نظريات المؤامرة ما زالت تلاحق هجمات 11 سبتمبر في ذكراها العشرين

هجمات 11 سبتمبر هي الأكثر بشاعة الذي نفذها تنظيم القاعدة على الأراضي الأمريكية

تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر/أيلول 2001 إلى أبشع هجمات نفذها تنظيم القاعدة واستهدفت برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك ومبنى البنتاغون بالعاصمة واشنطن. وعلى الرغم من مرور 20 عاما على هذا الحدث الدموي، لا تزال نظريات المؤامرة، لا سيما بشأن هوية منفذي هذه الاعتداءات، قائمة، مع الانتشار المتنامي للأخبار الزائفة على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

وإذا كانت نظريات المؤامرة ليست جديدة في عالمنا، إلا أن ثمة حادثا وقع في العام الأول من القرن الحادي والعشرين  ساعد وغذى هذا النوع من النظريات التي بات من الصعب التخلص منها، نقصد هنا اعتداء 11 سبتمبر/أيلول 2001.

فالهجوم الأكثر بشاعة الذي نفذه تنظيم القاعدة على الأراضي الأمريكية، تسبب في انتشار العديد من نظريات المؤامرة، حول منفذي هذه الهجمات.

بينما  تنامى حجم انتشار هذه النظريات، بعد سنوات من وقوع الاعتداءات، إلى درجة أن الملايين من الناس عبر العالم لا زالوا يعتقدون بأن الدولة الأمريكية، هي المسؤولة عن هذه الاعتداءات.

تربة خصبة

وتجدر الإشارة إلى أن نظريات المؤامرة ليست وليدة اليوم. بل يعود وجودها إلى الماضي البعيد. فعلى سبيل المثال، انتشرت نظريات مماثلة وبارزة في السابق.

في الولايات المتحدة ومناطق أخرى من العالم، عززت بعض الأحداث فكرة وجود نظريات المؤامرة، أبرزها قضية روزويل (1947) التي يرى بعض الأمريكيين من خلالها أن حكومتهم حاكت مؤامرة لتخفي وجود كائنات فضائية غريبة. شأنها شأن برنامج “أبولو” (ما بين عام 1961 وعام 1971) أو قضية اغتيال الرئيس كينيدي (1963) إذ رجحت بعض نظريات المؤامرة أن المخابرات  الأمريكية أو ربما الروسية هي التي كانت تقف وراء الاغتيال. نظريات أخرى تزعم بأن نائبه ليندون بي جونسون هو الذي اغتاله.

فرض نظام عالمي جديد

وفي تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية، قال إيمانويل كريس، المؤرخ والأستاذ في المدرسة العملية للدراسات العليا وصاحب كتاب “نظرية المؤامرة في النصوص”: “هذه النظريات التي تظهر على شكل موجات متتالية ليست بالجديدة. لكنها عرفت انتعاشا ملحوظا في القرن العشرين في أوساط الثقافة الشعبية. كما ساعدت بعض الأفلام الخيالية كمسلسل “إكس فايلز” ومنشورات الكاتب البريطاني دافيد إيك حول الزواحف وفيلم بنجمان غيتس “كنوز فرسان المعبد” في تعزيز وترسيخ الاعتقاد بأن هذه المؤامرات موجودة حقا”.

وأضاف مارك فانستر، محامي أمريكي مختص في موضوع “أسرار الدولة” وصاحب كتاب “نظريات المؤامرة في الثقافة الأمريكية”: “انتشرت خلال العهدة الرئاسية لجورج بوش الأب وبيل كلينتون فكرة تزعم بأن الحكومة الأمريكية كانت تعمل في الخفاء لفرض، نظام عالمي جديد، من أجل التلاعب بالرأي العام”، مشيرا إلى أن “أعدادا كبيرة من الأمريكيين يؤمنون بوجود مثل هذه المؤامرات منذ زمن بعيد” وموضحا أن “تلك (نظريات المؤامرة) التي تخص اعتداءات سبتمبر/أيلول 2001 وجدت أرضية خصبة ساعدتها على النمو”.

“الخدعة المروعة”

وفي يوم الثلاثاء 11 سبتمبر/أيلول صباحا، اصطدمت طائرتان من طراز بوينغ، ببرجي مركزالتجارة العالمي، وثالثة بمبنى البنتاغون، بينما أنهت طائرة رابعة مسارها، في حقل فارغ جنوب شرق مدينة بتسبورغ.

وبعد مرور لحظات قليلة فقط على هذا الاعتداء، انتشرت عبر العالم صور تظهر تحطم البرجين مثيرة العديد من المخاوف والتساؤلات، أبرزها كيف تمكن تنظيم القاعدة من تنفيذ مثل هذا الاعتداء الذي استهدف بالأحرى أول قوة اقتصادية في العالم؟.

وسرعان ما ظهرت روايات بديلة بخصوص منفذي هذه الهجمات. ففي الولايات المتحدة مثلا، ظهرت “حركة 9/11 من أجل الحقيقة” التي انتقدت ما وصفته بـ”أكاذيب وتناقضات الحكومة”. بيمما سوقت هذه الحركة نظريتين، تزعم الأولى بأن السلطات الأمريكية، كانت على علم بوقوع الاعتداءات، ولم تحرك ساكنا، بينما تتهم في النظرية الثانية، نفس السلطات بالوقوف وراء الهجمات.

أما في فرنسا، فقد تم نشر كتاب في 2002 تحت عنوان”الخدعة المروعة” نسب الكاتب فيه مسؤولية الاعتداءات إلى “فصيل من المجمع الصناعي العسكري” الأمريكي. وبالرغم من النفي والمعارضة الشديدة التي واجهها هذا السيناريو، إلا أنه لقي رواجا كبيرا على المستوى العالمي.

تأثير مواقع التواصل الاجتماعي

ويقول مارك فانستر في هذا الشأن “هذه النظريات كان يتقاسمها قلة قليلة فقط من الناس وبقيت ثانوية خلال السنوات التي تلت اعتداءات سبتمبر/أيلول 2001 وهذا عكس نظريات المؤامرة المتعلقة باغتيال الرئيس جون كينيدي والتي عرفت تطورا ملحوظا وسريعا لدى المجتمع الأمريكي”.

وتابع “لكن هذا الاعتقاد تغير على ضوء بعض الأحداث السياسية الجديدة، كحرب العراق مثلا وفضيحة أسلحة الدمار الشامل أو الطريقة التي اتبعت لتناول أزمة إعصار ’كاترينا‘”.

وفي يونيو/تموز 2002، أي بعد شهرين من التدخل الأمريكي في العراق، كشف تقرير قامت به الأمم المتحدة بأن العراق لا يمتلك أسلحة نووية كما ادعت الإدارة الأمريكية التي استخدمت هذه الذريعة لاحتلال البلاد.

وبالموازاة مع ذلك، انتشر استخدام الإنترنت وظهرت شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة منصة يوتيوب التي أصبحت تستخدم من قبل أولئك الذين يسوقون ويدافعون على نظريات المؤامرة.

“منعطف في عالم نظريات المؤامرة”

وبلغت نظريات المؤامرة حول اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 ذروتها في العام 2006 بمناسبة صدور فيلم تحت عنوان “لوز شانج” الذي ساعد في انتشارها وترويجها على مستوى العالم.

هذا الفيلم، الذي تم إنتاجه بواسطة جهاز كومبيوتر، قدم قراءة أخرى لصور هجمات 11 سبتمبر/أيلول. بينما وصفت مجلة “فانيتي فير” الشهيرة هذا الفيلم “ببلوك بوستر الأنترنت” نظرا للعدد الكبير من المشاهدات التي سجلها بعد سنة واحدة فقط من بدء منصة “يوتيوب”.

وتشير الدراسة التي نشرها معهد “يوغوف” في 2020 أن مواطنا أمريكيا واحدا من أصل خمسة لا يزال يعتقد بأن الحكومة لعبت دورا في اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول. نفس المعهد توصل إلى نتائج شبه مماثلة في فرنسا. أما في تركيا فقد بلغت النسبة تأييد نظرية (تورط الحكومة الأمريكية في الاعتداءات) إلى 55 في المئة، في المكسيك (49 في المئة) ومصر (42 في المئة).

وفي غضون ذلك، نبه معهد جان جوريس الفرنسي إلى مشكلة ارتفاع نظريات المؤامرة في النقاش العام مرجحا مسؤولية ذلك إلى مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الزعماء السياسيين، على غرار دونالد ترمب الذي “غالبا ما يبرر فشله السياسي بالتلاعبات التي تمارسها الدولة العميقة”، حسب المعهد.

المصدر : الفرنسية