لماذا سقط الإخوان؟ (2)

الرئيس محمد مرسي والمشير طنطاوي

قامت القوات المسلحة بعملية خداع استراتيجي للإخوان، ففي الوقت الذي كانت تعلن فيه التزامها بخارطة الطريق وصولًا إلى الانتخابات الرئاسية كانت ترتب الأمور بشكل دقيق لمرحلة ما بعد الإخوان.

دفع (المشير طنطاوي) بـ (الدكتور كمال الجنزوري) رئيس للوزراء – ومعه لفيف من الوزراء يمثلون نسيج الدولة العميقة مع كون كثير من هذه الشخصيات كان لديها مواقف جيدة ومشرفة أثناء تواجدها في السلطة التنفيذية تحت سلطة وحكم (حسنى مبارك) لكنها في كل الأحوال لا تخرج عن إطار الدولة العميقة مثل (الجنزوري ووزير العدل محمد عبد العزيز الجندي ووزير الداخلية منصور العيسوي).

وأعد المشير طنطاوي – لعدم دستورية انتخابات مجلس النواب وقطع شوطًا كبيرًا في وقت قصير، وحاول الإخوان فرض سطوتهم وكشروا عن أنيابهم في استجواب (الجنزوري ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم) وانتهوا إلى محاكمتهم وذلك فيما تم نقله على الهواء لكن هذه المحاكمة لم تتم، ولم يتم سحب الثقة منهما من دون الإعلان عن أسباب ذلك لأن (المشير طنطاوى) استخدم حق الفيتو لوقف هذه المحاكمة وأظهر للإخوان “كارت” حل مجلس الشعب إذ لم يعتزموا معه.

تباعدت المسافات بين الإخوان والقوى الوطنية وكانت قاصمة الظهر خرق الاتفاقية الذى وقعها (الدكتور محمد مرسى) مع رموز الحركة الوطنية وشركاء الثورة فيما أطلق عليه (اتفاق فيرمونت)

وبينما كان (اللواء عبد الفتاح السيسي) – آنذاك – يطلق تصريحاته التي تظهر خلفيته الدينية وأن دخول الكلية الحربية أصبح متاحًا لكل المواطنين بما فيهم أبناء الإخوان المسلمين كان يستقبل في مقر المخابرات الحربية قادة الشباب ورموز الثورة.

فتباعدت المسافات بين الإخوان والقوى الوطنية وكانت قاصمة الظهر خرق الاتفاقية الذى وقعها (الدكتور محمد مرسى) مع رموز الحركة الوطنية وشركاء الثورة فيما أطلق عليه (اتفاق فيرمونت) وبعد نجاحه في الإعادة بينه وبين (الفريق أحمد شفيق) لم يلتزم الإخوان باشتراك شركاء الثورة في الحكم فانفصمت العلاقة تمامًا بين الإخوان وبين من بقي من حلفاء لهم من قوى الثورة.

ورجح تاريخ القوات المسلحة الوطني أن تنحاز إليها قوى الثورة ورموزها التي تسمى القوى المدنية، بل ومعها جانب من القوى الإسلامية هم السلفيون الذي لعبوا دورًا مهمًا في عملية الخداع هذه.

وهكذا تم الإعلان عن اختيار (الفريق أول عبد الفتاح السيسي) وزيرًا للدفاع بنكهة الثورة وبدأت أولى خطوات النهاية في هذه المرحلة في إبعاد الإخوان ليس عن الإتحادية فحسب وإنما من مربع الحياة السياسية كله.

الذي لا شك فيه أن نوايا الإخوان كانت طيبة ولا يستطيع أحد أن ينازع في النوايا فهي أمر خفي لا يعرفه إلا الله ولذلك كان دائمًا الحكم بحسب الظاهر، وظاهرهم وفق إعلاناتهم وبرامجهم أنهم يعملون في سبيل الله، ويعملون من أجل أن يقدموا الخير للناس.

لكن الظاهر أيضًا – والعلم لله – أن تلك النوايا الطيبة خالطتها نوايا أخرى دنيوية تتعلق بالرغبة في السلطة والحكم وأن هذه الأماني التي كانت جيدة صارت قريبة جدًا بعد نجاح ثورة 25 يناير في اقتلاع رأس النظام، والبادي أيضًا أنهم أرادوا احتكار السلطة والانفراد بالحكم بعيدا عن القوى الأخرى، وأورد (المشير عبد الفتاح السيسي) بعد إعلان خارطة الطريق في 3 من يوليو 2013 من أن (خيرت الشاطر) وغيره كانوا يرددون أنهم سيمكثون في الحكم إلى ما شاء الله.. لا أدرى قال خمسون عامًا أو خمسمئة عام.

أخطأ الإخوان في ترك هذه الأماني تتمكن منهم للعدول عن مبدأ التزموا به طويلًا وأكدوه مجددًا بعد ثورة 25 يناير وتقدموا لانتخابات الرئاسة

والظاهر أيضًا أنهم شرعوا في إدارة الحكم  بالطريقة ذاتها التي كانوا يديرون بها الجماعة، ولم يدركوا أن البون شاسع جدًا بين دولة بحجم وثقل مصر وبين جماعة مهما قيل بشأنها فلا يمكن أن توازي مصر.

هنا أيضًا يمكن أن نستحضر (اتفاق فيرمونت) الذي وقعه (الدكتور محمد مرسى – رحمه الله) مع عدد من الشخصيات الوطنية التي توافقت مع الإخوان على خوض معركة الإعادة ضد (الفريق أحمد شفيق) والمشاركة في حمل المسؤولية في شؤون الحكم.

أخطأ الإخوان في ترك هذه الأماني تتمكن منهم للعدول عن مبدأ التزموا به طويلًا وأكدوه مجددًا بعد ثورة 25 يناير وتقدموا لانتخابات الرئاسة.

أخطأوا في تحمل المسؤولية – منفردين – رغم عِظَم هذه المسؤولية وتدهور كل القطاعات في البلد بدلًا من أن يشاركوا معهم آخرين من القوة السياسية التي يمكن التعاون معها.

وفى كل الأحوال كان سيعود الخير منسوبًا للإخوان باعتبارهم من يقود القاطرة، لكن رغبتهم في الاحتكار والانفراد غلبت عليهم وأسكرتهم السلطة.

كان الإخوان فيما سبق يهتمون اهتمامًا بالغًا بالنقابات المهنية والجامعات والمؤسسات الطبية والتعليمية والمساجد، وكلها وسائل للاشتباك الجماهيري والالتحام مع الناس، لكنهم عدلوا عن هذا المنهج بعد نجاحهم في حصد أغلبية مجلس النواب ثم طمعوا في احتلال مبنى الاتحادية وقنص الرئاسة، فتغافلوا عن هذه المؤسسات ووسائلها المتعددة التي كانت خط التماس حقيقي بينهم وبين قطاعات واسعة من الشعب وظهر ذلك في خسارتهم الأغلبية التي اعتادوها فى نقابة الأطباء.