بعد غياب إمام والفخراني.. لماذا تراجعت الدراما المصرية في رمضان؟

لقطة من برومو مسلسل كلبش3

اعتاد المصريون والعرب، تلقي وجبة رمضانية دسمة من مسلسلات الدراما المصرية مع حلول شهر رمضان كل عام، تشهد قدرا من الحرية في تناول قضايا سياسية واجتماعية وترفيهية.

بيد أن هناك شبه إجماع بين المشاهدين -بحسب آرائهم بمواقع التواصل- على تراجع الدراما المصرية في رمضان الجاري.

تقلص عدد المسلسلات:
  • هذا التراجع تمثل في تقلص عدد المسلسلات (25 بدلًا من 31 رمضان الماضي و40 في بعض المواسم)، وغياب نجوم الدراما الكبار مثل عادل إمام ويحيى الفخراني.
  • كذلك غياب حرية تناول مواضيع متنوعة وجريئة، ونمطية المسلسلات والتوجيه الواضح فيها مثل إبراز دور رجال الشرطة، كما في مسلسل “كلبش” الذي أنتج منه ثلاثة أجزاء حتى الآن.
  • نقاد ومراقبون أرجعوا سبب تراجع الدراما هذا العام، إلى الرقابة التي بدأت “لجنة الدراما” المنبثقة عن “المجلس الأعلى للإعلام”، ممارستها على المسلسلات وفرض غرامات باهظة ضمن “لائحة الجزاءات”، على ما يعتبر خروجا على الأخلاق والقيم والخط السياسي.
  • أيضًا سيطرة شركات تابعة للمخابرات (سينرغي)، على سوق العمل الدرامي وشبه احتكاره، وفرض تعليمات محددة على المنتجين والمخرجين تتعلق بمدح الجيش والشرطة ومهاجمة معارضي النظام.
  • كذلك فرض الموضوعات والمسموح والممنوع على المؤلفين، وإجبار البعض على سيناريوهات مُعدَّة سلفًا، ما ساعد على مزيد من إضعاف الدراما المصرية وتكبيلها.
  • السلطة في مصر تسعى لتنفيذ خطة لاحتكار السوق الدرامي، بعد شرائها والسيطرة على الفضائيات، عن طريق ذراعها الإعلامية “إعلام المصريين” وهي شركة تابعة لجهاز المخابرات، وإخراج معظم المنافسين من السوق، ما أغضب منتجين اعتبروا هذا وأدًا لصناعة كانت تشهد انتعاشًا.
  • تعدد الجهات الرقابية، كالجهات السيادية ممثلة في وزارة الداخلية والجيش، والمجلس الأعلى للإعلام، والنقابات الفنية، ومُلاّك القنوات الفضائية بجانب الجهات التقليدية كجهاز الرقابة على المصنفات الفنية، أدى إلى التضييق على الدراما المصرية، وخروجها في اتجاه واحد لا يتعارض مع السلطة، وامتداح المسلسلات لرجال الشرطة وعرض قصص بطولات استخبارية، وتشويهها للمعارضين.
  • تقرير لـمنظمة “مراسلون بلا حدود” كشف أن الاجهزة السيادية في مصر تسيطر على 41 وسيلة اعلامية في مصر، ما يسمح لها بالتحكم في العقل المصري.
ما هو دور شركات المخابرات؟
  • دور أجهزة المخابرات في السيطرة على المسلسلات والإنتاج الدرامي، بدأ بإشارة من السيسي حين تحدث في يونيو/حزيران 2017 عن أهمية السيطرة على هذه الصناعة، وتحدث عن عدم الرضاء عن محتوى المسلسلات، وحجم الإنفاق عليها.

حديث السيسي أعقبه تطورين مهمين لتنفيذ ما تحدث عنه:

  1. السيطرة على الفضائيات التي تبث هذه المسلسلات، للتحكم فيما يُبث أم لا لاحقًا، وظهر هذا في استحواذ رجال الأعمال تابعين لأجهزة المخابرات على غالبية القنوات الفضائية التي تعتبر أساس صناعة الدراما، سواء بشرائها أو فرض السياسة الحكومية عليها، من خلال شركات مثل: “فالكون، وإعلام المصريين، وإيغل كابيتال”، ما جعل المسلسلات تحت رحمة مُلَّاك هذه القنوات.
  2. إجراءات رقابية بالجملة كإنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للجنة الدراما، وتوجيه كتابة السيناريوهات، وهو ما ظهر في تشابه مضمون معظم مسلسلات الموسم رمضان الماضي والحالي، مثل الظهور المكثف لضباط الشرطة والجيش في قصص المسلسلات على أنهم أبطال يواجهون “إرهابيين”، أو التركيز على التشويق والقتل.
  • الجديد في مسلسل “كلبش 3” هذا العام هو الحديث عن شخص معارض لقي مصرعه لأنه يتكلم عن غاز مصر، وأن مصر تخلت عن حقوقها فيه.
  • أيضًا يضم المسلسل شخصية أخرى لعميل يسعى للحصول على خرائط الغاز، وهو ما يبدو انتقادا واضحا للمعارضين لاتفاقيات الغاز المصرية مع “إسرائيل”، وادعاء أن 25 ثورة يناير مؤامرة لتعطيل مصر عن اكتشافات الغاز المصرية.

