ملاعب كرة القدم تفضح العنصرية في أوربا!

جونسون

لا شك أن العنصرية واقع مرير ومتغلغل في كثير من بلدان القارة الأوربية، بعضه شائع وبعضه مستتر، لكن ثمة مواقف تجري أحداثها على الملأ هي التي تفضح العنصرية، وتكشف وجهها القبيح أمام الجميع دون ستر أو موارة.
ملاعب كرة القدم واحدة من تلك الساحات التي أصبحت متفجرة بالعنصرية، فما حدث في كأس الأمم الأوربية الأخيرة هذا العام، والتي جرت فاعليتها قبل أسابيع قليلة في استاد ويمبلي في لندن بين إيطاليا وإنجلترا، هو أكبر شاهد على ذلك، مع أنه ليس الأول لكنه كشف عن مدى تغلغل العنصرية في نسيج المجتمع البريطاني، وفي عقول أناس من المفترض أنهم يشجعون الرياضة، ويعيشون في دولة متحضرة ديمقراطية، منفتحة علي الثقافات الخارجية بحكم تاريخها الطويل في الدول التي استعمرتها.
لقد فعل الحظ فعلته، وأضاع ثلاثة لاعبين من أصحاب البشرة السوداء 3 من ضربات الجزاء الترجيحية لتنتهي المباراة بخسارة إنجلترا أمام إيطاليا، وفوز إيطاليا بالكأس، وهنا ظهرت حقيقة العنصرية التي دفعت أصحابها بعدم قبول الخسارة، وحملوها للاعبين الثلاثة، بالتزامن مع انطلاق موجة مقيتة من الهجوم العنصري عليهم في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفهم بالقرود، وبكثير من العبارات المهينة التي يعاقب عليه القانون.
بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني شعر بمسؤوليته، واعتبر أن ما حدث هو عمل شائن ولا يجوز، وأكد عزمه على توسيع حظر وجود مثيري الشغب في الملاعب الإنجليزية، لتشمل أولئك الذين يوجهون شتائم عنصرية إلى اللاعبين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

يتهمون جونسون نفسه بأنه ليس بعيداً عن اتهامات متعلقة بالتمييز عندما كان صحفيا

كثيرون شعروا بالخجل، كيف لدولة ديمقراطية تهتم بحقوق الإنسان، وتعيش فيها أقليات كثيرة من المستعمرات البريطانية السابقة، ويأتي للعيش فيها سنويا آلاف اللاجئين الفارين من ويلات الحروب، ومن الظلم الطبقي والمجاعات أن يتعرضوا لويلات العنصرية فقط لأنهم مختلفون؟!
في هذا الإطار كان واضحا أن الحكومة البريطانية تعرضت لضغوط متزايدة من قبل ناشطين حتى تأخذ خطوة فعالة للتعامل مع هذه القضية، فبدأت لذلك حملة أطلقت عريضة عبر الإنترنت تطالب بحظر المسيئين عنصريا من حضور المباريات مدى الحياة، سواء كانت الإساءة عبر الإنترنت أو خارجه، وقد حصلت على أكثر من مليون توقيع.

لكن كثيرين من السياسيين المعارضين في إنجلترا يشككون في قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات جادة ضد العنصرية، وهم يتهمون جونسون نفسه بأنه ليس بعيداً عن اتهامات متعلقة بالتمييز عندما كان صحفيا وكاتب عمود في إحدى الصحف، فقد وصف ذات مرة الأفارقة بعبارات مسيئة، كما شبه المرأة المسلمة المحجبة بأنها تشبه صندوق البريد!

الغريب أن العنصرية تتفجر في ذروة الحماس، والانفعال أثناء التنافسات الرياضية من أجل انتزاع النصر بالرغم من أن الرياضة هي تنافس جميل، فيه المكسب والخسارة، والأهم التحلي بالروح الرياضية. أما أن تتحول ملاعب كرة القدم إلى حلقات تبادل للكراهية، والازدراء، وإظهار أسوأ ما في النفس البشرية من حقد وبغض، فهذا بالتأكيد مرفوض. لكن مرضي التعصب موجودون في كل مكان وزمان، وهم ليسوا بعيدين أيضا عن المنطقة العربية، فها هو شيكابالا لاعب الزمالك أسمر البشرة يتعرض بين وقت وآخر إلى مضايقات عنصرية.

حتى محمد صلاح اللاعب المصري في فريق ليفربول وصاحب الشهرة المعروفة لم يسلم من العنصرية

يقول ماركوس راثفورد، لاعب منتخب إنجلترا ردا على إهداره ركلة الترجيح في نهائي يورو 2020، والتي تلقى بسببها إهانات عنصرية، أنه يعتذر عن ذلك بشدة، لكنه إطلاقا لن يعتذر عن أصوله الأفريقية.
قبل عدة سنوات تفجرت مشكلة اللاعب التركي الأصل الألماني الجنسية مسعود أوزيل عندما خرجت ألمانيا من مونديال روسيا 2018 عندها وقع اللاعب في فخ التمييز العنصري، وتم اتهامه من عناصر إدارية في الفريق وبعض الجماهير بأنه السبب في خروج ألمانيا من المونديال. رغم أنه كان واحدا من أفضل اللاعبين في مونديال 2014 الذي فازت به ألمانيا وكان وقتها بطلا في عيون الألمان ولم ينتقده أحد، وأبرز ما قاله اللاعب تعليقا على ذلك “إنهم يعتبرونه في حالة الفوز ألمانيًا، وفي حالة الخسارة تركيًا”، وهذا بالضبط ما ينطبق على باقي اللاعبين الأجانب في الأندية الأوربية.
ليس هناك شك في أن رياضة كرة القدم أصبحت ملوثة بالعنصرية أكثر من أي رياضة جماعية أو فردية أخرى، وأصبحت تفتقد المتعة التي تبعثها في نفوس اللاعبين وعشاقها بسبب الهتافات الخارجة، فالرياضة أخلاق قبل أن تكون منافسة، ومع ذلك فإن البعض يسيئون لتلك الرياضة من خلال الممارسات اللا أخلاقية.
حتى محمد صلاح اللاعب المصري في فريق ليفربول وصاحب الشهرة المعروفة لم يسلم من العنصرية هو الآخر رغم الإنجازات التي حققها لفريقه، فقد انتشر فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لجماهير تشيلسي وهي تغني في محطة للقطارات“ محمد صلاح مفجر إرهابي!!

في الملاعب الرومانية تمارس العنصرية ضد اللاعبين من الأقليات العرقية في البلد نفسه مثل الغجر

نوع آخر من العنصرية غير المعهودة ظهر في روسيا،  فقد تعاقد نادي” زينيت” في سان بطرسبورغ مع لاعب برشلونة البرازيلي “مالكوم” وفي أول مباراة فوجئ بهتافات معادية ضده لكنها ليست من أنصار الفريق الخصم إنما من جماهير فريقه نفسه، ورفعوا لافتة تقول إن الأمر لايتعلق بالعنصرية، “لكن عدم التعاقد مع أصحاب البشرة السمراء يعد من تقاليد النادي”!!
في الملاعب الرومانية تمارس العنصرية ضد اللاعبين من الأقليات العرقية في البلد نفسه مثل الغجر، وهناك هتافات ثابتة منذ عقود طويلة في الملاعب تنعتهم بعبارات مهينة مثل “لدينا نفور منكم” أو “اطردوا المجرمين” .
في العادة ترتبط سلوكيات الناس بالوسط المحيط والمؤثر فيهم، فكراهية المختلف في الثقافة والدين والشكل لا يمكن أن تأتي من نفس سوية، ذلك أن التنوع والاختلاف هو اضافة للمجتمعات وتقوية لها، أما ما يتكرر في الملاعب الأوربية الآن من عنصرية، فهو بالتأكيد مرض اجتماعي لا بد من إيجاد علاج له.

المصدر : الجزيرة مباشر