العراق وبدايات هزيلة لمكافحة الفقر

أطفال العراق عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة

وتعتزم وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي بالعراق إنشاء كيان جديد باسم “الصندوق الاجتماعي للتنمية” وأعلن عن أهدافه الرئيسة، المتمثلة في تحقيق التنمية المستدامة ومكافحة الفقر والقضاء على الجوع، وهي أهداف إنسانية لا يمكن الاختلاف عليها، ويسوق لها منذ مطلع الألفية الثالثة، على أنها أهداف الألفية، وقد رعتها الأمم المتحدة عبر برنامجها الإنمائي، ورصدت لها مؤشرات للأداء، تنشر على الصعيد القطري والإقليمي والدولي بشكل دوري.

ولكن عند الاطلاع على التفاصيل المنشورة حول هذا الصندوق عبر أحد مواقع الجرائد العربية البارزة، نجد أن الأمر يعرض بصورة تقزم من إمكانيات العراق، وتضع حكومته أمام مسئولية تاريخية، لا يعفيها منها أحد.

فقد عول المتحدث باسم الوزارة على تمويل المجتمع الدولي لمشروع الصندوق، وأن البنك الدولي سوف يمول مشروعات الصندوق بعد انطلاقه بنحو 50 مليون دولار على مدار 3 سنوات. وإذا ما افترضنا أن الصندوق نجح منذ اليوم الأول لعمله، في أن يستجلب عشرة أضعاف هذا التمويل من مصادر دولية وإقليمية أخرى، فهي لا تعني شيئا لمواجهة قضيتي الفقر والبطالة في العراق، فضلًا عن تحقيق نتائج ملموسة في مضمار التنمية المستدامة.

ولا غرابة في أن يقدم البنك الدولي التمويل لدولة ما زالت تعاني من حروب أهلية، وتمزقها الصراعات الإقليمية والدولية، ولكن أين تمويل الدولة العراقية؟

 الجدير بالذكر أن البنك الدولي سعى منذ سنوات لتفعيل آلية “الصندوق الاجتماعي للتنمية” في بلدان عربية أخرى في أوضاع أفضل مما عليه العراق الآن، كما حدث في مصر مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكذلك في اليمن ولبنان والأردن.

والملفت للنظر في الحالة العراقية، أن تسلم قضايا مهمة وملحة إلى آلية شديدة الصغر كالصندوق الاجتماعي للتنمية، ففي دولة نفطية تصل صادراتها النفطية سنويًا إلى قرابة 50 مليار دولار في عام 2015، وتعجز عن تمويل مشروعات الصندوق الاجتماعي للتنمية، ويلجأ للتمويل الدولي، فإن معنى ذلك تأكيد لسوء الإدارة الاقتصادية بالعراق، وشهادة على ترعرع الفساد، الذي جعل من العراق ضمن قائمة أفسد 10 دول على مستوى العالم، وفق التقويم السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2016. 

قد يكون من نافلة القول بأن تجربة “الصندوق الاجتماعي” في العديد من الدول العربية غير مبشرة، وبالتالي فنجاحها في العراق قد يكون أكثر صعوبة، لما يعانيه العراق من عدم استقرار اجتماعي وسياسي، في ظل الحرب الأهلية التي تمزقه منذ عام 2003.

وثمة ملاحظة مهمة في شأن التجارب الخاصة بتلك الصناديق التي تعتمد على التمويل الدولي، فهي تكون في العادة مجرد منشآت لتأمين وظائف لأبناء الطبقات الثرية، وبخاصة أبناء المسئولين، في حين تبقى الطبقات المستهدفة بعيدة عن مزايا العمل بتلك المنشآت، أو الاستفادة بشكل صحيح من الأموال المرصودة لهم. 

  • الطريق المنشود

بعد عقد ونصف من الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، شهدت البلاد تراجعًا في كافة الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية وتدمير للبنية الأساسية، ومن الطبيعي أن ينتج عن ذلك ارتفاعًا في معدلات البطالة والفقر.

 فوفق مؤشرات وزارة التخطيط العراقية قفز معدل الفقر إلى 30% من السكان عام 2016، بعد أن كان 22% في عام 2014، وتذهب تقديرات البطالة لنحو يقترب من معدل الفقر، بنسبة تصل إلى 28% في بعض التقديرات.

والحديث عن تنمية مستدامة بالعراق في ظل الإدارة السياسية الحالية، هو ضرب من الوهم، فلا تنمية بدون استقرار سياسي وأمني، وتوقف تام للحرب التي أتت على الأخضر واليابس في العراق، وحولت نسبة كبيرة من شعبه إلى ما بين نازح أو مهاجر، أو منتظر للموت عبر رصاصات المتقاتلين من طوائف ومليشيات شتى.

ولا مكافحة للفقر ولا قضاء على الجوع، بدون وقف نزيف الفساد، الذي يهدر المال العام، ويتسبب في سوء توزيع الثروة في العراق، فالحديث عن فساد المسئولين السابقين والحاليين يزكم الأنوف، بينما تذهب وزارة التخطيط العراقية إلى إنشاء صندوق اجتماعي للتنمية يعتمد على التمويل الخارجي.

يخشى أن تكون خطوة إنشاء هذا الصندوق مجرد استجابة لدعوة أو شرط البنك الدولي، ويكون بمثابة ملهاة عبر بعض المشروعات الصورية في بعض الأماكن، بينما تظل مشكلات البطالة والفقر كما هي.

 ولا مانع من إنشاء الصندوق الاجتماعي للتنمية في العراق على أن يكون جزءا من منظومة للتنمية تتبنها الدولة، من حيث التخطيط والتمويل، وأن تغطي خطة الدولة للتنمية كافة محافظات العراق، بعيدًا عن التقسيمات والتوزيعات الطائفية أو القبلية.

فالتنمية قضية إنسانية، تستهدف الإنسان لترتقي به نحو معيشة كريمة، وتعتمد عليه في تحقيق مستهدفاتها، ولكن من خلال الخطة المبدئية التي أعلن عن ملامحها العامة للصندوق الاجتماعي المزمع إنشاءه في العراق، نجد أنه سيبدأ في ثلاث محافظات اثنتين في مناطق الجنوب الشيعي والثالثة في مناطق الأكراد، وكأن الفقر والبطالة لا تعرف باقي مناطق العراق، وبخاصة لدى الطائفة السنة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه