لماذا سقط الإخوان؟ (1)

الاخوان والجيش في بداية الثورة

انكشف غبار 28 يناير 2011 عن قوتين أساسيتين في مصر:

القوة الأولى: هي القوات المسلحة “الجيش المصري” برصيده المتجذر في نفوس المصريين حبًا وهيبة واحترامًا، وبما له من امتدادات قوية في بنيان الدولة العميقة بما يعد دولة داخل دولة فلديه مؤسسات اقتصادية تقوم بدور رأسمال كبير وعريض ولديه مؤسسات صناعية تقوم أيضًا بدور رائد ولديه مؤسسات مالية وهكذا بالإضافة إلى الذي لا يتوافر إلا لديه أعنى بها القوة العسكرية القتالية المتمثلة في الأسلحة المتنوعة والثقيلة والطائرات والدبات ولديه جهاز مخابرات قوى جدًا، وهذه القوة كان لديها اعتراض استراتيجي على خطة تجرى على قدم وساقه وتهيئ ((جمال مبارك)) لتولى الحكم. هو اعتراض مكتوم كان يتكون من خلاله دخان وضباب كثير كلما زاد الحديث بل كلما زادت الصلاحيات التوجه للسيد/ جمال مبارك – وشلته المتمثلة في “لجنة السياسات” حتى جاءت اللحظة المناسبة من 25 يناير 2011 حتى 11 فبراير عنه لتنحاز هذه القوة إلى الشعب وتضغط على “مبارك الأب” ليستقيل أو ليتنحى وتنتهي بذلك قصة التوريث.

القوة الثانية: هي الإخوان المسلمون وهى الجماعة ذات التاريخ العريض والامتداد الجذري في التربة المصرية عبر قرن من الزمان تقريبًا منذ أسسها (الإمام الشهيد/ حسن البنا) وهى تنظيم قوى لديه هياكله المتنوعة أيضًا اقتصاديًا وماليًا وشعبويًا، ولديه خبرات تراكمية وكفاءات مهارية من حيث التخطيط والتنظيم ولديه قدرة فائقة على العمل تحت الضغط ومحاولات اقصائها، وهي أيضًا لديها حضور قوى في الشارع السياسي المصري وتأثيراتها هامة وقوية في قطاعات واسعة من الشعب المصري هيأها لذلك مشاركتها في “حرب فلسطين 1948” وإنشائها مؤسسات تقدم الخدمة للمواطنين الفقراء والكادسين مثل ((الجمعيات الطبية التي هي بمثابة مستشفيات كاملة، والجمعيات التعليمية والتي أسست مدارس ابتدائية واعدادية وثانوية شاملة وكاملة، وجمعيات خيرية تقدم الإعانة المالية الشهرية بانتظام لحالات كثيرة).

وبدا واضحًا هذا الدور الخدمي الاجتماعي في الزلزال الذي ضرب القاهرة المصرية (القاهرة في أوائل التسعينات) بالمسارعة ربما قبل المؤسسات الحكومية الرسمية بتقديم المساعدة والبطاطين والمخيمات ونحو ذلك ومثل ذلك عند اجتياح السيول في محافظات الوجه البحري وجنوب مصر.

وهكذا ظهر دور كلتا القوتين بعد رصد وثيق ودراسة عميقة للأحداث من 25 يناير إلى 28 يناير – تقدمت كل منهما  على انفراد طبعًا لتعزيز مواقعها في بنيه المجتمع المصري وللقيام بدور أساسي فيما يستجد من أحداث بعد انتهاء دور الرجل العجوز (حسنى مبارك).

  وخرجت تصريحات من شخصيات معروفة لدى “الرأي العام” تتغزل في الإخوان وقدرتهم الفائقة في حماية الثورة!!

لم يكن خافيًا حالة ((الغزل العفيف)) بين القوتين في خلال تلك الفترة.. والتصريحات انطلقت لتؤكد على أهمية نزول القوات المسلحة إلى الشارع بضبط الأمن ومنع التعرض للشعب!!

وفي ذات الوقت تسارعت كل القوى الشعبية الأخرى أصلًا لتؤكد دور الإخوان القوى في حفظ الأمن وضبطه في ميدان التحرير، بل وسائر ميادين الحرية في جميع المحافظات.

