القضية الكردية تفجر المعارضة التركية من الداخل!

أوجلان بعد اعتقاله في سنة 1999 في نيروبي واقتياده لتركيا

في إطار ضغوطه الرامية إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في منتصف العام المقبل على أقصى تقدير، كثف تحالف الأمة الذي يضم أحزاب الشعب الجمهوري والجيد والسعادة والديمقراطي من تحركاته وتصريحات مسئوليه الرامية إلى شحن الجماهير، وتوسيع نطاق قاعدته الجماهيرية عبر استقطاب المزيد من الأصوات.

هذه المرة كان التركيز على أصوات الأتراك ذوي الأصول الكردية، حيث أصدر زعيم حزب الشعب الجمهوري بيانا تحدث فيه عن أن الوقت حان للعمل على إيجاد حل للمشكلة الكردية التي تعاني منها تركيا منذ أربعين عاما.

دعوة كمال كيليشدار أوغلو فتحت باب النقاش على مصراعيه أمام السياسيين والإعلاميين، الذين سارعوا إلى التعليق على أسباب طرح ذلك الأمر وتوقيته، والمغزى من ورائه، والرسائل التي يريد إيصالها ولمن، والهدف من وراء ذلك بعد أن أصبح بصورة شبه رسمية مرشح حزبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

المثير في الأمر أن أول تعليق على دعوة كيليشدار أوغلو، جاء من سيزاي تميلي الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، وهو الحزب الذي يمثل الأكراد داخل البرلمان، والمتحدث الرسمي باسمهم على الساحة السياسية ، حيث قال “إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لحل المسألة الكردية في تركيا فيجب أن يكون المحاور الحقيقي خلال جلسات الحوار المفترضة هو عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في سجن بجزيرة إمرالي”، ورغم أن الرجل أكد أن ذلك هو رأيه الشخصي، ولا يعبر بأي حال من الأحوال عن رأي الحزب أو القيادات الكردية الأخرى، إلا أنه اعتُبر بمثابة موقف مبدئي للسياسيين الأكراد العاملين على الساحة التركية.

فتنة أوجلان

حزب الشعوب الديمقراطي حليف كيليشدار أوغلو التزم الصمت تماما تجاه هذا التصريح الذي صدر عن واحد من أبرز زعمائه، إلا أن هناك عدد من قيادات الحزب انتقدت التصريح، حتى وإن كان موقفا شخصيا كما أوضح الرجل، على اعتبار أن أي تصريح يصدر منه، هو في النهاية تعبيرعن الخط السياسي للحزب، كونه من قياداته البارزين الذين لا يمكن تجاهل تصريحاتهم أو تخطي آرائهم.

طرح اسم عبد الله أوجلان كمحاور مفترض لحل المشكلة الكردية في تركيا وضع زعيم حزب الشعب الجمهوري في موقف حرج، خصوصا وأن أوجلان كان يترأس حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية إنفصالية، كما أن الرجل قد أُدين بتهمة الخيانة وتشكيل منظمة إنفصالية تسعى إلى تمزيق الوحدة الترابية للدولة التركية، وحكم عليه بالإعدام ثم تم تخفيف الحكم للسجن مدى الحياة في أكتوبر/تشرين الثاني 2002.

وفي محاولة من جانب لتوضيح موقفه، قام كيليشدار أوغلو ببث فيديو يشرح فيه وجهة نظره بشأن سبل الحل التي يجب المضي قدما فيها، مشيرا إلى أن ذلك لن يتأتى إلا من خلال آليات مشروعة، وهو ما يعني تلقائيا أن يكون المرشح للقيام بدور المفاوض في تلك الجلسات هو حزب الشعوب الديمقراطي بصفته ممثل للأكراد في البرلمان، وبالتالي فهو الوجهة المؤسسية التي يمكن القبول بها، والتحاور معها لوضع الحلول السياسية العملية لتلك المشكلة.

ليس زواجاً كاثوليكياً

ورغم هذا الإيضاح إلا أنه جاء محققا للمثل الشعبي الذي يقول “زاد الطين بلة” إذ أعرب حزب الجيد حليف الشعب الجمهوري عن عدم ارتياحه وتحسسه من إعادة طرح المشكلة الكردية للعلن، والحديث عن ترشيح حزب الشعوب الديمقراطي كوجه مقبول للتفاوض عنها، خصوصا وأن المحكمة الدستورية وافقت بالإجماع على قبول دعوى إغلاقه وحظر نشاطاته، بعد إتهامه بأنه امتداد لحزب العمال الكردستاني المصنف كتنظيم إرهابي من جانب تركيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، وأكدت أكثر من قيادة داخل حزب الجيد على ضرورة عدم النظر إلى تحالفهم مع الشعب الجمهوري على أنه زواج كاثوليكي لا يمكن الرجوع عنه، وهو ما اعتُبر إشارة بإمكانية إنهاء التحالف بينهما على خلفية الخلافات في وجهات النظر الآخذة في التزايد يوما بعد يوم.

