داخل الإخوان المسلمين: الدين والهوية والسياسة

فلم يعد شبابها كما كانوا، ولم يعد شيوخها كذلك، وأفرزت هذه المرحلة أمورا كثيرة.

 

الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين بدأ منذ بداية نشأتها ولم ينته بعد، ذلك لأن أدوارها التي قامت بها في الحياة الدينية والسياسية والاجتماعية لا يزال مستمرا، رغم مرور تسعين عاما على نشأتها، ورغم وجودها خارج أضواء السلطة، أو المنافسة عليها، فإن زخم الأحداث يضعها دوما في بؤرة الدراسة والرصد من كثير من الباحثين عربا كانوا أم غربيين. وآخر ما صدر عن الإخوان المسلمين كتاب: (داخل الإخوان المسلمين: الدين والهوية والسياسة)، للدكتور خليل العناني، وصدر الكتاب باللغة العربية منذ شهر تقريبا، وقد صدر قبل ذلك باللغة الإنجليزية.

أما عن المؤلف (خليل العناني)، فقد عني منذ فترة بدراسة الحركات الإسلامية، بعد أن جذبه نشاط الإخوان ليلفت نظره وفكره لدراسته، وذلك عندما كان يدرس في الجامعة المصرية، وعندما رأى قلق نظام مبارك من نشاط طلاب الإخوان، فأنشأ النظام ما سمي بـ (شباب حورس)، وهذه أحداث عشناها بأنفسنا فعلا، وكتب وقتها الشيخ الغزالي رحمه الله مقالا، يهاجم فيه النظام الذي يعيد أسماء الوثنية للحياة المصرية، وكأنه عدم أن يجد أسماء مصرية تعبر عن هوية وثقافة الأمة، بينما كان شباب الإخوان يسمون بـ (شباب التيار الإسلامي) تختلف التسمية من جامعة لجامعة، ومن كلية لكلية، وهو ما يوضح جزءا من طبيعة الصراع على الهوية المصرية وهو ما اهتم به العناني في كتابه، الذي كان رسالته للدكتوراه. ومن قبل أصدر كتابه: (الإخوان المسلمون: شيخوخة تصارع الزمن).

المدرسة الغربية

كان مدخل الكتاب من الوقوف على المدارس الغربية التي تتناول الإسلام السياسي في بحوثها وكتاباتها، مدخلا مهما، ومفيدا سواء للباحثين في الحركات الإسلامية، أو للقائمين على أمر الحركات نفسها. ثم خصص الحديث عن تقسيم الدارسين للإخوان المسلمين إلى أربع مدارس، أو اتجاهات، فالاتجاه الأول يعرض تأريخا ثاقبا للحركة في سنواتها الأولى، ومثل لذلك بريتشارد ميتشيل، وكتابه يعد من أهم الكتب التي تناولت تاريخ الإخوان خاصة فترة النشأة وحتى أحداث 1965م. أما التيار الثاني فيناقش التكوين الاجتماعي لجماعة الإخوان ونشاطها. أما التيار الثالث فيبحث في العلاقة بين الإخوان والأنظمة السياسية. ويركز التيار الرابع على دراسة التحولات الأيديولوجية التغيرات التنظيمية التي تحدث داخل الجماعة. ومثل لكل مدرسة بأهم من كتبوا فيها من الغربيين، وبعض العرب، ولا أدري هل التركيز منه على الدراسات الغربية والدارسين الغربيين بحكم أن الكتاب أصله رسالة في جامعة غربية، حتى بعض العرب الذين ذكرهم استشهد بكتاباتهم الغربية؟ ولعله في مراجعة للكتاب، يدخل تحت هذا التقسيم كتابات عربية يمكن أن تقسم تقسيمات أخرى، من حيث إنصافها واعتدالها نحو الجماعة أم تعصبها، ومن حيث منهجيتها في البحث، هل تستقيم مع المنهج العلمي، أم يجد لديها انحيازا ووضع نتائج مسبقة، ككتابات رفعت السعيد مثلا؟

