لماذا يصر أردوغان على خفض سعر الفائدة رغم تراجع الليرة؟

أردوغان

في النصف الثاني من 2018 زاد معدل التضخم في تركيا تدريجيا حتى وصل إلى 25.2% في شهر أكتوبر، الأمر الذي دفع البنك المركزي التركي إلى الرفع المتتالي لسعر الفائدة من 8% إلى 16.5% دفعة واحدة ببداية شهر يونيو، ثم إلى 17.75% بعدها بأسبوع، ثم إلى 24% بمنتصف شهر سبتمبر، أي أن معدل الفائدة زاد بنسبة 16% خلال ثلاثة أشهر ونصف فقط.

ومنذ شهر نوفمبر 2018 بدأ معدل التضخم في التراجع التدريجي حتى بلغ 8.6% في أكتوبر 2019، وهو ما أدى إلى خفض معدل الفائدة تدريجيا أربع مرات خلال عام 2019 ثم خمس مرات خلال عام 2020 اتساقا مع الاتجاه العالمي لخفض سعر الفائدة، لتنشيط الاقتصادات المتضررة من آثار فيروس كورنا، ولتصل الفائدة التركية إلى 8.25% في مايو 2020 أي قريبا من مستواها بالنصف الأول من 2018 وما قبله.

ومع بدء ظهور ضغوط تضخمية بالنصف الثاني من 2020 مع عودة النشاط الاقتصادي تدريجيا محليا ودوليا، بعد تخفيف الحظر الذي فرضته بلدان عديدة على التجمعات، قام البنك المركزي التركي مرة أخرى برفع سعر الفائدة ثلاث مرات من سبتمبر إلى ديسمبر، ثم في مارس من العام الحالي لتصل الفائدة إلى 19% بشهر مارس، إلا أن معدلات التضخم استمرت في الارتفاع التدريجي الهادئ.

وهنا تدخل الرئيس التركي من خلال من اختارهم لقيادة البنك المركزي بعد أكثر من تغيير لهم، للقيام بدور معاكس لما سبق ممارسته خلال عامي 2018 و2020، بالاتجاه لخفض الفائدة أربع مرات من سبتمبر إلى ديسمبر من العام الحالي لتصل الفائدة إلى 14%، مع إصراره على الاستمرار في خفضها لأكثر من ذلك.

    الاسثتمار الأجنبى يفضل الفائدة المنخفضة

ومبرره أن سعر الفائدة المرتفع يزيد من تكلفة التمويل للشركات التركية، مما يجعلها تحمل تلك التكلفة على أسعار بيع منتجاتها، مما يقلل تنافسيتها بالداخل وبالخارج، حيث تتسبب في زيادة التضخم بالداخل، وفي انخفاض تنافسية المنتجات التركية بالخارج، خاصة وأنها تنافس منتجات دول تصل الفائدة في بعضها إلى صفر% أو 1 أو 2% على الأكثر، مما يؤثر على حصيلة الصادرات التركية والتي تعد العماد الرئيسي لموارد النقد الأجنبي في البلاد.

كما أن الفائدة المرتفعة تجذب الأموال الساخنة لشراء أدوات الدين التركية، والتي تمكث فترة قصيرة لتخرج محملة بالفائدة العالية بالعملات الأجنبية، بينما الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يسهم في إقامة مشروعات تنتج سلع وخدمات ويوفر فرص عمل، يعد الفائدة العالية عائقا أمام مجيئه.

ففي عام 2019 ومع الفائدة المرتفعة بلغت قيمة الاستثمار المباشر الوارد 9.3 مليار دولار، مقابل حوالي 19 مليار دولار عام 2015 حين كانت الفائدة ما بين 7.5 إلى 7.75%.

كما أن الفائدة المرتفعة تؤدي إلى رفع مخصصات فوائد الدين الحكومي بالموازنة، مما يزيد من نسبة العجز المزمن بالموازنة التركية، والذي بلغت نسبته 5.6% عام 2019 وهي أعلى نسبة خلال السنوات العشر السابقة، بعد أن كانت نسبة العجز 1.3% فقط عام 2015 الذي انخفض خلاله سعر الفائدة.

وتحسبت السلطات النقدية التركية للرفع القادم للفائدة بالولايات المتحدة، والذي سيؤدى لخروج جانب من الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة، مما سيؤدى إلى هزات في سعر صرف عملاتها.

وهكذا كان توجه أردوغان أن الفائدة المنخفضة تساعد على توسع الشركات وزيادة الإنتاج، وبالتالي استقطاب مزيد من العمالة مما يقلل معدل البطالة الذي وصل إلى 11.2% في أكتوبر الماضي، وإمكانية زيادة الصادرات لتضييق العجز المزمن بالميزان التجاري السلعي، والناتج عن ضعف نسب الاكتفاء الذاتي من الوقود سواء من الغاز الطبيعي أو النفط أو الفحم.

وعندما يقول البعض إنه بذلك يتدخل في سلطة البنك المركزي، فإنهم ينسون مطالبة الرئيس الأمريكي السابق ترمب لمحافظ البنك الفيدرالي بالمزيد من خفض الفائدة أكثر من مرة.

ثبات فائدة اليورو رغم ارتفاع التضخم

وإذا كانت الدول الكبرى قد اتجهت لخفض سعر الفائدة كوسيلة لتنشيط الاقتصاد بعد الأزمة المالية العالمية، فلماذا ينكرون على تركيا اتخاذ المسلك نفسه، حيث اتجهت دول اليورو إلى الخفض التدريجي لسعر الفائدة بعد عام 2008 حتى وصلت إلى صفر% في مارس 2016، وهو السعر الذي ما زال مستمرا رغم ارتفاع أسعار السلع من نفط وغاز طبيعي وفحم وحبوب وغذاء ومعادن خلال العام الحالي.

فها هي ليتوانيا عضو منطقة اليورو التي يستمر بها معدل الفائدة صفر% رغم بلوغ نسبة التضخم 9.2% بشهر نوفمبر الماضي، وهو ما تكرر بثبات سعر الفائدة في دول اليورو التسعة عشر صفر% رغم بلوغ نسبة التضخم ببلجيكا 5.6%، وبإسبانيا 5.5% وبكل من ألمانيا وهولندا 5.2%، وحيث بلغ متوسط معدل التضخم بدول اليورو 4.9%.

ولم نسمع اتهامات لقيادات تلك الدول كما حدث مع الرئيس التركي، وهو ما تكرر مع بلوغ متوسط معدل التضخم بدول الاتحاد الأوربي 4.4%، ومع ذلك ما زال معدل الفائدة صفر بكل من السويد وبلغاريا عضوي الاتحاد، بل إن معدل الفائدة سالب 0.35% بالدانمارك عضو الاتحاد.

وهكذا تستخدم الكثير من دول العالم خفض سعر الفائدة كوسيلة لجعل منتجاتها منافسة بالأسواق الدولية، كما تجعل السياحة الواردة إليها أقل تكلفة بالنسبة للسائح القادم، وها هو سعر الفائدة السائد حاليا يصل إلى واحد بالألف بكل من أستراليا وإسرائيل، و0.22% بسنغافورة و0.25% بكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وكندا، ونصف بالمئة بكل من تايلاند والنرويج وألبانيا، وأقل من 1% بهونغ كونغ، و1% بكل من كوربا الجنوبية والسعودية والبحرين.

بل إن معدل الفائدة ما زال سالبا في سويسرا بنسبة 0.75% وباليابان سالب 0.1%، في حين يصل إلى 14% حاليا بتركيا، في حين اتجهت كثير من البلدان لخفض الفائدة لتصل إلى 1.5% بكل من الإمارات والكويت والمغرب، و1.75% بكل من ماليزيا وبولندا ورومانيا.

رغم ارتفاع معدلات التضخم بتلك البلدان كثيرا لتصل بشهر نوفمبر الماضي، إلى 7.8% برومانيا و6.8% بالولايات المتحدة و4.7% بكندا، و5.1% بإنجلترا و3.7% بكوريا الجنوبية و3.4% بالدانمارك، و3.3% بالسويد و2.4% بإسرائيل.

وإذا كان معدل التضخم قد ارتفع إلى 21.3% بتركيا فهو أقل من دول أخرى كثيرة، حيث بلغ 201% بلبنان ويزيد عن ذلك بالسودان، و139% بسوريا و58% بزيمبابوي و51.2% بالأرجنتين و35.7% بإيران و33% بإثيوبيا.

كما أن نسبة 21% الحالية للتضخم بتركيا أقل مما حدث عام 2018 حين تجاوز 25% وأمكن خفضه بعدها، وهو ما وعد الرئيس التركي بتكراره خلال الشهور القادمة، بعد رفع الحد الأدنى للأجور وإتاحة ودائع بالليرة لا تتأثر بتغيرات سعر الصرف، وما ترتب عليه من تراجع سعر الصرف من أكثر من 18 ليرة للدولار، إلى ما بين 12 إلى 13 ليرة خلال الأيام الثلاثة الأخيرة.

وعندما يقول البعض إنه تم استخدام سعر الفائدة عام 2018 لمواجهة التضخم، فإن أدوات السياسة النقدية لمواجهة التضخم متعددة وسعر الفائدة أحدها، ومنها الأدوات الكمية كسعر الخصم وعمليات السوق المفتوحة ونسبة الاحتياطي القانوني، وأدوات الرقابة الفنية المباشرة النوعية أو الانتقائية لاتباع سياسة ائتمانية معينة، كتحديد حجم الائتمان الممنوح أو تحديد شروط منحه والمشروعات المرغوبة للتمويل أو للاستثمار، وغير ذلك من أدوات عديدة.

المصدر : الجزيرة مباشر