ترفض ميرال اكشنار زعيمة حزب الجيد تحركات حزب الشعب الجمهوري، وإعادة طرحه للمشكلة الكردية على الملأ الآن، كون ذلك الطرح يتعارض مع إيديولوجية حزبها، الأمر الذي من شأنه أن يسبب لها خسارة في عدد من أصوات قاعدتها الانتخابية، لا يمكنها تحملها، رغم علمها التام أن حليفها يسعى من وراء ذلك إلى استقطاب أصوات الأكراد في شرق وجنوب شرق تركيا، الذين يمثلون أكثر من 75% من إجمال عدد سكان 12 ولاية، كما تدرك الهدف من ترشيح كيليشدار أوغلو لحزب الشعوب الديمقراطي المهدد بالحظر، للتفاوض مع الدولة التركية لحل المشكلة الكردية، فالحزب حصل على 6 ملايين صوتا في انتخابات 2018، فإذا ما قررت المحكمة الدستورية إغلاقه وحظر نشاطه، فإن كمال كيليشدار أوغلو يرغب في أن يكون حزبه هو البديل عنه في مناطق الأكراد، وبالتالي حصد أصوات الناخبين المؤيدين للشعوب الديمقراطي، الأمر الذي سيمكنه بطبيعة الحال من رفع عدد أصواته في الولايات الشرقية والجنوبية الشرقية.

وهو السبب نفسه  الذي دفعه إلى إنشاء ما سماه “طاولة جنوب وشرق البلاد” والتي من المقرر أن تقوم بجولات في الولايات التركية ذات الكثافة السكانية الكردية لشرح مقترحات الحزب لحل المشكلة الكردية للمواطنين والقيادات العشائرية والسياسية والناشطين وأصحاب الرأي، في محاولة أخرى من جانبه لكسب أصوات الناخبية الأكراد.

الرجل يدرك تماما أهمية استقطاب الأصوات الكردية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، وتأثير ذلك فيما يمكن أن يحققه حزبه فيهما، ليتخطى بذلك أصوات تحالف الشعب، خصوصا وأن هناك إحصائيات غير رسمية تشير إلى أن عدد الأكراد في تركيا يتراوح ما بين 20 إلى 25% من إجمالي مجموع السكان البالغ 82 مليون نسمة، وهي كتلة تصويتية لا يمكن التضحية بها أو تجاهلها أو التفريط فيها مهما كانت الأسباب.

علاقات محظورة

تحالف الشعب الذي يضم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية سعى إلى قطع الطريق أمام محاولات حزب الشعب الجمهوري لاستقطاب أصوات الناخبين الأكراد، إذ أجمع زعيمي الحزبين رجب طيب أردوغان ودولت بهشلي على أنه ليس هناك ما يسمى بالمشكلة الكردية في تركيا.

إذ أكد بهشلي على أنه “ليس في تركيا قضية اسمها القضية الكردية”، مبررا طرح حزب الشعب الجمهوري لذلك على أنه رغبة من جانب الحزب لتبرير ما وصفه بالعلاقة المحظورة والتحالف اللاأخلاقي مع حزب الشعوب الديمقراطي الذراع السياسي لحزب العمال الكردستاني الإنفصالي، أما أردوغان فسعى لأن يكون أكثر واقعية ومنطقية من حليفه عندما صرح في جلسة افتتاح العام التشريعي الخامس للدورة الـ27 للبرلمان التركي بأن المسألة المسماة بالمشكلة الكردية في تركيا التي تستغلها جميع الأطراف بمن فيها التنظيمات الإرهابية قد تم حلها عبر أُطر التنمية.

وهي التصريحات التي اعتبرها البعض غامضة، لذا رد عليها على بابا جان زعيم حزب الديمقراطية والتقدم بقوله “إذا كانت مدرعات الشرطة تتجول في المناطق التي يلعب فيها الأطفال الأكراد، فهذا يعني أن هناك مشكلة، وإذا كان الحق في التحدث باللغة الكردية ما زال قيد المناقشة، فهذا يعني أن هناك مشكلة، وإذا ما تمت إقالة رؤساء البلديات المنتخبين، وتعيين بدلا منهم أمناء في المدن ذات الأغلبية الكردية، فهذا يعني أن هناك حتما مشكلة، وإذا لم تذكر المشكلة فلن تتمكن من حلها”.

وصف التصريح الذي أصدره أردوغان بالغامض، يعد وصفا غير دقيق جانبه الصواب، فالرجل بالفعل قدم الكثير من أجل رفع المعاناة عن سكان المناطق الكردية، وسعى إلى ضمان الأمن والاستقرار في جنوب شرق تركيا، ورفع المستوى الاقتصادي لسكانه، وضم لحزبه عدد كبير من السياسيين من ذوي الأصول الكردية، الذين أصبحوا في مناصب قيادية مهمة داخل الدولة.

ما فعله الرئيس أردوغان في سبيل إنهاء المشكلة الكردية كثير، لا يمكن حصره هنا لذا سوف نتناوله في مقال مفصل حتى يمكننا المساهمة في إزالة الغموض الذي وصفه البعض لتصريحه حول تلك المسألة.

ومع ذلك فلا أحد يمكنه إنكار أن القضية الكردية خلال الأربعين عاما الماضية سببت -وما زالت- الكثير من المعاناة للشعب التركي، وأن الوقت بالفعل قد حان كي يتم التوصل إلى حل نهائي يزيل المخاوف السياسية التي تستنزف تركيا عسكريا واقتصاديا واجتماعيا، ويؤمن الاستقرار والأمان للمناطق ذات الكثافة الكردية التي تعاني من العمليات الإرهابية لحزب العمال الكردستاني، التي أودت بحياة الآف من المدنيين الأبرياء.

المصدر : الجزيرة مباشر