الكتاب مملوء بجهد علمي كبير، تعرض فيه لهوية الجماعة، وثقافتها، وكيفية التربية فيها، وكيف تدير أزماتها التربوية والفكرية، والتنظيمية بدرجة أكبر، وهو نال قسطا كبيرا من الفصل السادس من الكتاب، فقد اعتمد في الكتاب على مراجع أصيلة في فكر الإخوان، وعلى مقابلات شخصية أثرت الكتاب بلا شك، فليس كل ما لدى الإخوان يسطرونه في الكتب، ودراسة حركة سياسية اجتماعية، بلا شك لو وقف الباحث على أدبياتها لكان باحثا مقصرا في بحثه، ومحدودا في رأيه، فكل رأي نظري لا بد أن تدرس أثره في الواقع، وهل التزم به صاحبه أم لا؟ وما أسباب تغير هذه الأدبيات عند حدوث ذلك، وهو ما قام به العناني في كتابه بمهارة.

فن التجنيد

لدي ملاحظة على الفصل الرابع في الكتاب والذي عنونه بـ (فن التجنيد عن الإخوان)، فقد اعتمد فيه على كتابات الإخوان وبعض لقاءات مع أفراد حدثوه عن كيفية ضم الشخص للإخوان، وهو معذور في ذلك، فهذا هو المتوفر لديه، وقد قام بالمطلوب بحثيا، لكن كل ما كتب جد عليه جديد في الإخوان، من حيث التأصيل والتخطيط، فالفصل ركز على كتاب الأستاذ مصطفى مشهور (الدعوة الفردية) وهو كتاب قديم، لم يعد يمثل في الإخوان منذ سنوات سوى مرجع وعظي، فقد قامت لجنة التربية في الإخوان بعقد ورش عمل، وكتبت في ذلك بحوثا وكتابات في هذا الموضوع خاصة (الدعوة الفردية) ولم ينشر منه شيء، وإن اتهم أحد قيادات الإخوان أحد أفراد اللجنة بنشر هذه الجهود باسمه.

يبقى الكتاب مصدرا مهما معاصرا عن الإخوان، وشرح لبنيتها الفكرية والتربوية، إلا أنه يبقى يتحدث عن إخوان ما قبل ثورة 25 يناير وهي مرحلة مهمة جدا في تاريخ الجماعة ومسيرتها، ويبقى الأكثر أهمية، وهو الإخوان ما بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013م، ويعلم خليل العناني أن الإخوان ما قبل 25 يناير غير ما بعد تماما، سواء من حيث خريطة الإخوان البشرية، ومن حيث خريطتها الفكرية والسياسية، فلم يعد شبابها كما كانوا، ولم يعد شيوخها كذلك، وأفرزت هذه المرحلة أمورا كثيرة، كنت أتكلم عنها من قبل في مقالاتي، ولكن الأحداث كشفتها بشكل كبير، وهو ما يحتاج لدراسة أخرى لعله يقوم بها عن هذه المرحلة، وهي أغزر وأكثر مادة من سابقها، وهناك دراسات حاليا يقوم بها بعض الباحثين، يدرس فيها الإخوان في الخارج كمعارضة، وخاصة في تركيا، وقد قابلني في ذلك باحثان: مصري يدرس في تركيا، وبروفسور فرنسي يدرس في جامعة السوربون الجديدة، وهذا ملف من عدة ملفات، أعتقد أنها تحتاج لدراسة متأنية ومستفيضة.

حاول المؤلف استدارك ذلك سريعا في الخاتمة، وتناول بعضا من هذه الأمور بشكل سريع مختصر جدا، لكنه لا يغني بلا شك عن الحاجة لدراسة تتناول هذه المرحلة، وربما كانت دراسة أكاديمية تتناول عددا من القضايا من عدة جهات سواء من باب علم الاجتماع الديني، أو علم الاجتماع السياسي، سواء التيار الإسلامي وفي القلب منه الإخوان المسلمون، أو التيارات الثورية بشكل عام.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه