لماذا يكرهون قطر؟

بركان الكراهية الذي انفجر في منتصف ليلة صيف خليجية ضد قطر (24 مايو/أيار2017) ، وظل يقذف حممه بعد ذلك وحتى الآن يشي بأن سبب الأزمة ليس أمرا عارضا مما تدعيه دول الحصار بقيادة المملكة السعودية، مثل دعم قطر لمجموعات توصف بالإرهاب، أو الإضرار بالأمن القومي الخليجي.. إلخ، لكن الأسباب أعمق من ذلك بكثير، وتضرب عمقا في التاريخ والجغرافيا والقبلية والنفوذ ..إلخ.

لم تكن الأزمة الحالية بين دول الحصار وقطر هي الأولى -وعلى الأرجح لن تكون الأخيرة- إذ ظلت الأزمات متتابعة منذ ولادة الدول الخليجية عقب انسحاب المحتل البريطاني أواخر الستينات مما كان يوصف وقتها بإمارات الساحل العماني التي كانت تشمل 11 إمارة هي عمان وقطر والبحرين والكويت ودبي وأبوظبي والشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة. ولم تقتصر الخلافات والنزاعات المسلحة وغير المسلحة على إمارة واحدة بل شملت غالبية تلك الإمارات، لكن كان لقطر النصيب الأكبر من الأزمات وتحديدا مع السعودية والإمارات اللتين كانت كل منهما تسعى لضم قطر إليها، بينما اختارت قطر الاستقلال التام.

خلافات تاريخية

في المراحل الأولى لتكوين اتحاد الإمارات العربية سعى آل مكتوم وآل نهيان لضم قطر والبحرين لكنهما رفضتا بعد أن شاركتا في المفاوضات لبعض الوقت، وكانتا جزءا من الاتحاد في بداياته، وترك ذلك أثرا سلبيا على أبوظبي، كان دافعا للانتقام من الدوحة لاحقا خاصة مع وجود تنافس بين الإمارتين الأكثر ثراء في المنطقة بل في العالم.

وقد نجت البحرين من ذلك الانتقام عبر علاقة خاصة جمعتها بالمملكة السعودية حمتها من تغول الإمارات، كما حمتها من أطماع إيران التي تعتبرها إحدى محافظاتها حتى اليوم بحكم تركيبتها السكانية التي يغلب عليها العنصر الشيعي، أما السعودية فقد كانت تعتبر قطر جزءا من إقليمها الشرقي (الإحساء) وظلت تطالب بضمها حتى تدخلت بريطانيا الدولة المستعمرة السابقة، ودفعت قطر والسعودية لتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود بينهما في العام 1965. ولم تقنع السعودية بهذا الترسيم  فعمدت إلى حصار دولة قطر الوليدة، وذلك عبر صفقة سعودية إماراتية تنازلت بمقتضاها السعودية عن أجزاء من واحة البريمي لدولة الإمارات مقابل تنازل الإمارات عن خور العديد الذي كان يربطها بقطر، وبذلك انتهت الحدود المشتركة لقطر مع الإمارات وأصبح لزاما على القطريين المرور عبر الأراضي السعودية وصولا إلى الإمارات ودول خليجية أخرىوإلى جانب كل من السعودية والإمارات كانت هناك خلافات تاريخية بين قطر والبحرين تتركز على ملكية جزر حوار التي منحتها بريطانيا للبحرين رغم معارضة قطر.

التوترات المكتومة

تمثل هذه الإطلالة التاريخية مدخلا مهما لفهم طبيعة التوترات المكتومة بين دول الحصار تحديدا وقطر، والتي لم ينجح تكوين مجلس التعاون الخليجي في العام 1981 في إنهائها، بل إنها تطل برأسها مجددا مع كل أزمة جديدة.

