“لقاؤنا برئيس الوزراء وثالثنا ضياء”

ضياء رشوان

من أكثر الأشياء الملفتة للنظر في مصر هي إساءة استخدام الكلمات والمعاني لتعويض خصال إنسانية يوهم البعض بها نفسه لكي يحقق رضا ذاتيا يستطيع من خلاله الاستمرار في خداع وتغييب الآخرين، على سبيل المثال: “ضياء رشوان” مرشح لانتخابات نقابة الصحفيين والتي سيتم إجراؤها بعد أيام وفي كل منشور له عن الانتخابات ينهي كلامه بوسم #كرامة الصحفي، بالطبع من السهل جداً التأكد من كلامي.

المهم لن أتحدث في المعروف لدى الجميع، سأتحدث عن واقعة شخصية جمعتني به خلال لقاء مع رئيس الوزراء السابق “إبراهيم محلب” وزملائي أعضاء هيئة المكتب في الجبهة الشعبية لمناهضة أخونة مصر في مقر رئاسة الوزراء، مساء يوم ٨ أكتوبر ٢٠١٤م، بناء على اتصال تلقيته صباح ذلك اليوم من اللواء “طارق كمال” مدير المراسم، والذي نقل لي رغبة رئيس الوزراء في تلك الفترة للالتقاء بوفد من أعضاء الجبهة، وكما هو معروف كنت مؤسس ومنسق الجبهة حتى تم إعلان تجميدها.

استقبلني ضياء رشوان بترحاب فوق الوصف -الشهادة لله- وبدأ بيننا حوار غريب جداً من طرفه يدور حول الأهمية من هذا اللقاء بين وفد الجبهة ورئيس الوزراء

ذهبت مع زملائي قبل اللقاء بحوالي ساعة -لظروف الطريق والتي كانت متيسرة من الإسكندرية للقاهرة- وداخل الصالون الرئيسي لاستقبال الضيوف وجدت ضياء رشوان “نقيب الصحفيين” في تلك الفترة وعضو “لجنة الخمسين” التي وضعت دستور مصر عام ٢٠١٤م، وجدته منتظرا للقاء محلب قبلنا بناءً على موعد سابق، وكان محلب في لقاء طارئ- بناءً على كلام مدير المراسم لي- مع رجل الأعمال المعروف “حسن هيكل” ابن كاتب يوليو الشهير محمد حسنين هيكل (عرفت من مصادر خاصة أن اللقاء خاص بمشاكل مالية وتعثر مع البنوك وما شابه ذلك).

المهم، استقبلني ضياء رشوان بترحاب فوق الوصف -الشهادة لله- وبدأ بيننا حوار غريب جداً من طرفه يدور حول الأهمية من هذا اللقاء بين وفد الجبهة ورئيس الوزراء، وما جدوى التقدم إليه أصلا بمقترحات –في ذلك الوقت كنت “على نياتي” أو كما يقال كنت مصدقاً لحلم الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة- أفصحت له عن كل ما ننوي طرحه من عروض وأفكار لمصلحة الشباب، والإفراج عن المعتقلين، وقانون التظاهر والحوار بين الدولة وشبابها وضرورة الإنصات والاستماع لهم، وأمور أخرى كثيرة، لم أجد من السيد النقيب إلا التسفيه والتقليل من كل ما ذكرت لدرجة عجيبة جداً أصابتني بالدهشة.

انتهى لقاء حسن هيكل بمحلب، ودخل قبلنا رشوان، قبل موعد لقائنا المقرر بحوالي ١٥ دقيقة، وفي الموعد المحدد لنا، جاء رئيس المراسم لكي يصطحبنا للدخول، تفاجأت بوجود رشوان وبأنه لم ينصرف، واستأذن وقتها رئيس الوزراء في حضوره للاجتماع لو لم يكن لدينا مانع، وأسقط الأمر في أيدينا جميعاً، ونظر الجميع لي ولسان حالهم يقول: “اتصرف”، قلت لمحلب نصاً وبدون حرج: “يا بشمهندس اللي أنا أعرفه أن اللقاء بين وفد الجبهة الشعبية وحضرتك، ولم يقل لي اللواء طارق كمال أن السيد ضياء سيكون حاضرا للاجتماع”.  قلت ذلك نصاً نكاية فيه ولما قاله لي بالخارج وما تسبب به لي وللجميع من إحباط، وخلال حديثي كان رشوان ينظر للسقف “وعامل نفسه من بنها”، فنظر لي محلب وقال بنصف ابتسامة: “يعني نقول له اتفضل يا أستاذ ضياء ولا انتو اسكندرانية وجدعان يحضر معانا”، بالطبع لم أعلق بحرف، فالموقف برمته عبثي، ولأول مرة أتعرض لمثله في حياتي.

