مرحلة العقاب الانتخابي.. وقفة مع الأحزاب الإسلامية

فجّر مشهد هزيمة العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات المغربية، الرغبة في وقفة أمام تصورات مرحلة ما بعد اندلاع الثورات الشعبية العربية ضد الأنظمة الاستبدادية من أجل حلم منتظر بمستقبل ديمقراطي.

وبصرف النظر عن مشهد الهزيمة، أكان متوقعا أم لا. وبعيدا عن إطار المؤامرة الخارجية (وربما كانت).. هذا أمر آخر. فعندما يكون الحديث عن هزيمة انتخابية مدوية كما حصل في انتخابات المغرب، نكون أمام تاريخ جديد لمرحلة مهمة في مسيرة الأحزاب السياسية الإسلامية على الساحة العربية بعد عشر سنوات من الثورات العربية التي بدأت بربيع تلك الأحزاب الذي سرعان ما أعقبه خريف متنوع لكل حزب في ميدانه وعلى أرضه. أنا ممن ينظر على الحركات الإسلامية وأحزابها على أنها مرتبطة شكلا ومضمونا مع فارق تعدد الساحات المحكوم ببعض العوامل المحركة في ذلك المكان.

يؤسس لنا ذلك ألا نتقيد بالحديث عن التجربة المغربية دون ربطها بالتجربة المصرية مرورا بالتونسية والليبية والسورية واليمنية والجزائرية وحتى العراقية وأي ساحة من ساحاتها. وليس الخليج العربي بل الوطن العربي بعمومه بمنأى عن ذلك.

في ربيعه وخريفه

التيار الإسلامي في ربيعه وخريفه يبقى جزءا لا يتجزأ من التكوين السياسي في أي بلد عربي. ولكن الفرق يكمن في طريقة الظهور والانحسار أو طريقة الارتفاع والسقوط. ونعتقد أن التيار الإسلامي هو المعادل الدائم في كل مرحلة من مراحل التغيير القدرية والبشرية. لذلك عندما انطلقت ثورة 25  من يناير/كانون الثاني 2011 في مصر كان الشعور يدفع بإن المشهد ينتظر المكافئ الموضوعي لذلك الحراك حتى يدخل المشهد حقبته الاعتبارية لمرحلة التغيير المرتقب سواء به أو بدفع من غيره. ولا شك كانت الأنظار تتجه إلى موقف جماعة الإخوان المسلمين. أعتقد أن الجميع كان ينتظر تلك اللحظة لتبدأ عمليات الحساب والجرد داخليا وإقليميا ودوليا.

حاولت الأحزاب السياسية الإسلامية على طول خط الثورات أن تظهر بخطابها السياسي والإعلامي الباحث عن حالة الوسطية شعارها المرفوع دائما. لكنها واجهت الصعوبة في ذلك. لأن من الصعب الوصول إلى موقع الوسط لعدم وجوده أصلا في مراحل التغيير الحادة. وبالرغم من أن الأحزاب السياسية الإسلامية حصدت انتصارات انتخابية وتسيدت مناصب السلطة السياسية العليا بعد اندلاع الثورات العربية في 2010-2011. كما حصل في مصر وتونس وليبيا واليمن والمغرب، لكنها جميعا لم توفق إلى الاستفادة من هذا الحشد الذي يكاد يكون أبعد من الحلم بالقياسات الزمنية السريعة لتحقيقه.

ففي الأولى أطاح الانقلاب العسكري بالتجربة الديمقراطية المصرية التي أنتجتها الثورة فأطيح بالرئيس محمد مرسي مرشح الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان المسلمين. وفي تونس تخلت حركة النهضة (التيار الإسلامي) عن السلطة في عام 2014 في خضم اضطرابات سياسية شهدتها تونس لم تهدأ بغير هذا البديل، وحتى مع قبولها الدخول في ائتلاف مع ألد خصومها السياسيين ” نداء تونس” الليبرالي. ومرة أخرى لم تسلم (النهضة) رغم نصيبها الأعلى في انتخابات 2019، لتواجه حالة النزع في 2021 باستحواذ الرئيس قيس سعيد على كل مفاصل السلطة وتعطيل أعمال البرلمان. وفي ليبيا تراجع التيار الإسلامي في الانتخابات التشريعية عام 2014. وأدخلت البلاد في انقسام وتشظٍ مازالت تعاني من آثاره حتى الآن.

الأكثر مدعاة للوقفة والمراجعة ما تم وصفه بالتصويت العقابي في المغرب، على خلفية أداء الحكومة التي يقود ائتلافها حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي تهاوى من المركز الأول عام 2016 إلى المركز الثامن ومن 125 مقعدا إلى 13 في انتخابات 2021.. سقوط مذهل!! لكن بحسب المحللين المغاربة يدور التساؤل: لماذا لم يعاقب كل مكونات الائتلاف الحكومي الفاشل؟ إذ على العكس فقد فاز مكون رئيس منها وهو (حزب الأحرار الليبرالي المتصدر للانتخابات فقد كان مكونا ضمن أغلبية العدالة والتنمية).. نعم مفارقة تدفع إلى الكثير من التساؤلات.

نتائج تبدو واضحة مرحليا

  • تسرب كبير في أعضاء الطبقة الفاعلة للأحزاب السياسية الإسلامية مع تمسك قيادات مترددة في أغلب القضايا الجوهرية.
  • غياب الاستراتيجيات السياسية ذات الأهداف التنظيمية البعيدة، التي عرفت بها الحركات والأحزاب الإسلامية.
  • تشتت الأهداف واضطراب البيئة المناسبة التي تدير منها الأحزاب الإسلامية سياساتها.
  •   ظهور خلافات داخل منظومة الأحزاب السياسية الإسلامية كردود أفعال على ظروف أنتجتها أخطاء تلك الأحزاب. أو كانت نتاج تفاعلات سياسية محلية وإقليمية ودولية.
  • بدت الأحزاب السياسية الإسلامية أكثر قدرة على العمل التنظيمي، لكنها لم تنجح سياسيا في عقد تحالفاتها والتمييز بين شركائها. وأن تكون أكثر مرونة حين تتغير فجأة قواعد اللعبة.

ما لا يمكن إنكاره

  • تبقى الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية رقما صعبا في المعادلات السياسية على الساحة العربية وحتى العالمية، لجذورها العميقة وقدرتها على النهوض مع زوال أدوات الضغط عليها في أية لحظة.
  • تجارب الأحزاب الإسلامية خلال فترة الثورات ما بعد 2010 أعطتها أبعادا للتعامل مستقبلا وفق استراتيجيات مختلفة كثيرا.
  • قد تستثمر الأحزاب الإسلامية، الفشل المحتمل للتيارات الأخرى في تحقيق النجاح السياسي في ظل الأنظمة الاستبدادية غير المستقرة.

وحين يجري تقييم أداء الحركات الإسلامية ومستقبلها يبقى السؤال: هل ستكرر الأحزاب السياسية الإسلامية – بعد الدروس البليغة – أنماطها السابقة في عدم القدرة على فهم طبيعة تحالفاتها وشراكاتها السياسية؟ وهل ستتمكن من التعاطي مع ظروف مرحلة ما بعد الثورات العربية؟

نعتقد بالمقابل أنه على الاتجاهات السياسية الأخرى عليها أن تدرك ضرورة فهم قواعد المشاركة السياسية هي أيضا. والتعامل مع الأحزاب الإسلامية على قاعدة التكافؤ في ظل فرص وتحديات سياسية لها قواعدها. بدلاً من وقف دائرة المشاركة السياسية على طرف واحد، الأمر الذي يدفع الآخر إلى العودة للعمل السري. فالنظام السياسي للمنطقة ما وقف يوما على قدم واحدة، إلا وكان السقوط والانهيار حليفه.

المصدر : الجزيرة مباشر