السيسي وماكرون إيد واحد

شهدت الفترة الماضية تصعيدا فرنسيا ضد الإسلام كديانة، حيث وصفه الرئيس الفرنسي بأنه يعاني من أزمة، ثم بارك هو وحكومته الرسوم المسيئة إلى رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، وتزامن مع ذلك حملة تضييق على المسلمين وإغلاق مساجدهم ومراكزهم، حتى تباهى وزير الداخلية الفرنسي بأن ما تم إغلاقه في الفترة الأخيرة هو الأكبر منذ وجود المسلمين في بلاده!

وإزاء هذه العنصرية البغيضة والتطرف المقيت لم يجد المسلمون وسيلة للدفاع عن دينهم ونصرة نبيهم إلا سلاح مقاطعة المنتجات الفرنسية، واتحدت كلمة عامة المسلمين على ذلك، ونجحوا في الاتحاد على هذا الهدف، مما جعل الإدارة الفرنسية تطالب بوقف المقاطعة، وفشلت في استخدام وكلائها في البلاد العربية لتحقيق ذلك.

ومن باب رد الجميل أكد ماكرون أنه لن يربط بين ملف حقوق الإنسان في مصر، وبين تزويد السيسي بما يريده من الأسلحة والمعدات

وفي أتون هذا الجو المشحون والملبد بالغيوم استقبلت فرنسا السيسي -ديكتاتور الغرب المفضل- الذي ذهب متحديا مشاعر المسلمين وداعما لفرنسا، وهو ما أشاد به ماكرون بمزيد من الامتنان لمساندته لهم ضد حملة المقاطعة التي أطلق عليها “حملة الكراهية” وصدّق السيسي على تصريحات ماكرون منبها على أن البعض استغل قضية الرسوم المسيئة لتحقيق أهدافه الخاصة! ومن باب رد الجميل أكد ماكرون أنه لن يربط بين ملف حقوق الإنسان في مصر، وبين تزويد السيسي بما يريده من الأسلحة والمعدات -التي من جملتها طبعا أدوات القمع والتعذيب- بما يؤكد أن ما يرفعه ماكرون من شعارات الحرية والديمقراطية وقيم الجمهورية، مجرد شعارات يسهل التنازل عنها في مقابل صفقات طائرات الرافال وسيارات الرينو التي اشتراها السيسي، وأن المصالح أهم من المبادئ.

ومع الحفاوة الرسمية التي لقيها السيسي إلا أن الأصوات الإعلامية الحرة وضعته في حجمه الطبيعي، وواجهته بسجله الحافل في القمع والاستبداد، ولعل هذا كان سببا في تصريح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بأن السيسي وجههم للتحول إلى دولة ديمقراطية مدنية حديثة، وهو اعتراف بأنهم دولة شمولية عسكرية متخلفة!

ولم يجد السيسي ما يرد به على الإعلام، أو ما يستر به سوأته إلا التستر بمحاربة الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، الذين هم سبب تصدير الإرهاب إلى أوروبا على حد زعمه، وهو بذلك يقوي ظهر فرنسا ويدعم حربها على الإسلام، لاسيما وأن‏ رئيس الوزراء الفرنسي “‎جان كاستكس” أعلن خلال ندوة صحفية عن مشروع قانون يضم حوالي خمسين بندا لتعزيز مبادئ العلمانية ومواجهة التطرف الإسلاموي، والانفصالية الإسلامية.

عمد إلى بعض الشركات المصرية التي استفادت من الحملة وقدمت البديل والمنتج المحلي، فاعتقل أصحابها

ولا ينبغي أن نُغفل أمرا هاما يكمل ملامح الصورة، ويبرز ما تعمد إخفاءه ماكرون وضيفه، من تطابق وجهات نظرهم في ملف ليبيا ودعم اللواء المتمرد خليفة حفتر، وقضية شرق المتوسط وتعقيداتها المتشابكة، واتحاد موقفهم من الرئيس التركي طيب أردوغان الذي يرى السيسي مغتصبا للسلطة، وماكرون غرا يحتاج إلى فحص عقلي، ويمثل خطرا على المجتمع الفرنسي.

لم يتوقف دعم السيسي لفرنسا ضد المقاطعة بما اشتراه من منتجاتها، بل عمد إلى بعض الشركات المصرية التي استفادت من الحملة وقدمت البديل والمنتج المحلي، فاعتقل أصحابها كما فعل مع صفوان ثابت صاحب شركة جهينة لمنتجات الألبان، وسيد السويركي صاحب معارض التوحيد والنور قبلة الطبقة المتوسطة، ووجه إليهما تهمة تمويل الإرهاب، مع أن الشعب المصري بكل مستوياته يدرك أن الرجلين لا علاقة لهما بأي نشاط سياسي ولا دخل لهما بمعارضة النظام.