كما تفسر هذه الخلفية التاريخية تميز الموقفين الكويتي والعماني في الأزمة الحالية لعدم وجود مثل تلك الخلافات التاريخية مع قطر، ولكن هذه الخلافات التاريخية أيضا ليست وحدها هي سبب بركان الكراهية الذي انفجر مؤخرا، فقد أضيف إليه أسباب أخرى كثيرة  لعل أبرزها هو تمايز السياسة القطرية عن غالبية السياسات الخليجية في العديد من الملفات الحساسة مثل الموقف من القضية الفلسطينية ومحاربة ما يسمى بالإرهاب، وإيواء المعارضين السياسيين للنظم العربية في الدوحة، ودعم ثورات الربيع العربي، ولعب قطر أدوار وساطة إقليمية ناجحة، وكذا امتلاكها قوة ناعمة (إعلامية وثقافية) منحتها سمعة إقليمية ودولية أججت مشاعر الحسد لدى جيرانها، وأخيرا فوزها باستضافة مونديال كاس العالم 2022،  وهو ما زاد نار الغيرة اشتعالا.

غيرة أبوظبي من الدوحة

تبدو المنافسة الحقيقية بين قطر وأبوظبي تحديدا فكلتاهما تسبحان في بحور النفط والغاز التي وفرت لهما مدخولات جعلتهما من أغنى بقاع العالم، فأبوظبي تنتج 2.8 مليون برميل يوميا من النفط، بينما تنتج قطر 157 مليار متر مكعب من الغاز وهو ما منحها المركز الرابع عالميا في إنتاج الغاز والثالث عالميا في التصدير، وهي تمتلك ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم بوجود 885 تريليون قدم مكعب حسب آخر إحصاءات شركة بريتش بيتروليوم،  وهذه الثروة من الغاز وضعت قطر في المركز الأول عالمياً في متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي، حيث وصل إلى 129 ألف دولار سنوياً، على الرغم من الانخفاض الذي شهدته أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية عام 2016، ولا ينافسها في هذا المستوى لدخل الفرد سوى إمارة أبوظبي.

اختلفت طريقة قطر وأبوظبي في التعامل مع هذه الثروات الضخمة، فبينما عمدت أبوظبي إلى كنز المال ليصبح لديها أكبر صندوق سيادي في العالم تقريبا (حوالي 900 مليار دولار) فإن قطر سخرت ثرواتها في صناعة دور إقليمي مؤثر سياسيا وثقافيا وخيريا، إذ كانت مجلتا الدوحة( الثقافية) والأمة (الإسلامية) خير سفيرين للدوحة لدى النخب العربية في فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات، ثم جاء إطلاق شبكة إسلام أون لاين كأول شبكة إخبارية وثقافية وإسلامية إلكترونية بمثابة قفزة جديدة في عالم الإعلام الجديد، ثم كان إطلاق قناة الجزيرة في العام 1996 علامة فارقة في تاريخ الإعلام العربي، ومثلت القناة صوت الشعوب العربية الطامحة للحرية والديمقراطية والتنمية والمحاسبة والشفافية ومكافحة الفساد، ووصلت إلى قطاعات جماهيرية واسعة على اتساع رقعة العالم العربي وبين الجاليات العربية في العالم كله

أدوار قطر الإقليمية الناجحة

كانت هذه الأذرع الإعلامية الثقيلة ضرورة لمواكبة قيام قطر بلعب أدوار إقليمية ودولية تتجاوز حجمها الجغرافي أو تعدادها السكاني، لقد نشطت قطر في دبلوماسية الوساطات والتسويات، وكان لها مبادرات ناجحة بين قوى الموالاة والمعارضة في لبنان وبين فتح وحماس وبين السلطات اليمنية والحوثيين ( قبل الحرب الثورة اليمنية) وفي مشكلة دارفور، وفي حل النزاع بين السودان وتشاد 2009 وبين جيبوتي وإريتريا 2010 ، ونجاح قطر في إطلاق سراح جنود لبنانين كانوا محتجزين في منطقة عرسال منذ العام 2014، وكذا إطلاق راهبات معلولة السورية، وإطلاق سراح 4 جنود طاجكيين، اعتقلتهم حركة طالبان الأفغانية أواخر 2014، وإطلاق سراح الصحفي الأمريكي، بيتر ثيو كرتيس، الذي كان مختطفا في سوريا منذ العام 2012، وكذا إطلاق جندي أمريكي احتجزته طالبان منذ العام 2009، وغيرها من الوساطات.

