سيناريو الرعب الشعبوي مابين ترمب وجونسون

تحديات كبرى وملفات خارجية بانتظار جونسون، ليس أقلها العلاقات الأوربية مع السعودية، وخاصة في ملفات حقوق الإنسان وصفقات السلاح.

 

بات مصطلح الشعبوية يتكرر في عدة انتخابات بالغرب، وتتناوله التحليلات والتعليقات السياسية في موسم الحملات الانتخابية، كما حدث في الغالبية من الدول الأوربية مؤخرًا، على الرغم من أن استخدام هذا المصطلح المحمل بالتاريخ والمدلولات المتناقضة ليس من دون مغزى، إلا أن هناك صعوبة في تحديد معنى الكلمة سياسيًا، لأنها ليست “مفهومًا” كما أشار”أوليفييه ايهل” الخبيرالسياسي الفرنسي.

وأضاف ايهل أنها لا تستخدم للتوضيح بقدر ما تستخدم للتنديد؛ فهي مصطلح يمكن أن يحل محل مفردات أخرى حسب الحالات المختلفة البراجماتية للبلدان والأحزاب السياسية؛ مثل “القومية” و”الحمائية” و”كراهية الأجانب” و”الشوفينية” و”تبسيط الأمور.

تم تداول هذا المصطلح، خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقبل ذلك تكرر في النقاشات التي رافقت عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وعاد للصدارة مع وصول رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” لسدنة الحكم.

يسارية أم يمنية؟

ولدت الشعبوية في روسيا والولايات المتحدة أواخر القرن التاسع عشر، وهي تعني في الأصل حركة زراعية بمنهجية اشتراكية، لتحرير الفلاحين الروس في العام 1870، وفي الفترة ذاتها، انطلقت حركة احتجاجات في الريف الأمريكي موجهة ضد البنوك وشركات السكك الحديد، ولكنها اكتسبت صفات جديدة منتصف القرن العشرين في أمريكا اللاتينية، مع الزعيم الأرجنتيني “خوان بيرون” والبرازيلي “غيتوليو فارغاس”، اللذين جسدا حركات شعبية، بإيحاءات وشعارات وطنية واجتماعية، في بعض الأحيان، من دون أي اشارة إلى “الماركسية” ونضال الطبقات الإجتماعية؛ الرأسمالية الحاكمة”البرجوازية” وطبقات العمال الكادحة “البروليتاريا” أوالأيديولوجية الفاشستية.

شعبي أم شعبوي؟

في أوربا، فإن الشعبوية تعني عادة حركات اليمين أواليمين المتطرف، وهذا استخدام ناجم عن التقاليد، والمعروف أن كلمة “شعبي” صفة يسارية، أما مفردة “شعبوي” فلم تكن أبدًا يسارية”، وكلمة”الشعبوي” أخذت معني ثقافيًا سياسيًا، فهو الشخص الذي يتلاعب بأفكار الناس لغايات “سياسية” انتهازية مضللة.

وفي خطاب اليسار المتطرف الأوربي، على غرار حزب “بوديموس” في إسبانيا، هناك شعبوية إلى حد كبير، ولكن رفضهم استخدام كراهية الأجانب والعنصرية، في خطبهم، حال بينهم وبين تصنيفهم كيمين شعبوي.

ترمب بريطانيا:

بعد تولي “بوريس جونسون” الأربعاء 24 يوليو/تموز 2019، منصبه رسميا، يواجه رئيس الوزراء الجديد المعضلة الكبرى؛ إنجاز خروج البلاد من الاتحاد الأوربي بحلول 31 أكتوبر/تشرين الأول باتفاق أو بدون اتفاق، وهو ما تعهد به بعد تسلم خطاب التعيين من الملكة، والذي يعد أحد أهم مهندسي فوز تيار البريكست، في الاستفتاء الذي جرى في يونيو/حزيران 2016، وما زال يستمد إلى اليوم من خلاله، جزءًا كبيرًا من شعبيته، وفوزه برئاسة وزراء المملكة المتحدة.

