35 عاما وأكثر.. “حنظلة” ناجي العلي لا يزال حيا ورمزا للمقاومة الفلسطينية وكرامة العرب

ناجي العلي "يمين" وشخصيته الكاريكاتورية حنظلة (أرشيفية)

“هل سيكبر حنظلة؟ سيكبر عندما يعود الوطن، سيظل في العاشرة حتى يعود الوطن. عندها فقط يكبر حنظلة ويبدأ في النمو، قوانين الطبيعة المعروفة لا تطبق عليه، إنه استثناء، لأن فقدان الوطن استثناء”.

يتوقف الزمن عند الكلمات التي تصف “حنظلة” الشخصية الكاريكاتيرية التي ابتكرها ناجي العلي في رسومه للتعبير عن المقاومة والهوية الفلسطينية، وعكس من خلالها حياته أيضا، حيث قال إن “الصبي ذي العشرة أعوام يمثل سنه حين أجبر على ترك فلسطين، ولن يزيد عمره حتى يستطيع العودة إلى وطنه”.

بيد أن “حنظلة” يظل حيًّا حتى بعد مرور 35 عامًا على رحيل مبتكره في ظهيرة يوم 22 يوليو/تموز من عام 1987 حين ترجل العلي من سيارته على رصيف الجانب الأيمن من شارع إيفز بجنوب غرب العاصمة البريطانية لندن، حيث مقر جريدة القبس الدولية ليباغته رجل أشعث الشعر أخرج مسدسه وأطلق وابلًا من الرصاص على رأس ناجي العلي.

لاذ القاتل بالفرار وبقي مجهولًا حتى يومنا هذا، حارمًا باغتياله الرسام الفلسطيني ناجي العلي من أي عودة كانت محتملة إلى وطنه، ومانعًا حنظلة من النمو.

وأُعلِنت وفاة ناجي العلي رسميًّا في 29 أغسطس/آب من العام ذاته، ودُفن في مقبرة “بروك وود” الإسلامية في لندن بعد أن أمضى 37 يومًا في غيبوبة.

 

سنوات النزوح

ولد ناجي سليم حسين العلي -حسب الروايات الشائعة- عام 1938 في قرية الشجرة الواقعة بين الناصرة وطبرية بمدينة الجليل شمالي الأراضي الفلسطينية المحتلة، ثم اضطر إلى النزوح مع أسرته عام 1948 عندما كان في العاشرة من عمره إلى مخيم عين الحلوة جنوب صيدا في لبنان تحت ضغوط قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وعاش العلي برفقة والده ووالدته وإخوته الثلاثة وأخته الوحيدة في خيمة واحدة بها حصيرة حملتها أمه من القرية مع بعض الأغطية، كما حمل والده بعض الأخشاب الصغيرة ليفترش بها الأرض لعرض المعلبات التي كانت توزعها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) وقتها للبيع، ليكسب رزق أسرته.

من هو حنظلة؟

وبرزت موهبة العلي الفنية حينما ملأ جدران زنزانته بالرسوم خلال اعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي له، ثم كرر الأمر حين اعتقله الجيش اللبناني.

وانتقلت الرسوم مع صاحبها إلى جدران مخيم الحلوة، فشاهد الصحفي غسان كنفاني خلال زيارة للمخيم بعض رسومه.

ودفعت موهبة ناجي العلي الاستثنائية به خارج المخيمات والسجون أيضا، حيث سافر إلى الكويت عام 1963 للعمل في مجلة “الطليعة” الكويتية، لينشأ حنظلة ويصبح أيقونة الثورة الخالدة.

ولم يكن حنظلة عاقدا كفيه خلف ظهره عند ظهوره الأول في لوحات ناجي العلي عام 1969 بجريدة “السياسة الكويتية” بل نراه في بعض الرسوم حاملا للسلاح ومتحدثا بالعربية تارة والإنجليزية تارة أخرى مدافعا عن القضية الفلسطينية ومبشرا بالثورة تارة ثالثة.

بيد أن حنظلة أدار ظهره إلى العالم مكتفا يديه خلف ظهره للإعلان عن رفض التسوية مع الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب الانتصار في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، ومتمسكا برفض السياسات الأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية.

وأنتج العلي أكثر من 40 ألف عمل فني غير تلك التي منعتها الرقابة وظلت حبيسة الرفوف. وعرضت أعمال العلي في بيروت ودمشق وعمان وفلسطين والكويت وواشنطن ولندن.

ويشكل حنظلة أكثر شخصيات ناجي العلي الكاريكاتيرية شهرة، رغم ابتكاره لشخصيات عدة في لوحاته لانتقاد عدد من القيادات الفلسطينية والعربية، بينها شخصية فاطمة العربية، وشخصية جندي الاحتلال الطويل الأنف، الذي يظهر مرتبكا أمام حجر صغير في يد طفل فلسطيني، لكن أيًّا منها لم ينل شهرة حنظلة.

وفي الوقت الذي اجتاحت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي لبنان حتى وصلت إلى العاصمة بيروت عام 1982، أطل حنظلة ذو العشر سنوات في لوحة شهيرة باسم “صباح الخير يا بيروت” مقدما وردة إلى بيروت التي تجسدت في شكل فتاة جميلة تخرج رأسها من فجوة جدار محطم والحزن يكسو عينيها.

 

ومنذ هذه اللحظة، تحول حنظلة إلى رمز لرفض الظلم والعدوان ليس في فلسطين فقط، بل في العالم العربي بأسره.

ويظل سؤال الكاتبة رضوى عاشور الذي طرحته على ناجي العلي خلال حوارها معه عام 1984 في بودابست عالقا بلا إجابات.

حينها سألت الكاتبة العلي “متى يمكن رؤية حنظلة؟” ليجيبها “عندما تصبح الكرامة غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته”.

المصدر : الجزيرة مباشر + وكالات