  • مصدر بشركة “العدل جروب” للإنتاج السينمائي والدارما، كشف نموذج من معاناة الشركة العام الماضي في إنتاج مسلسل “نسر الصعيد” لمحمد رمضان، بسبب تدخلات الجيش في المضمون والإنتاج، ووجود أفراد من الجيش في مواقع التصوير وتدخلهم في معظم تفاصيل العمل، على حد قوله.
  • أيضا ظهر هذا التدخل، على خلفية هجوم الممثلة غادة عبد الرازق على شركة “إعلام المصريين” واتهامها بتهديدها بالمنع من العمل بتوجيهات من المخابرات والجيش أملًا في إحراج “تامر مرسي” أمام الجيش والمخابرات.
  • كذلك شكوى المخرجة كاملة ابو ذكري من أن توقف الإنتاج الدرامي تمامًا، جاء تعبيًرا عن هذه السيطرة للمخابرات على مسلسلات رمضان.
  • يُعتقد أن سعي السيسي للسيطرة على الإنتاج الدرامي عبر شركات رجال أعمال وشركات تابعة للسلطة، هدفه السيطرة على عقول المصريين بالنظر لتأثير المسلسلات القوي عليهم، واعتبارها “قوة ناعمة” مؤثرة في العالم العربي كله.

ماذا قال المخرجون والمنتجون؟
  • في تقريرها الأخير: “التضييق في مصر.. السيسي يفرض قبضته الحديدة على المسلسلات التلفزيونية” كتبت صحيفة نيويورك تايمز في أبريل/نيسان الماضي، نقلًا عن كُتاب درما وأصحاب شركات فنيه، تأكيدهم أنه يجري السيطرة على مسلسلات شهر رمضان من قبل الأجهزة الاستخبارية التابعة للسيسي.
  • الصحيفة أشارت إلى أنه في ظل سعي السيسي لتعزيز سلطاته، وبعدما قمع الساسة ووسائل الإعلام وسجن آلاف المعارضين، تمتد قبضته الحديدية الآن إلى المسلسلات التلفزيونية الدرامية الطويلة المفضلة لدى الشعب، حيث يريد مسلسلات رمضانية تمجد الجيش والأمن وتشيطن جماعة الإخوان.
  • الصحيفة الأمريكية نقلت عن مخرجين وممثلين أنه فرض عليهم الخضوع لضوابط خانقة لضمان عرض أعمالهم في رمضان الحالي، وأن الأمر وصل لحد إملاء “معاوني السيسي الأمنيين”، السيناريوهات عليهم وتحديد الحد الأقصى للأجور، وأن هناك شركة إنتاج تابعة للجيش تتولي شراء وعرض هذه المسلسلات، ومن لا يلتزم بهذه القيود لا يعرض مسلسله في رمضان.
  • تقرير الصحيفة ذكر أن هذا التضييق على المسلسلات التلفزيونية خلق أزمة في صناعة الدراما، ما أدى إلى تقليص الإنتاج إلى النصف.
  • الصحيفة نقلت عن عز الدين شكري فشير، الدبلوماسي السابق، وأحد كُتاب الدراما المصرية قوله: يسعى السيسي لإعادة تشكيل الهوية الأخلاقية والفكرية للمصريين، وتطهير ما يعتبره تيارات فكرية خطيرة على المجتمع (في إشارة للهوية الإسلامية).
  • التقرير نقل عن يزيد الصايغ، الباحث بمعهد كارنيغي قوله إن الاستبداد الشخصي للسيسي جعله يحاول السيطرة على الفضاء العام بشكل كامل، هذا هو الخوف الذي تحاول أن تزرعه جميع الأنظمة الشمولية “إنهم يجعلونك تعتقد أنهم يسمعونك حتى لو كنت بمفردك”.
مسلسلات رمضان الحالي تقلصت بشكل كبير هذا العام (الجزيرة مباشر)
 رقابة لجنة الدراما:
  • بجانب الرقابة القديمة التي تمارسها “الإدارة المركزية للمصنفات الفنية” على الانتاج الفني المصري، ظهرت “لجنة الدراما” المنبثقة عن “المجلس الأعلى للإعلام”، لتشكل رقابة أكثر شدة مع مسلسلات الدراما المصرية.
  • رغم أن أغلب انتقادات الرقابة للدراما تدور حول الخروج عن القيم والاخلاق، إلا أن جانبا منها يبدو سياسيا، ولذلك تصفها مؤسسة حرية الفكر والتعبير الحقوقية بأنها “أداة لحصار اﻷعمال الدرامية”، وتقول إنها تمارس الرقابة على الأعمال الدرامية “دون سند قانوني”، من خلال “لائحة للجزاءات” التي وضعها المجلس الأعلى للإعلام الحكومي.
  • لجنة الدراما وضعت توصيات يجب مراعاتها عند كتابة وتصوير العمل الدرامي، وتوقيع عقوبات على “قائمة الدراما السوداء”، والتي تخالف الشروط والمعايير و”تشوه صورة مصر في الخارج”.
  • اللجنة أثارت الجدل عندما أعلنت عن جائزة لكل مواطن يُبلِغ عن مسلسل خارج عن الذوق العام، بقيمة 10% من الغرامة التي يحصلها المجلس من القائمين على العمل الدرامي، ما أدى ذلك إلى تزايد الشكاوى والدعاوى ضد المسلسلات.

  • التقرير الرسمي الأول للجنة الدراما والذي يتضمن تقييمًا للأعمال الدرامية التي عرضت في الأسبوع الأول من شهر رمضان، رصد ما يناهز ألف مخالفة في 18 مسلسلًا، أغلبها تبادل الألفاظ السوقية والإيحاءات الجنسية بين أبطال المسلسلات ومشاهد العنف وإهانة المرأة والطفل والترويج للتدخين.
المصدر : الجزيرة مباشر