 * قال لي بعدها أستاذي ومعلمي المفكر أمين المهدي -رحمه الله- إن رشوان مكلف بالحضور من قبل الأجهزة الأمنية لكتابة تقرير بكل ما تضمنه الاجتماع.

رأيت الانسحاق بدرجة لم أكن أبدا لأتخيلها أمام الحاكم بمجرد أنه وجد أن الأمر يتفق مع هوى المهندس محلب

وبمجرد بدء الحوار الذي استمر لأكثر من ساعتين، تفاجأت بتأييد رشوان لكل ما نتحدث عنه، لإدراكه ومنذ اللحظة الأولى لبداية الاجتماع تقدير رئيس الحكومة لنا، وبأن كلامنا يروق له جداً، ليس ذلك فقط، بل وشهد ضياء بأن كل تلك الأفكار خارج الصندوق، ولم تطرح من قبل بتملق كدت معه أصاب بالإغماء من فرط التحول المذهل الذي تم بطريقة تفوق الوصف، للدرجة التي استفزتني لأقول على سبيل الدعابة: “غريبة جداً يا أستاذ ضياء، واضح أن المهندس محلب له بركات، أنت يا رجل توافق وتمدح  كل ما سبق ورفضته منذ دقائق!!”، وبخفة دم تلقائية من محلب الذي كان يقهقه بصوت عالٍ ولترطيب الأجواء قال لزملائي: “خير.. الله.. ده مش بني آدم ده كارثة وطلع لها اتنين رجل”، وانفجر الجميع ضاحكين أكثر فأكثر.

الخلاصة: رأيت الانسحاق بدرجة لم أكن أبدا لأتخيلها أمام الحاكم بمجرد أنه وجد أن الأمر يتفق مع هوى المهندس محلب، على عكس ما جلس يناظرني في عكسه تماماً لأكثر من نصف ساعة. ثم يجيء اليوم الذي يستخدم فيه توصيفات وتعبيرات من نوعية “كرامة الصحفي”، أين كنت يا ضياء عندما فرضت نفسك على لقاء واجتماع لم يكن أبداً مرحباً بك فيه؟ وأين كانت عندما أشدت بعبقرية طرحا ناظرت قبلها من أجل التقليل منه بل ونسف أهمية اللقاء من الأساس؟

حقاً كم من الجرائم الكبرى التي ترتكب بحق الكلمات والمعاني في القواميس العربية، وأخشى أن يأتي يوم تتفاجأ بالقواميس العربية وهي تقف وقفة احتجاجية في إحدى العواصم اعتراضاً على إساءة استخدام اللغة.

تنويه: أسفر هذا الاجتماع عن أمرين في غاية الأهمية:

أولاً: اعتماد سفر وفد من الجبهة الشعبية لمناهضة أخونة مصر إلى البرلمان الأوربي بعد التنسيق مع وزارة الخارجية، وذلك للحديث عن حراك الثلاثين من يونيو وهو ما تم بالفعل في فبراير ٢٠١٥م، وتلك قصة أخرى.

ثانياً: كنا قد طرحنا في هذا اللقاء حوار ما بين الدولة وشبابها من خلال مؤتمرات تقام في جميع المحافظات بالتناوب وهو ما تم في مرحلة لاحقة تحت مسمى “المؤتمرات الوطنية للشباب” والتي تحولت إلى مكلمة للرئيس السيسي نجني كوارثها الآن.