بيد أن ذلك ليس كل شيء؛ إذ إن تحديات كبرى وملفات خارجية بانتظار جونسون، ليس أقلها العلاقات الأوربية مع السعودية، وخاصة في ملفات حقوق الإنسان وصفقات السلاح، وأزمة احتجاز ناقلة النفط البريطانية من قبل الحرس الثوري الإيراني، والسياسة الأوربية، إزاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

 لقد شكل منذ عقود مثلث (باريس-برلين-لندن) وحتى اليوم قاطرة السياسة الخارجية للاتحاد الأوربي!

غير أن الكثير من المراقبين يخشون من “ترامب البريطاني” (جونسون)؛ وقربه الشديد من الرئيس الأمريكي، والإعجاب المتبادل بينهما، لقد غرد ترامب فور الإعلان عن فوز جونسون: “تهانينا لبوريس جونسون لفوزه برئاسة وزراء المملكة المتحدة. سيكون عظيماً!

فيما فسرت ذلك، الصحفية الألمانية المتخصصة بالشؤون الأوربية، “باربرا فيزل”: أن جونسون متقلب وليس دبلوماسياً، ولا خبيراً بالشأن الشرق أوسطي، ولذا يمكنه في أي لحظة، أن يتخذ قراراً بترك برلين وباريس والذهاب إلى ترمب.

لا يمكن أيضًا إغفال جانب الابتزاز الذي يٌمارس من جانب واشنطن، تجاه شركائها الأوربيين، وخاصة أن “جونسون” يسعى، وبشكل عاجل، وراء اتفاقية تجارية معها.

تصريحات مثيرة للجدل:

ارتكب “جونسون” عدة “هفوات” خلال مسيرته السياسية على عدة مستويات، وعرف أيضًا بتصريحاته المثيرة للجدل.

ومن أبرز هذه التصريحات المحرجة لرئيس الوزراء الجديد، تلك التي قال فيها إن أصول الرئيس الأمريكي “باراك أوباما”، الكينية، جعلته يكره تراث بريطانيا وتاريخها.

كما شبه المرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية الأمريكية، “هيلاري كلينتون”، بممرضة سادية تعمل في مصحة للأمراض العقلية.

وفي خضم حملة الخروج من الاتحاد الأوربي، وصف جونسون الاتحاد الأوربي بأنه: مشروع زعيم النازية، “أدولف هتلر”، الذي حاول “على حد تعبيره”، إنشاء دولة أوربية واحدة.

أوجه الشبه شكلًا ومنهجًا:

إن عين المراقب للمشهد السياسي العالمي، لاتخطئ أوجه الشبه بين رئيس وزراء بريطانيا “بوريس جونسون” والرئيس الأمريكي “دونالد ترمب”، والتي تتعدى مسألة الشكل والمظهر، إلى تقارب مواقفهما معا:

الشكل: كلاهما، شعره أشقر، وتسريحة مميزة. ومكان ولادتهما: نيويورك.

 الشخصية: يتشارك “جونسون وترمب” بالشخصية “المتهورة” التي تطلق مواقف وتتراجع عنها. وعلى سبيل المثال، بعدما وصف جونسون المسلمات المنقبات بصناديق البريد ولصوص البنوك، عاد ليعتذر إبان حملته الانتخابية،  فيما أجرى الكونغرس تحقيقا حول سياسة ترامب “المتهورة” خلال أول سنتين من رئاسته، لا سيما حول عزمه مثلا الانسحاب من “الناتو”.

العنصرية والموقف من الاختلاف: يستخدم الرجلان لغة “عنصرية” فجة تجاه المسلمين والمهاجرين والمختلفين.

كما يعرف عن جونسون وترمب تشاركهما “بالموقف من الإسلام”، فقد كتب جونسون عام 2007، أن الإسلام “تسبب في تخلف العالم الإسلامي لقرون”، ورأى أن كل بؤرة متوترة في العالم تقريبا لها علاقة بالإسلام، من البوسنة إلى فلسطين والعراق فكشمير. من جهته، قال ترمب: “أعتقد أن الإسلام يكرهنا”، وعقب توليه الرئاسة منع مواطني عدد من الدول الإسلامية من الدخول إلى أمريكا.

حياة عاطفية صاخبة: يشترك الرجلان في عجزهما الواضح، عن السيطرة على حياتهما العاطفية الصاخبة، فقد ضجت الصحافة البريطانية منذ أشهر قليلة، بخبر مفاده: أن زوجة جونسون طردته بسبب علاقة غرامية لم تكن الأولى، كما لم تكن المرة الأولى التي تطرده فيها من المنزل.

شعبوية مخادعة تكتسح العالم:

نلحظ مما سبق أن هناك منظومة جديدة تحكم العالم، يحظى فيها الساسة الشعبويون، بإقبال متزايد، إذ إن عدد المؤيدين لهم في العالم في ارتفاع متصاعد، ويفوزون في الاستحقاقات الانتخابية بجدارة تدعو للدهشة.

أوضح السبب في ذلك، عالم الاجتماع  الإيطالي “ماركو ريفللي”: أن الأحزاب الجماهيرية ذات المنهج القديم، انحلت بعدما هزتها فضائح عديدة، وتركها الناخبون، ولم يعد هناك أحزاب جماهيرية بمعنى الكلمة. والعواقب الوخيمة على البلدان الأوربية، وخاصة “إيطاليا”، التي لا يوجد بها سياسيون، يسعون إلى تحقيق الرغبات المشروعة للجماهير، أو يحاولون التقرب من الذين يشعرون بأنهم متروكون وحدهم، أو الطبقات المتوسطة التي أصبحت مستنزفة، ولا تشعر بالأمان.

بدون لغة سياسية مناسبة، يمكن لهؤلاء الخطباء “المهرجين”،  من خلال حكاية تاريخهم الذاتي، وبطريقة عاطفية مفتعلة، يتم دفع المواطنين ليبقوا محاصرين بين الاستياء والحقد، وبالتالي تدق ساعتهم الشعبويية، حسب تصريح “ريفللي”.

 هؤلاء هم الأشخاص؛ الذين تغذيهم الدعاية المغلوطة، ضد الهجرة واللجوء؛ بأن المهاجرين الذين يتدفقون علي بلدانهم الأوربية الغنية، هم بالتحديد من يلتهمون مكتسبات هذا الوسط، والذي يعيشون فيه منذ القدم، فيبحثون الآن عن “وطنهم المفقود”، فيصوتون بأعداد هائلة لعودته، كما يروج لهم الشعبويون، بدعايتهم الكاذبة.

المثال الأكثر صخبًا في “أمريكا” بلد الهجرة؛ التي تأسست منذ بدايتها علي التنوع العرقي والإثني والديني، فالطبقة الوسطى التي تشعر بالتهديد، هي من ساعدت “ترامب” على إحراز فوزه الانتخابي، كما يلاحظ البروفيسور”دانييل شتاين” من جامعة “زيغن” الألمانية، فليست الطبقات الأكثر فقرًا، هي من صوتت “لترامب”، بل هي أصوات أشخاص من الطبقات المتوسطة والثرية؛ هؤلاء الأشخاص يشعرون في الغالب أنهم لم يعودوا يعرفون وطنهم، كما تصور لهم الدعاية الموجهة، والفزاعات المتعددة،على رأسها الانهيار الاقتصادي، وضياع هوية الدولة “الإمبراطورية”، ومن ثم يخشى البعض الانهيار الاجتماعي، والبعض الآخر، يدعم القومية الشوفينية، ويعارض أمريكا المتنوعة والمنفتحة علي الآخرين.

لكن من الملاحظ أن هناك فارق كبير بين، الوعود السياسية، والأجندة الحقيقية لهؤلاء المنتخبين، دون جني أي انتقادات لهم من داخل صفوفهم!

هذا يظهر جليًا، التناقض بين الطلبات الشعبوية، من الحملات الانتخابية، والسياسات اليمينية القاسية؛ التي تستفيد منها بالأساس الطبقة العليا، والشركات الكبرى.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه