التنين الصيني يواجه حرباً.. أم ديدانه الفساد؟

ممثلون صينيون يرتدون زي الجيش الأحمر في الاحتفال بذكرى الحرب العالمية الثانية

حظيت التجربة الصينية على الصعيد الاقتصادي بعملية ترويج كبيرة، من مجرد مصنع العالم، وغزو كافة الأسواق العالمية، إلى منافسة أكبر اقتصاد في العالم، وقد شهدت الساحة العالمية، ما يمكن أن نسميه حرب تكسير العظام، فيما بين الصين وأمريكا، خلال السنوات الماضية، في أكثر من مجال، كان أبرزها الحرب التجارية، وكذلك صراع شركات التكنولوجيا.

وكان الصراع الصيني الأمريكي، في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترمب شديد الوضوح، وينتقل لمراحل متقدمة في مختلف المجالات، ولكن على ما يبدو، أن الإدارة الجديدة للرئيس بايدن، اتخذت أدوات أخرى، يمكن أن نسميها الحرب الباردة.

وليس بالضرورة، أن تكون كل أدوات هذه الحرب موجهة من قبل أمريكا تجاه الصين، ولكن أمريكا تجيد توظيف ما تحت يدها من ملفات، يمكن من خلالها هز الثقة في التجربة الصينية، سواء على الصعيد المادي، أو الصورة الذهنية.

والجدير بالذكر أن توظيف الإنفاق العام لبعض الدول لممارسة أنشطة تتعلق بمصالحها الخارجية، معمول به، سواء كان هذا التوظيف له وجهة قانونية، أو تمارس تلك الأعمال عبر عمليات الفساد، وبالتالي فهناك أبواب كثيرة، تقدم من خلالها الرشاوى، أو تقديم مزايا عينية أو مادية، لبعض الموظفين أو المسئولين، في منظمات دولية، أو في مؤسسات لدول أجنبية.

·       أزمة الثقة

خلال الأيام الماضية، تم نشر ما يمكن أن نسميه حالة فساد صارخة، فيما يتعلق بأحد التقرير التي يصدرها البنك الدولي، وهو تقرير ممارسة الأعمال لعام 2018، والذي أُتهمت رئيسته التنفيذية أنذاك، كريستالينا جورجيفا، بأنها مارست ضغوط على موظفي البنك بإظهار وضع الصين بأفضل مما هو عليه.

فالبيانات الخاصة بالتقرير المذكور، كانت تضع الصين في المرتبة 85 من بين الدول التي يشملها، بينما الضغوط التي مارستها جورجيفا، حسنت من وضع الصين لتدرج في المرتبة 78، وذلك حسب اتهام وجهته شركة محاماة، استدعها البنك الدولي بهذا الخصوص.

وعلى إثر هذا الاتهام، توجه جورجيفا تحقيقات من قبل لجنة الأخلاق في صندوق النقد الدولي، الذي تشغل فيه حاليًا منصب المدير العام.

الأمر لا يتوقف فقط على جورجيفا، ولكنه يمس سمعة الصين، وأن الأمر إذا ثبُت، فسوف يجعل الجميع يراجع البيانات التي تصدر عن الصين بشكل جذري، سواء كانت تلك البيانات تصدرها مؤسسات محلية في الصين، أو تقوم الصين بتقديمها للمؤسسات الدولية، وهنا تتجدد قضية الفساد الذي تمارسه الدول المتقدمة، سعيًا لتحقيق مصالحها، وإذا ثبت الأمر بشأن ممارسة الصين للتضليل فيما يخص البيانات الخاصة بها.

وإثارة هذه القضية، بهذا الشكل، الغرض منها ضرب حصة الصين من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتشير البيانات إلى أن الصين تقدمت لأول مرة على أمريكا في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2020، حيث حصلت على 163 مليار دولار، بينما حصلت أمريكا على 134 مليار دولار، ولكن يلاحظ أن بيانات 2020 هي بيانات استثنائية، بسبب فيروس كورونا، والذي أدى إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة على مستوى العالم إلى 859 مليار دولار، بينما كان في عام 2019 بحدود 1.7 تريليون دولار.

وقد تكون مسألة توجيه الاتهام بالفساد في تقرير البنك الدولي برفعه مرتبة الصين بدون استحقاق، المقصود بها، إدارة دفة الاستثمارات الأجنبية من الصين إلى دول جنوب شرق آسيا، التي تعد منافسًا تقليدًا للصين، من حيث انخفاض أجور العاملين، أو بيئة العمل، وما تتسم به من الجدية والإتقان.

وهذا الاستنتاج يتفق مع توجه أمريكا الجديد في ظل إدارة بايدن، بالتركيز على ما حول الصين، في المجالات المختلفة، ومن بينها الاقتصاد بشكل عام، لوقف تمدد الصين، ووضع العراقيل أمام سعي الصين لتكون القوة الاقتصادية الأولى على مستوى العالم.

·       فساد الكبار

مسيرة لا ينكرها أحد من حيث التطور الاقتصادي الذي شهدته الصين على مدار العقود الأربعة الماضية، حتى تبوئت المرتبة الثانية على مستوى العالم، من حيث القوة الاقتصادية، فناتجها المحلي الإجمالي في عام 2020 بلغ  14.7 مليار دولار، وبما يعادل نسبة 17.3% من الناتج المحلي العالمي، وكذلك بلغت حصتها من الصادرات السلعية 2.5 تريليون دولار في نفس العام، وبما يعادل نسبة 14.2% من إجمالي الصادرات السلعية على مستوى العالم.

ولكن هذا التقدم الاقتصادي لم يواكبه، تقدم على صعيد الشفافية ومكافحة الفساد، فبيانات منظمة الشفافية الدولية لعام 2020، تضع الصين في المرتبة 78 من بين 180 دولة شملها مؤشر مدركات الفساد، كما أن الدرجات التي حصلت عليها 42 درجة من إجمالي 100 درجة هي مجموعة درجات المؤشر.

وكون الصين لا تحصل على50% من درجات مؤشر مدركات الفساد، فإن هذا يعني أن الفساد في الصين متجذر، ويمارس بمعدلات عالية، سواء في المؤسسات الحكومية، أو القطاع الخاص.

وأداء الصين المتراجع في مكافحة الفساد، يليق بدولة ديكتاتورية، لا تتمتع بنظام ديمقراطي، كما تغيب عن النظام الحاكم في الصين، الشفافية والمحاسبة والرقابة المطلوبة، على الرغم مما يسوق من تقديم الفاسدين للسجون لقضاء فترات عقوبة طويلة، أو وضعهم على أعواد المشانق.

ولعل هذه ليست المرة الأولى التي يشار إلى الصين، بأنها نجحت في توظيف بعض المسؤولين في المنظمات الدولية لصالحها، ففي مطلع الألفية الثالثة، وخلال أزمة انفلونزا الطيور، وبعدها انفلونزا الخنازير، وجهت اتهامات لمسئولين في منظمة الصحة العالمية، بأنهم وظفوا تقاريرهم الخاصة لصالح الصين، على حساب الصحة العامة في العالم، وهو نفس الاتهام الذي وجه مؤخرًا خلال أزمة كورونا، والذي دفع الرئيس الأمريكي السابق إلى سحب التمويل الأمريكي للمنظمة.

وليست الصين وحدها من تمارس الفساد كدولة، أو داخل أروقة مؤسساتها، فأمريكا التي تعد واحدة من أكبر الدول الديمقراطية، شهدت عمليات فساد كبيرة، كانت نتائجها تعود سلبيًا على باقي اقتصاديات العالم، كما حدث في مطلع الألفية الثالثة، في شركة أنرون، تجاه شركات التكنولوجيا، حيث تم التلاعب في حسابات هذه الشركات لتزيد قيمة اسهمها في البورصة، ثم اكتشفت عمليات التلاعب، وهوت البورصة بمعدلات عالية.

ولم تكن أزمة العالم المالية في عام 2008، إلا نتاج الفساد في قطاع البنوك وتقديم القروض الرديئة، وتسويقها وتمرير التأمين عليها، وإعادة رهنها، مما أدى بالعالم إلى أزمة مالية لا يزال يعاني من تداعياتها حتى الآن.

·       هل ستخضع الصين؟

العالم الذي نحيا فيه، ليس نظفيًا للدرجة التي يتصور البعض فيها، أن مثل هذه القضايا من الفساد من قبل بعض الدول تجاه الموظفين في المنظمات الدولية، تعد قضية إنسانية، أو يُبتغى فيها مصالح الجميع.

إنها حلبة الصراع، وحلقات الكر والفر، وتبادل المصالح يقبل تسوية أي خلاف، كما رأينا على الصعيدين العالمي والإقليمي، وقبول الصين بقواعد اللعبة الأمريكية، تحكمه الاستراتيجية التي تدير من خلالها الصين الأمور، وكيف تتصور دورها في ظل التحديات والفرص.

ونحسب أن الصين، لن تقف طويلًا أمام هذه القضية، حتى لو تم الإطاحة بـ “جورجيفا” من رئاسة صندوق النقد الدولي، ولكنها قد ترتب ملفات مناظرة للإدارة الأمريكية، أو تقبل شروط أمريكا، التي تحاول أن تبقى الراعي الأكبر للاقتصاد العالمي، والقوة الاقتصادية المتربعة على عرش العالم.

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر