي لا يفهمه”.

يبدو كلُّ ما سبق هو جملةً اعتراضيةً طالت كثيراً، فالهدفُ من كل هذا الاستطرادِ هو التأكيدُ على أنه إلى هذا التوقيتِ لم تكنْ هناك نيةٌ متوفرةٌ في الانقلابِ، فها هو “عرّاب الانقلاب” يتحدّى القوى الأقربَ إلى توجّهِه ويذهبُ للرئاسةِ تلبيةً لدعوة الرئيسِ، وها هو يطلبُ القربَ ويحرصُ على الودِّ، وعندما تغيرتِ اللهجةُ، في الحلقاتِ التاليةِ من حوارِ “لميس الحديدي” كان هذا في إطارِه الطبيعي، ويمثلُ وجهةَ نظرِ كاتبٍ أو محللٍ في مجملِ الأوضاعِ السياسية.

أزمةُ الإمارات

وقد جاء شهرُ فبراير 2013، وهو يحملُ خبراً غيرَ سارٍّ، سيكونُ له ما بعدَه، حيث قامت أجهزةُ الأمنِ في الإماراتِ بالقبضِ على مَن أطلقت عليهم “خلية إخوانية” بتهمةِ إدارةِ تنظيمٍ على أرضِ الدولةِ يتمتّعُ بهيكلةٍ تنظيميةٍ ومنهجيةِ عملٍ منظمةٍ، تقومُ بجمع معلوماتٍ سريةٍ بهدفِ زعزعةِ استقرارِ البلادِ. وأنهم بحسبِ ما جاء في صحيفةِ “الخليج” الإماراتيةِ يعقدون اجتماعاتٍ سريةً في مُختلفِ مناطقِ الدولة، وما يطلقُ عليه تنظيمياً “المكاتب الإدارية”، ويجنّدون أبناءَ الجاليةِ المصريةِ في الإماراتِ للانضمامِ للتنظيمِ، حيثُ أسّسوا شركاتٍ لدعمِه وجمعوا أموالاً طائلةً وحوّلوها إلى التنظيمِ الأمّ في القاهرة.

الجديرُ بالملاحظةِ أن أعضاءَ الخلية هم عشرةُ أفراد، ومع ذلك كان المنسوبُ إليهم هو عقدُ اجتماعاتٍ سريةٍ في “مختلف مناطق الدولة”، ومهما يكن، فمن الواضحِ أنها اجتماعاتٌ خاصةٌ بما يُسمّى في الجماعة بـ “الأسر”، فكلُّ مجموعةٍ تشكلُ أسرةً، تعقد اجتماعاتٍ دوريةً أو شبهَ دورية، سواء في مصرَ، أو في بلادِ المهجر، وهو عُرفٌ سائدٌ لدى الإخوان الذين يعملون في دولِ الخليج، حتى في هذه الدولِ التي حلّت التنظيمَ، أو التي لا تعترفُ بقانونيتِه، ولم تكن الإماراتُ استثناءً من ذلك، وقد حدثَ نزاعٌ  في زمنِ مبارك، على قيادةِ التنظيمِ في دولةِ الإماراتِ بالذات، نتجَ عنه استقالةٌ معروفةٌ لأحد الصحفيين من التنظيمِ، ولم تكن دولةُ الإمارات تجدُ في هذا مشكلةً، وفيما نشرته جريدة “الخليج” الإماراتيةُ منسوباً لمصدرٍ مطلع في اليومِ الأول لقضية “الخلية الإخوانية”: “أن المتابعةَ لفترات تجاوزت السنواتِ كشفت عن تورّطِ عناصرِ التنظيمِ في عملياتِ جمعِ معلوماتٍ سريةٍ حول أسرار الدولة”.

لكن كان قد جدّ جديدٌ، وهو الثورةُ المصرية، وهناك دولتان خليجيتان كان لديهما تخوفٌ كبيرٌ من الثورةِ المصرية، ومن فكرةِ تصديرها: “السعودية” و”الإمارات”، إضافةً إلى أن الحكمَ في البلدَين لم يكن مرتاحاً أن يحكمَ تنظيمُ الإخوان المسلمين مصرَ، واعتبر أنه مشروعٌ منافس لهم، ويحملُ في طياتِه خطراً على الحكمِ في البلدين، فضلاً عن أن الإمارات لم تقبلْ بهذا الحضورِ لدولةِ قطر في المشهدِ المصري، وعملت عبرَ إعلامها في القاهرة على شيطنةِ الدولة القطرية، والنظرِ إلى مشروعاتِها المستقبلية على أنها خطرٌ على الأمن القومي المصري، وتأتي في سياقِ رغبةٍ لهيمنةِ قطرَ على مصرَ، بمساعدةِ جماعة الإخوان المسلمين!

وفي الواقعِ أن قضيةَ “الخلية الإخوانية”، كانت نتاجَ تغيُّر السياسة الإماراتية، وكان التفكيرُ من قبلُ هو قطعَ كل علاقةٍ بالإخوان كجماعةٍ، والتعامل مع الدكتور محمد مرسي فقط كرئيسٍ، فلما ذهبَ أحدُ قادةِ الأحزابِ السياسيةِ المصرية برسالةٍ من الرئيس لمحمد بن زايد، لم يجد ترحيباً، وجلسَ فترةً طويلةً في مكتب محمد دحلان، في انتظارِ الدخولِ عليه، وبعد دخولِه وجد مقابلةً فاترةً من ابن زايد، والذي أكّد له أنه تراجعَ عن وعدِه السابقِ بمساعدةِ الرئيسِ محمد مرسي، وأنه اتفقَ مع السعوديين على مساعدةِ الشعبِ المصري، دون أن يحددَ طبيعةَ هذه المساعدة!

كان هذا اللقاءُ في شهر يناير، وقبل القبضِ على “الخلية الإخوانية”، والتي ربما تأتي في سياقِ تغييرِ السياسات في التعاملِ مع الوافد الجديدِ على القصرِ الرئاسي.

وتوجهَ الدكتور عصام الحداد مساعدُ رئيس الجمهورية، واللواءُ رأفت شحاتة مديرُ جهازِ المخابراتِ العامة إلى الإمارات لاحتواءِ الموقفِ، وذهب الدكتورُ عصام العريان إلى تغريداتِه المثيرةِ للجدل، فأعلن تمسكَه بعودةِ اليهودِ، وقال إن اعتقالَ الإمارات أشخاصاً ينتمون لجماعة الإخوان يأتي خوفاً من الإمارات من التحوّلِ الديمقراطي الذي تعيشُه مصرُ ومثّل خطراً على دولِ الإقليمِ ولاستشعارِها خطورةَ الإخوان على نظامِها.

وهذا في نفسِ اليوم الذي سافر فيه شحاتة والحداد للإمارات، كما لو كان يستهدفُ إفشال مَهمتهما، وهو أمرٌ مستبعدٌ تماماً، لكنه الدكتور عصام العريان وتصريحاته المثيرة للجدلِ في هذه المرحلةِ، وكما قيل” الطريقُ إلى جهنمَ مفروشٌ بالنوايا الحسنة”.

السيطرةُ على الإعلام

وكان من الواضحِ أن فكرةَ الانقلابِ العسكري على الرئيسِ لم تطرأْ على مجالِ تفكيرِ القومِ، ربما كان الهدفُ هو إفشالَه، ومساعدةَ من يفشلونه، بالاستمرارِ في الفوضى، وفي الحربِ الإعلامية، وكانت الإمارات لها علاقةٌ وثيقةٌ بإعلاميين، وصحفٍ، وقنواتٍ تلفزيونيةٍ، ربما تكون هي الممولَ الرئيسَ لها.

ومن الواضحِ أنّ هناك خطةً وضعها أحدُ الأجهزة الأمنية لشراءِ كثيرٍ من وسائلِ الإعلام، وقد استقبلتُ رجلَ أعمال قبل انتخاباتِ الرئاسة، أفصح لي عن خطتِهم في شراء الكثير من الصحف القديمة (الخاصة والحزبية)، فلما سألتُه من هم: قال مجموعةٌ من رجال الأعمال يشغلُهم الحفاظُ على الدولة المصرية، وإن كنت أعتقدُ أن الأمرَ أكبرَ من قدرةِ أي مجموعةٍ من رجالِ الأعمالِ، وعندما يحدثُ تنفيذُ هذه السياسةِ في مرحلةِ ما بعد الانقلابِ العسكري، فإنه تتأكدُ لديّ هذه القناعة.

كان أحدُ رجالِ الأعمالِ غير المشهورين، قد عرض عليّ، شراء جريدة “الأحرار” بصفتي رئيسَ تحريرها، ومن الصحف التي قال إنهم يضعونها في خطتِهم جريدةُ “صوت الأمة” الخاصة!

وكانت وجهةُ نظري التي طرحتها عليه، أن يتركوا الصحفَ القائمةَ بأعبائِها، ويؤسّسوا صحفاً جديدة، فهو يجلسُ في جريدةٍ مديونةٍ للمطابع ولهيئةِ التأميناتِ الاجتماعيةِ بأكثرَ من ستةِ ملايين، ثم أنه سيتحمّلُ أكثرَ من مائتي صحفي وموظف لم يكن طرفاً في اختيارِهم، لكنه قال إنه يشتري تاريخاً!، وقد صدرت “الأحرار” في سنة 1977، كأول صحيفةٍ حزبيةٍ بعد ثورةِ يوليو، وتحوّلت من أسبوعيةٍ إلى يوميةٍ في سنة 1994.

وطلب مني أن يشاهدَ المبنى، وأن يرى المطابعَ، وكنت في حرجٍ لأن المبنى وإن كان فيلا تقول إحدى الرواياتِ إنّها منزلُ الفنان نجيب الريحاني، إلا أنّها كانت قديمةً، وكنت في حرجٍ وأنا أستجيبُ له، ولم يرفعْ هذا الحرجَ عني إلا نظرتُه للجدران، ولسقفِ المبنى المرتفعِ كطرازٍ قديم للبناياتِ لم يعد موجوداً الآن، وكأنه يشاهدُ الأهرامات لأوّل مرة.

كأن يقول لي إن الجدرانَ لها رائحةٌ تنعشُه، ثم يسألني إن كان مكتبُ مصطفى بك هنا؟.. هل مشى في هذه الطرقةِ؟.. هل هبطَ عبر هذه السلالم كما نهبطُ الآن؟! الأمرُ الوحيد الذي كان له موقفٌ سلبيٌ منه هو المطبعة.. قال إنها مطبعةُ كراسات لا تليق بصحيفةٍ.

ووجدتها فرصةَ لأستكملَ ما بدأته من الحديثِ عن النفقاتِ الباهظةِ التي يستكبّدونها في حالِ شراءِ مؤسساتٍ صحفيةٍ قديمة، هل تعلم ما ثمنُ المطبعة الحديثة؟

فأجاب: مِشْ مهم!

وعاد إلى ذاتِ الأسطوانة

نحن نشتري تاريخاً، ثم إننا سنقومُ بإنشاءِ صحفٍ وقنواتٍ تلفزيونيةٍ حديثةٍ.. هذا بجانب ذاك!

ولم تتمَّ الصفقةُ على أيةِ حال، وإن تمت صفقةُ بيع “صوت الأمة” في مرحلةِ ما بعد الانقلابِ العسكري. فهل كان شراءُ الصحفِ والمؤسّسات الإعلامية وتأسيسُ مؤسسات جديدة، مشروعاً لمن ينفذه؟!

الشاهدُ أن الإمارات موّلت إعلاماً وإعلاميين، لكن قطعاً لم تكن فكرةُ الانقلابِ العسكري في هذه الفترةِ المتقدمةِ نسبياً مطروحةً على جدول أعمالِ أحد.

الاستعدادُ للانتخاباتِ البرلمانية

لقد واصلت كلُّ الأحزاب الاستعدادَ للانتخاباتِ البرلمانيةِ، وبدأت مع بدايةِ شهرِ يناير جبهةُ الإنقاذ في تأسيسِ لجنةٍ مَهمتُها دراسةُ الخريطة الانتخابيةِ على مستوى الجمهورية، للوقوفِ على عددِ الأحزابِ التي ستخوضُ الانتخاباتِ على قوائمِ الجبهة، وعددِ المرشحين، وموطنِ قوة المرشحين الذين سيواجهون مرشحي الجبهة!

وفي اليومِ الأول لشهرِ يناير أعلن حزبُ المؤتمر الذي يتزعمه المرشحُ الرئاسيُ السابق عمرو موسى أنه أوشك على الانتهاءِ من الأسماء التي سيتمُّ الدفعُ بها لخوضِ الانتخابات عن الحزب.

كان كلُّ حزبٍ أو حركةٍ داخل الجبهة يعدُّ قوائمَه، لتكونَ هناك لقاءاتٌ للتفاوض والتنسيق، والآن لا أعرفُ لماذا لم أعرض نفسي مرشحاً على قوائمِ حزب عمرو موسى، والرجلُ كان يحمل لي تقديراً خاصاً، وليس سرّاً أنني أعطيتُه صوتي في الانتخاباتِ الرئاسيةِ في جولتِها الأولى، وكتبتُ أكثرَ من مقالٍ أقول فيه لماذا أرى أنه الأنسبُ لهذه المرحلة.

فقد اتصلتُ بالزميل عزازي علي عزازي، المنسقِ للتيار الشعبي، فحدّد لي موعداً لمقابلته ليلاً، وذهبت مع أحد الزملاء الذي كان ينوي الترشحَ في محافظة قنا، وهناك وجدنا زميلاً آخرَ يتقدم بطلبِ ترشيحه في محافظة سوهاج، وكانت طريقةُ التعاملِ تؤكّد أنني لم أخطئ العنوان!

سألني الراحل عزازي رحمه الله، عن الدائرةِ التي أريدُ خوضَ الانتخابات فيها، وهل المناسبُ لي المقعد الفردي أم القائمة؟ وأجبتْه: القائمةُ الأولى بمحافظة سوهاج، وقال زميلي إنّ طلبه كان للقائمة، ألا وأنني اخترتُ القائمة فسيعدلُ عن قراره ويختارُ الترشحَ عن المقعد الفردي حتى لا يزاحمَني في ترتيب القائمة.

وقال لي عزازي ليس عليك إلا أن تكتبَ بياناتك. ثم ذهبَ يسأل زميلي سؤالَ الملكَين؟ هل ترشحت قبل ذلك؟ مَن النواب الحاليون بالدائرة؟ ومَن المرشحون المحتملون؟ وكم مرةً في العام تزور دائرتك؟ وما هي فرصُ نجاحك؟ ولماذا لم تترشحْ في دائرة أخرى ولتكن القاهرة مثلاً، حيث تقيم؟

كنت قد اخترتُ القائمة، لأن الإخوان كانوا قد اختاروا أحدَ أفراد عائلتنا لخوضِ الانتخابات على المقعد الفردي، وكان يعيشُ في الخليج منذ سنواتٍ طويلة، وعندما سألت إن كان من الإخوان؟ كان الإجماع لا. فبدا لي هذا الاستدعاءُ كما لو كان لمواجهتي ولم يكن هذا صحيحاً، فلستُ قوةً انتخابية يحسب لها الإخوانُ حساباً.

وخرجنا من عند الدكتور عزازي لنجدَ عشرات ينتظرون دورَهم في الدخول، فالاستعدادُ للانتخابات كان يُؤخذ بجديةٍ شديدةٍ، وعلى قدم وساق ولا يمكن – والحال كذلك- تصورُ أنه يتمُّ التفكيرُ في انقلابٍ على الرئيس المنتخب.

عزازي علي عزازي
أزمةٌ داخلَ جبهة الإنقاذ

وقد نُسِبَ لجبهة الإنقاذ في مرحلةٍ لاحقةٍ شروطٌ لخوض الانتخاباتِ، منها إعادةُ تقسيم القوائم الانتخابية، بحيثُ تكونُ لكل محافظةٍ قائمةٌ واحدةٌ، ما عدا المحافظاتِ الكبرى في عددِ السكان، فتقسمُ كلُّ منها إلى قائمتَين فقط، وتخفيض عدد الناخبين المقيدين في كل صندوقٍ إلى خمسمائة ناخبٍ فقط، وإجراء الانتخاباتِ على يومٍ واحد، وإعادة النظرِ إلى اختصاصِ اللجنة العليا للانتخاباتِ، بحيث تكون مسؤولةً عن العمليةِ الانتخابيةِ برمتِها، مع إنشاءِ مكاتبَ وأماناتٍ فنيةٍ لها في المحافظات، وتنظيم آلياتِ الشكوى من قراراتِ اللجنة العليا بشكلٍ واضحٍ وسريعٍ، وتحديد الأوراقِ المطلوبةِ من كل مرشحٍ على أن يتمَّ النصُ عليها على سبيلِ الحصر في القانونِ ذاتِه، وكذلك ما يثبت صفةَ العاملِ والفلاح مع التضييقِ في التعريفِ بما يحقق تكافؤَ الفرص، والنص في القانونِ على دورِ منظماتِ المجتمع المدني في الرقابةِ على العمليةِ الانتخابيةِ، وتنظيم تمويلِ الدعاية، وهو ما عرف بالشروطِ العشر.

وقد تسبّبت هذه الشروطُ في أزمةٍ داخلَ جبهة الإنقاذ، فقد أعلنَ حزبُ الوفد العضو في جبهةِ الإنقاذ أنّ هذه الشروطَ لم تصدرْ من الجبهةِ، وتبيّن أن مَن وضعها هو حزبٌ وحيد فيها هو الحزبُ المصري الاجتماعي، وكشف رئيسُ الحزب الدكتور محمد أبو الغار أن هذه الشروطَ خرجت على سبيلِ الخطأ من الحزبِ، ونُسبت في وسائلِ الإعلامِ لجبهة الإنقاذ بشكلٍ خاطئ، فحزبُه كلف لجنةً لوضعِ الشروط، لمناقشتِها داخل جبهةِ الإنقاذ، وهو ما لم يحدث! والمعنى هنا أنّ أحزاباً داخل الجبهة لم تكن مع فرضِ شروطٍ لخوض الانتخاباتِ البرلمانية، ومن ثم فلم تتبنَّ جبهةُ الإنقاذ هذه الشروطَ مع نسبتِها إليها.

وقد التقى الدكتورُ محمد البرادعي رئيسُ حزب الدستور، مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيسِ حزب مصر القوية، وكذلك عمرو خالد رئيسِ حزب مصر، وبحثوا تشكيلَ تحالفٍ انتخابي لخوض هذه الانتخاباتِ، وأعلنت جبهةُ الإنقاذ ترحيبَها بانضمام أبو الفتوح، وخالد علي للجبهة دون شروط، وأكّدت أنها ستخوضُ الانتخاباتِ بقائمةٍ واحدة.

وفي هذه الأثناء أعادَ عمرو موسى رئيسُ حزب المؤتمر التأكيدَ على أنّ المعارضةَ لا تريدُ إسقاطَ الرئيس.

كان هذا الكلامُ في الأسبوع الأوّل من شهرِ يناير والذي اختتم بتغييرٍ وزاريٍ محدودٍ، ومخيبٍ للآمالِ، فقد شمل اختيارَ عشرة وزراءَ، وجدّد الرئيسُ ثقتَه من جديدٍ في الدكتور هشام قنديل رئيساً للحكومة.. وقالت جبهةُ الإنقاذ: “التعديل الوزاري زَيْ قِلّتُه”، وأن هدفَه الاستعدادُ للانتخاباتِ، في إشارةٍ إلى أن الجماعة اختارت ثمانيةً، منهم ثلاثةٌ ينتمون للإخوان بشكلٍ صريحٍ، من بينهم د. محمد علي بشر وزيرُ التنمية المحلية، وإن كان هذا لم يمنعْ من استعدادِ الجبهة للانتخابات، وأعلن عمرو موسى أنّ مفتاحَ الاستقرارِ مرهونٌ بنزاهةِ الانتخاباتِ البرلمانية، ووضعت الجبهةُ خطتَها للدعاية. وأعلنت أحزابُ اليسار العضو فيما يسمّى بالتحالفِ الديمقراطي الثوري عن إعدادِ قائمةٍ موحدةٍ باسم التحالفِ تضمُّ مرشحي اليسار للانتخاباتِ البرلمانيةِ المقبلةِ تُقدَّم لجبهةِ الإنقاذ لخوضِ الانتخاباتِ من خلالها. وقال حزبُ “المصريين الأحرار” إنه سيدفعُ بمُمثلين عن الفلاحين على قائمةِ التحالف، وكانت نسبةُ العمال والفلاحين مشكلةً تواجه قوائمَ جبهةِ الإنقاذ.

وفي المُقابل، اجتمعت الهيئةُ العليا لحزبِ الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعةِ الإخوان المسلمين، وقرّرت اختيارَ مرشحي الحزب لخوضِ هذه الانتخابات.

واستعدّت الأحزابُ الإسلامية الأخرى لذلك، وبدأ الشيخ حازم في إعدادِ قائمةٍ من أحزابٍ سلفية غيرِ حزب النور، الذي قرّر خوضَ الانتخابات مُنفرداً.

وفي يوم 17 يناير 2013 وافقَ مجلسُ الشورى من حيث المبدأُ على قانونِ مجلسِ النواب، بعد انسحابِ نوابِ أحزاب النور، والوفد، والتيار المصري، والنوابِ الأقباط، وعددٍ من النواب المُستقلّين، وعلي فتح الباب زعيمِ الأغلبية السابق قبل اختيارِ الدكتور العريان لهذا الموقعِ، وذلك بسببِ رفضِ نواب “الحرية والعدالة” مُناقشةَ التعديلاتِ التي تقدمَ بها أعضاءُ المعارضة، ولم يعطل هذا من فكرةِ استعدادِ المعارضةِ للانتخاباتِ، ففي اليوم التالي عقد السيد البدوي شحاتة رئيسُ حزب الوفد مؤتمراً صحفياً أكّد فيه استمرارَ حزبِه في جبهةِ الإنقاذ، التي ستخوضُ الانتخاباتِ بقائمةٍ موحدة.

وشكّلت الجبهةُ لجنةً للانتخابات عقدت اجتماعاً مساءَ اليوم الذي وافقَ فيه الشورى على قانونِ مجلسِ النواب، لبحثِ المقترحاتِ المقدمةِ من الأحزابِ أعضاء الجبهة حول الانتخاباتِ البرلمانية، وقرّرت اللجنةُ إلزامَ الأحزاب بعدمِ إعلانِ أسماء مرشحيها على القوائمِ والمقاعد الفردية، حتى انتهاءِ اللجنةِ منها بشكلٍ نهائي وتقديمِها إلى لجانِ الانتخاباتِ على مُستوى الجمهورية.

وساطةٌ سلفيةٌ

الجديدُ في المؤتمرِ الصحفي الذي عقدَه رئيسُ حزب الوفدِ الدكتور السيد البدوي هو ما ذكره عن وساطةٍ من دعاةٍ سلفيين بين جبهةِ الإنقاذ والرئاسة، وأن دعوةً وُجّهت للقاء في منزلِ الشيخ محمد حسين يعقوب، وحضرَ اللقاءَ من الدعاة الشيخُ محمد حسان، والشيخ سعيد عبد العظيم، وجمال المراكبي، ويسري حماد، والدكتور محمد يسري. وحضره من الجبهة عمرو موسى، وحمدين صباحي، والسيد البدوي، ومحمد سامي، وأن الجبهة أكّدت في اللقاءِ على عدة أمور: –

أولاً: أنها ليست ضدَّ الحوارِ، واقترحت أن يضمَّ الحوارُ عدداً مُتساوياً من الجانبَين، بحيث تضمُّ 10 ممثلين عن مؤسسةِ الرئاسة، ومثلَهم عن الرئاسة، و20 شخصيةً من فقهاءِ الدستورِ وأساتذةِ القانونِ، على أن يكون لهذا الحوارِ جدولُ إعمالٍ وآليةٌ لتنفيذِ ما يتخذُ من قراراتٍ لتحقيقِ العدالةِ الاجتماعية والعدالة الانتقاليةِ وإنقاذِ مصرَ من الأزمةِ الاقتصادية.

ثانياً: أكّدت الجبهةُ للدعاة أنها ليست ضدَّ الشريعةِ الإسلامية وأن كلَّ ما يتمُّ ترويجُه في هذا الشأنِ شائعاتٌ تهدفُ إلى عملِ فتنةٍ لتقسيم المجتمع إلى مسلمٍ وغير مسلم.

ثالثاً: أكّدت الجبهةُ أنها لا تستهدفُ أبداً القيامَ بانقلابٍ على الشرعيةِ. وأنها عندما سُئلت من قبل الدعاةِ إن كانوا يخطّطون لانقلابٍ؟ “ردّدنا بأننا نعلمُ أن من أتى بصندوقِ الانتخابات لا يذهبُ إلا بصندوقِ الانتخابات”.

والتقى الشيخان نفر من الدعاة بالمهندس خيرت الشاطر، الذي رفضَ طلب المعارضة بتعديلِ قانونِ الانتخابات، وكذا طلبها بإجراء تغييرٍ في الحكومة.

فماتت دعوةُ لمِّ الشمل في مهدها، وأُقرّ القانونُ بشكلٍ نهائي في يوم 19 يناير، وقال حزبُ النور إنه قانون غير دستوري.