لم يكن لقطر أن تنجح في هذه الوساطات والتسويات بدون إمكانات دبلوماسية وإعلامية ومالية ضخمة، كما كان امتلاك قطر علاقات متوازنة مع أطراف الأزمات الإقليمية والدولية هو الممر الطبيعي لتلك الوساطات التي قبلتها كل الأطراف، وكذا احتضان الدوحة للعديد من رموز المعارضات العربية والإسلامية المطاردة في بلدانها، ما أعطى الدوحة ثقلا إضافيا في المعادلات الإقليمية، وهو ما مثل أحد أبرز عناصر التوتر مع العديد من النظم الخليجية والعربية التي تكاتفت للثأر من قطر، واتهامها بإيواء “الإرهابيين”، وهو ما رد عليه الأمير تميم في كلمته في القمة العربية في عمان في مارس/آذار الماضي، حين اتهم الدول الغاضبة بأنها تسعى لزيادة الإرهابيين في العالم عبر تصنيفها لجماعات سياسية سلمية ومنها الإخوان باعتبارها جماعات إرهابية وهي ليست كلك.

لم تكتف الدوحة باحتضان المظلومين المطاردين حتى عرفت الدوحة بكعبة المضيوم، بل إنها تجاوزت ذلك لمساندة تطلعات الشعوب العربية في الحرية وذلك بدعم ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وسوريا واليمن، وكانت قناة الجزيرة بمثابة صوت لهذه الثورات، كما قدمت قطر دعما ماليا سخيا لإسعاف اقتصاد تلك الدول عقب هذه الثورات مباشرة، وهذا ما لم تستسغه حكومات دول الحصار التي قادت الثورة المضادة لاحقا على ثورات الربيع ومن ساندها، وكانت هذه المعركة الكبرى والممتدة عبر عدة عواصم هي الأكثر شراسة مع قطر، والتي بسببها دخل نظام السيسي ضمن حلف الحصار، ليثأر من قطر ودعمها لثورة 25 يناير 2011.

غزة والمونديال

الموقف القطري الداعم لغزة والذي نجح في تحقيق مصالحة بين فتح وحماس كان أحد عناصر توتير العلاقات أيضا بين الدوحة وحلف الحصار الذي يصنف حماس كمنظمة إرهابية ويطلب من قطر الالتزام بهذا التصنيف، والمشاركة في خنق حماس وقطاع غزة ودفعه للركوع والتسليم بقيادة محمد دحلان عراب الحصار، لكن دعم الدوحة لحركة حماس واستضافتها لقيادة الحركة، ودعمها المالي الكبير لقطاع غزة، وزيارة الأمير الوالد للقطاع في أكتوبر/تشرين الأول 2012 كأول زعيم عربي ، وتدشينه لعدة مشروعات تنموية أحرجت قادة دول المؤامرة أمام شعوبهم وأمام الشعب الفلسطيني، ورفعت اسهم الدوحة عاليا.

لم تقتصر نار الغيرة على الملفات السياسية التي تفوقت فيها قطر على جيرانها رغم امتلاكهم ثروات تضاهيها وتتفوق عليها كثيرا، ولكن تلك الغيرة وصلت إلى المجال الرياضي بعد أن فازت قطر بحق استضافة بطولة كاس العالم 2022، وهو أمر لو تعلمون عظيم بالنسبة للمجتمعات الخليجية التي تعتبره إنجازا فوق العادة، وتزيد نار الغيرة أكثر لدى جيل من أمراء الخليج الشباب المفتونين بالأنشطة الرياضية خاصة كرة القدم، وقد سعت الإمارات تحديدا كثيرا لسحب حق تنظيم المونديال من قطر لكن جهودها فشلت حتى الآن.

لهذه الأسباب مجتمعة ولغيرها من الأسباب فإنهم يكرهون قطر، ويسعون لتقزيمها وإدخالها بيت الطاعة الخليجي أو بالأحرى السعودي الإماراتي.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه