بعد عقد من ثورتها … سوريا إلى أين؟

كرنفال يسخر من الأسد بوتين

في مثل هذه الأيام منذ عشر سنوات كان صديقي السوري طفلا في سن العاشرة كل أحلامه أن يلعب في الشارع مع أصدقائه ويذهب إلى المدرسة في الصباح وتعطيه أمه أو أبوه بعض النقود ليشتري الحلوى من الدكان الذي أمام المنزل.. إنها أحلام بسيطة ولا تستحق العناء من أجل تحقيقها.. لكنها أصبحت اليوم شبه مستحيلة لأن صديقي السوري هو رفيقي في الغربة الآن فبينه وبين المنزل آلاف الأميال والعراقيل والصعوبات والحروب والصواريخ والبراميل المتفجرة.

اليوم تمضي عشر سنوات على ذكرى ثورته وتهجيره وملايين من شعبه ظلما وقهرا على يد النظام الكيمياوي كما يحلو للسوريين تسميته وحلفائه الغزاة الذين جلبهم لأرضه بطغيانه، ألا يقولون أن الطغاة يجلبون الغزاة باستبدادهم وقتلهم لشعوبهم ورغبتهم الدموية، فيجعلون من أرضهم مطمعاً لأصحاب الأطماع والنفوذ وما أكثر اليوم في العالم.

اليوم يخرج السوريون من عقد من الزمن كانت حصيلته أكثر من نصف مليون قتيل بيد نظام الأسد وملايين المصابين وغيرهم وضعفهم من المهجرين

أجل عشر سنوات مضت على ثورة الشعب السوري أو انتفاضته على العائلة البعثية التي حكمت البلاد بالحديد والنار والكيماوي والقنابل المتفجرة والتهجير القسري والاستعانة بالمليشيات الطائفية، وتحولت فيها سوريا إلى ملعب سياسي كبير بين نظام متهم دوليا بارتكاب جرائم حرب بحق الشعب السوري وبمساعدة من الطائرات الروسية ومليشيا إيران وحزب الله ومعارضة يصفها السوريون بالتائهة والمتخبطة وحليف آخر كردي مدعوم بقوة الولايات المتحدة الأمريكية لديه مناطق نفوذ هو الآخر.

اليوم يخرج السوريون من عقد من الزمن كانت حصيلته أكثر من نصف مليون قتيل بيد نظام الأسد وملايين المصابين وغيرهم وضعفهم من المهجرين ومدن قد خربت وأخرى أبيدت بفعل الطيران الروسي ومليشيات نظام الأسد ودولة قد نسفت وأموال قد نهبت ويخرج الجميع خاسرا بما فيه النظام القاتل لشعبه الذي ظن نفسه منتصرا من هول الدعم الروسي والإيراني والمناطق التي سيطر عليها إلا أن الحقيقة التي خرج بها السوريين والوقائع والأحداث الأخيرة تؤكد أن لا رابح اليوم في سوريا في معركة الرئيس والشعب ونبدأ بالنظام المزهو بالانتصارات بقصف الطائرات الروسية .

1.أزمات نظام الأسد:

بدت نهاية العقد الأول من الثورة السورية مبشرة للنظام السوري وأنصاره، فقد نجح في السيطرة على معظم المناطق وعلى أكثر من 70 في المائة من الأرض السورية بدعم روسي وإيراني وبعد قتل وتدمير للمناطق والمدن والقرى والأهالي

إلا أن الأمور مع مطلع العام 2020 بدأت تأخذ منحى انعكاسيا بدرجة 90 في المائة.. فقد ظهر ملف الخلافات داخل عائلة الأسد والصراع بين الأسد ورجل الأعمال الأبرز رامي مخلوف الرأس الاقتصادي لنظام الأسد ليثبت هشاشة النظام

كذلك زادت الأسعار وارتفعت لدرجة أوصلت الداعمين لبشار الأسد للخروج في مظاهرات هي الأولى في المناطق التابعة لنظامه، ثم ظهرت تقارير روسية وصحف تتحدث عن خلاف بين بشار الأسد والنظام الروسي الداعم الفعلي له

وقيل يومها إن رفض الأسد تسديد الديون الروسية لرجال الأعمال والعسكريين الروسي أدى لغضب روسي على بشار الأسد وهو ما اضطر موسكو لسحب تشكيلاتها العسكرية من دير الزور وأشعل فتيل الأزمة بين الأسد وقريبه رجل الأعمال رامي مخلوف من أجل المال والدعم بحسب ما أكدته صحيفة صنداي تايمز البريطانية في تقرير لها نشر قبل أشهر .

ثم جاءت الخلافات البارزة بين السيدة الأولى أسماء الأسد وآل مخلوف ودعمها لأطراف أخرى لتزيد من فتيل أزمات النظام الذي تعمدت موسكو إظهار رئيسه في كل المقابلات الرسمية مع حليفه بوتين في صورة التابع المهزوز والجندي الذي ينتظر دوره ليصافح الرئيس بوتين .

ولأن المصائب لا تأتي فرادى فقد جاء قانون قيصر الأمريكي ليكمل ما تبقى من نزيف جراح من ظن نفسه منتصرا بدعم أجنبي على شعب أعزل طالب بالحرية والعدالة  … وهو قانون في طريقه للتجديد بعد مطالبات جديدة لنواب في الكونغرس الأمريكي للرئيس جو بايدن بضرورة ردع نظام الأسد ومحاسبته على جرائمه بحق الشعب السوري ، ذلك من أزمات النظام فماذا عن الصف الثوري الأضعف على الأرض

2. خسائر الثورة السورية طوال العقد الأول

دعك عن ملايين الجرحى والمهاجرين ونصف المليون قتيل وملف اللاجئين السوريين والتخاذل الدولي فقد بدت المعارضة السورية المنقسمة أصلا تائهة ومفتقدة للحنكة السياسية، فالائتلاف تغير كثيرا طوال تلك الفترة ، كما تغيرت المواقف الدولية والعربية من الحرب على نظام الأسد إلى حليف له رافض للعقوبات عليه كما هو حال الإمارات العربية المتحدة .

وإن كانت المعارضة قد اختارت طريق المفاوضات مع نظام الأسد وظهرت جنيف بأرقامها وأستانا باجتماعاتها، إلا أن النظام ممثلا في بشار الأسد يبدو أقرب فيها للانتصار السياسي وقد فرض نفسه لحد الساعة كرجل المرحلة الانتقالية والانتخابات المنتظرة.

3. خسائر الأطراف الإقليمية: روسيا نموذجا

لعل روسيا هي الطرف الدولي الأكثر فاعلية على الأرض السورية وهي التي ارتكبت مجازر في إدلب وحلب وريف دمشق بحق المدنيين العزل نصرة لنظام الأسد ولمصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية هناك ، إلا أن التحركات الأخيرة خاصة زيارات وزير الخارجية الروسي إلى منطقة الخليج ، تؤكد وجود تغير في وجهة النظر الروسية اتجاه الملف السوري ، ناهيك عن التسريبات الأخيرة ضد نظام الأسد ، فلربما وجدت موسكو أخيرا أن الحل الروسي السياسي قد يكون أفضل بدون نظامها وحليفها بالأمس المعزول لأسابيع بحكم إصابته بفيروس كورونا وهي التي طالما دعمت وأيدت وانتهكت الأرض والأعراف الدولية وحقوق الإنسان وتلك مناطق إدلب شاهدة على ذلك ، إلا أنها السياسة لا أصدقاء فيها دائمون ولا أعداء دائمون وقد فعل كورونا بالاقتصاد الروسي فعلته وكذلك المظاهرات الأخيرة في روسيا نصرة للمعارض المعتقل نافالي، دعك عن التكلفة الاقتصادية والعسكرية الباهظة لدعم نظام ضعيف الشعبية والرؤية قليل الحلفاء دوليا على الأقل باستثناء نظام بوتين ونظام إيران وقليل من المليشيات على أساس طائفي وعرقي ومغضوب عليه دوليا وقد تزداد العقوبات عليه في الفترة المقبلة .

المصدر : الجزيرة مباشر