ولا يعرفُ المرء سبباً لهذا الرفضِ من قبل المهندس الشاطر، للبدءِ في جلساتِ لمِّ الشمل، لاسيما أن جبهة الإنقاذ كانت قد رفضت دعواتٍ للحوار مع الرئاسةِ، إلا بجدولِ أعمالٍ وبالموافقةِ على الالتزامِ بتعديلِ الدستورِ لإبداءِ حسنِ النية، وفي هذه الجلسةِ تنازلت عن هذا الشرطِ، إلى تعديلٍ في قانون الانتخابٍ (قبل إقراره)، وفي تعديلٍ بالحكومة!

هل السببُ أن الشاطر لم يجد أنهم بحاجةٍ إلى مثل هذه التنازلاتِ، وباعتبارِ أن الجميعَ في طريقِهم للانتخاباتِ، وأن المعارضةَ لا تملكُ الأغلبيةَ التي تفرضُ بها شروطَها؟! وهم لن يهزموا بعد اليومِ من قِلّةٍ، لأنهم حزبُ الأغلبيةِ على الأرضِ، وأن القوةَ ممثلةٌ في القوات المسلحة تحمي الشرعيةَ؟!

وهل كان الرفضُ سببُه أن الإخوان، جماعةً وحزباً ورئاسةً وحكومةً، يرونَ في مثلِ هذه المطالبِ ما يعوق عمليةَ بناءِ مؤسسات الدولة، وهناك إسراعٌ لإعادةِ بنائِها ولا يقبلون بأيّ طلبٍ يعوق هذه المَهمة؟!

أم أنّ الرفض هو لدور لصاحب المبادرةِ (محمد حسان)، ولمن استضافها في منزله (محمد حسين يعقوب)، وللحاضرين (سعيد عبد العظيم)، و(محمد يسري)، وهم في النهاية محسوبون على تيارٍ ديني مُختلف عن الإخوان ومنافسٍ له، وهو التيار السلفي، حتى وإن كان الأخير من السلفية القريبة من الإخوان، وهو الأمين العام للهيئة الشرعية والإصلاح، التي أسّسها خيرت الشاطر، وتضم عدداً من شيوخ السلفية المُوالين للجماعة، وقد رشّح الشاطر الدكتور محمد يسري وزيراً للأوقاف، وحالَ اعتراضُ الأزهر دون تعيينه بالفعل.

وأيُ نجاح لهؤلاء سيُحسب بطبيعة الحال إلى التيار السلفي، المُنافس للإخوان على ذات الأرضيةِ الدينية، وهنا سينتقلُ بشيوخِهم إلى مرتبة الكبار الذين تقبلهم القوى المدنيةُ، ويقومون بدور الوجهاء والكبار الذين يمشون في الصلح بين الإخوانِ والقوى المدنيةِ، وقد كان الإخوانُ يستخدمون السلفيين فزّاعةً لإخافة المدنيّين والشعب المصري من أن البديل لهم هم هؤلاء الذين جاءوا حالاً من كتب التاريخ ووصلوا فوراً من صحراء نجد.

وهل يجوز لنا أن نذهبَ بعيداً ونقول إن المهندس خيرت الشاطر لم يكن معنياً كثيراً بفكرة النجاح المبهر للدكتور محمد مرسي، على النحو الذي يفتح شهيتَه لدورةٍ جديدة، والرجلُ لم ينسَ أنه مَن كان مرشحَ الجماعة للرئاسة لولا العقبةُ القانونية، التي ستزولُ مع الدورةِ الجديدة، ولم ينسَ الرجلُ أنه كان يُنادَى لفترة بلقب “الريس” داخلَ الجماعة!

غير أن هناك وجهة نظر أخرى لا تخلو من وجاهة، لمقربين من الشاطر، وهي أنه كان يتحاشى الدخول في هذه الأمور لأنها ليست من مهامه وأنها يمكن أن تتم بالتعامل المباشر مع الرئاسة أو من خلال حزب الحرية والعدالة

مهما يكن، فقد انتهت دعوةُ لمِّ الشملِ ووئِدت في المهد، واستمرّت جبهةُ الإنقاذ تستعدّ للانتخاباتِ البرلمانية.

فلم يكن الانقلابُ على الشرعيةِ مطروحاً على جدولِ الأعمال.

 

المصدر : الجزيرة مباشر