وخرجت تصريحات من شخصيات معروفة لدى “الرأي العام” تتغزل في الإخوان وقدرتهم الفائقة في حماية الثورة!!

وكان من الطبيعي أن يسعى كل من القوتين للتدثر بالأخرى لرغبتهم المشتركة في السيطرة على مجريات الأمور.

وفي الوقت الذي كانت فيه ((خلايا)) سياسية من القوة الشعبية الضعيفة الوجود شعبيًا تزيد من وتيرة انتصاراتها للقوات المسلحة وتعلن عن رغبتها في ابتعاد الجيش عن اللعبة السياسية.

دخل الإخوان في حالة ((إشادة)) بل وغزل علني للقوات المسلحة ودعم المشير محمد حسين طنطاوي – بالاسم والهتاف له في ميدان التحرير توازيًا مع إعلان القوات المسلحة دعمها للشعب في ثورته وقيام اللواء/ الفنجرى – بتقديم التحية العسكرية للشهداء الذين سقطوا خلال الثورة ثم الإعلان عن استفتاء مارس وصولاً إلى إجراء الانتخابات التشريعية وفوز الإخوان بأغلبية مقاعد أول برلمان بعد الثورة ومعهم السلفيون.

وفي الوقت الذي بدأ فيه الإخوان (يحرقون مراكبهم) ويبتعدون عن شركاء الثورة من القوى السياسية والوطنية شيئًا فشيئًا وصولًا إلى إعلانهم إن الشرعية مع البرلمان وليست في الميدان، رغبة منهم في الحلول محل الحزب الوطني المنحل مع وقائع الاعتداء على المعتصمين في الميدان ونزيف شارع (محمد محمود) كانت القوات المسلحة تستعيد بريقها الشعبي وتتصل بشباب الثورة وتستقطبهم وكافة رموز القوى الوطنية التقليدية – ولتثبت قيادة الجيش إنها تعنى بالسياسة وتتقن لعبة الشطرنج أكثر من الجماعة التي تمارس العمل السياسي والجماهيري تسعون عامًا !!!

وبينما كان الجيش وقادته يعرفون ماذا يريدون ويحسبون مواقع أقدامهم.. تذبذب قادة الإخوان في مكتب الإرشاد ومجلس الشورى الخاص بهم

كان واضحا جدًا أن الإخوان المسلمين يسعون إلى التغلغل داخل نسيج الدولة العميقة رغبة منهم في الحلول محل الحزب الوطني المنحل ليكونوا مع القوات المسلحة أضلاع الحياة السياسية في مصر.

وبينما كان الجيش وقادته يعرفون ماذا يريدون ويحسبون مواقع أقدامهم.. تذبذب قادة الإخوان في مكتب الإرشاد ومجلس الشورى الخاص بهم، فبعد إعلانهم الأكيد عدم خوض الانتخابات الرئاسية تفاجأ الرأي العام بإعادة الاقتراع ثلاث مرات داخل مجلس شورى الإخوان ليصدر قرار المشاركة في الانتخابات الرئاسية والدفع بمرشح أساس هو (المهندس خيرت الشاطر) الذي كان قد حصل على عفو من العقوبة أصدره المشير محمد حسين طنطاوي.

ثم تبين إن قرار العفو ((غير شامل)) وبالتأكيد كان المشير يعرف هذا ويرمى إليه.. وهنا ترددت قصة إن الذي دفع الإخوان إلى الترشح وخوض الانتخابات الرئاسية هو ((المشير/ طنطاوي)) نفسه وإنه اجتمع بـ (خيرت الشاطر وسعد الكتاتني) وأبلغهم بضرورة خوض الانتخابات ولا يملك أحد تأكيد أو نفي هذه الواقعة لإن الإخوان حتى الآن صامتون لا يتكلمون رغم مرور ست سنوات على الإطاحة بهم..

ولما تبين عدم قانونية أو دستورية ترشح (خيرت الشاطر) سارع الإخوان إلى الدفع (بالدكتور محمد مرسى) الذي كان تم قيده احتياطيًا.

وهنا فصل أخير في فهم العلاقة بين الإخوان والقوى الوطنية والأخرى شركاء الثورة.

يتبع،،