كأس العالم.. صدمة الأخضر التاريخية وأفراح تونس الخضراء

المنتخب السعودي يحقق المعجزة

 

لم تكن المفاجأة الكبرى للمنتخب السعودي فوزه التاريخي على بطل العالم (الأرجنتين) صاحب التاريخ الطويل والعريق في بطولات كأس العالم والفريق الذي لم يُهزم في مباراة لكرة القدم منذ 3 سنوات، بل كانت في العرض الكروي الرفيع الذي قدّمه نجوم منتخب الأخضر كما يطلقون عليه في البطولات الأسيوية والعربية.

قدّم لاعبو فريق السعودية العربية عرضا كرويا مبهرا أمام فريق يضم نجوم الساحرة المستديرة في العالم، وعلى رأسهم النجم الأول ليونيل ميسي الذي أصابته صدمة عربية على ملعب لوسيل في المدينة القطرية ربما ستظل معه أياما طويلة، ولم يكن تصريح الاتحاد الدولي لكرة القدم على حسابه مفاجئا حين قال “السعودية هزمت الأرجنتين، إنها واحدة من كبرى الصدمات في تاريخ كأس العالم”.

لقد هدم نجوم الفريق السعودي أحلام ميسي ورفاقه خاصة الكبيرين صالح الشهري وسالم الدوسري اللذين أحرزا هدفي الفوز للأخضر بعدما تقدّم ميسي بهدف لفريق الأرجنتين، لتعيش الجماهير العربية يوما استثنائيا منذ صباح الثلاثاء ثالث أيام البطولة المقامة على ملاعب دولة قطر العربية، وتقضي الجماهير العربية يوما من أيامها الرياضية التاريخية.

لقد أثبت لاعبو المنتخب السعودي أن مباريات كرة القدم لا تعترف بالتاريخ بل بالجهد، فالوصول إلى النتيجة المرجوة تحتاج إلى جهد وعرق لا يتوقف، لا يبدأ مع بداية البطولات ولا نهاية المباريات، فهو مجهود على مدار سنوات تديره منظومة علمية بكفاءات تحترف اللعبة، تعب وجهد لا يتوقف على مدار الأيام، أما المباراة ذاتها فلا تنتهي بهدف قد يحرزه فريق كبير لديه نجومه الذين تصوروا أنهم جاؤوا لنزهة في الصحراء العربية، فأفاقتهم الرمال المتحركة في الربع الخالي على هزيمة ستظل في التاريخ الكروي ناصعة للفريق السعودي وفي تاريخهم تعلمهم احترام الفرق المنافسة.

لم يستسلم

كان من الممكن أن يكون هدف ميسي الوحيد لفريق الأرجنتين هو فصل الختام في المباراة، لكن الفريق السعودي لم يستسلم وبقي محافظا على شباكه طوال الشوط الأول، ثم فاجأ الجميع بالعرض الأقوى في تاريخ الكرة العربية في كأس العالم، الذي يذكّرنا بفوز الفريق الجزائري على نظيره الألماني عام 1982 في إسبانيا بالنتيجة نفسها. ورغم امتداد المباراة وقتا إضافيا بديل الضائع مدته 14 دقيقة، فإن الأخضر ظل حتى النهاية يؤدي أداء بطوليا يؤكد أننا أمام فريق له مكانته في كرة القدم وأنه يتمتع بإدارة وإرادة قوية.

توالت الأفراح العربية من المحيط إلى الخليج، واكتظت الساحات والمقاهي العربية تتابع الفرق العربية على مدار اليوم في البطولة التي تتخذ الطابع العربي التاريخي ملمحا لها، وهذا الاحتفاء المميز بالقضية العربية الأم قضية فلسطين التي لم تغب لحظة منذ بداية البطولة، وكم كان رائعا وجود أعلام فلسطين مع كل الجماهير في أرجاء قطر، ودوت الصرخات والأفراح العربية بصفارة الحكم ليعلن فور منتخب الأخضر على الأرجنتين بطل العالم ونجمه الحالم بكأس عالم جديد يختتم به مشواره الكروي.

نجوم تونس يواصلون التألق

في الصباح واجهت السعودية الأرجنتين، وفي عصر اليوم ذاته كانت جماهير الكرة العربية على موعد مع نسور تونس، وبدا اليوم أنه يوم الأخضر وتونس الخضراء، وكانت الدنمارك هي محطة اللقاء الثاني للفرق العربية على استاد المدينة التعليمية، الثالث عربيا بعد لقاء الافتتاح بين قطر الدولة المضيفة والإكوادور التي فازت، وظني أن أجواء المباراة الافتتاحية وما صاحبها من حضور رئاسي وترقب العالم لها كان له تأثيره على المنتخب القطري.

حمل المنتخب التونسي الراية العربية في ثالثة مبارياتنا في البطولة العالمية، وكان عند حسن الظن به كعادته منذ مشاركته الأولى في بطولة كأس العالم في الأرجنتين عام 1978 ثم مشاركاته في أربع دورات بعدها للبطولة. قدّم الفريق التونسي عرضا كرويا ممتعا أمام فريق الدنمارك الذي يُعَد من أقوى فرق البطولة وصاحب خمس مشاركات في المونديال، وقدّم الفريق أداء قويا رغم أن وصوله إلى الدور قبل النهائي عام 1998 هو أفضل إنجازاته في بطولات كأس العالم.

تونس تستفيد من درس السنغال

استطاع فريق نسور قرطاج أداء مباراة قوية على مدار 100 دقيقة، كان أصعبها الدقائق العشر الأخيرة بعدما أضاف الحكم أكثر من 8 دقائق وقتا بدلا للوقت الضائع، فقد استمر العرض التونسي القوي حتى الدقيقة الأخيرة، واستطاع الحفاظ على شباكه نظيفة مستفيدا -لاعبين ومدربا- من درس السنغال أمام الطاحونة الهولندية حينما انهار الفريق في الدقائق الأخيرة لتفوز هولندا بهدفين نظيفين رغم أداء السنغال الجيد خلال المباراة.

درس السنغال هو الثاني في مباريات كرة القدم، فالنتيجة والمباريات تُحسَم في دقيقها الأخيرة، ولا بد للفريق أن يحافظ على لياقته البدنية وقوته حتى نهاية اللقاء، وعلى المدير الفني أن يحسن إدارة المباراة حتى النهاية كما البداية، وهو ما أجاده المدير الفني التونسي، فكانت الفرحة العربية الثانية في اليوم العربي التاريخي الذي أسعد كل الشعوب العربية، وجعل يومها مليئا بالسعادة التي قلما تشعر بها، فالفرحة في كل الدول العربية تؤكد الرابط القوي بين الشعوب ووحدتها، فكما نتشارك التاريخ والثقافة والدين والعادات والتقاليد، فإننا نتوحد في أوقات الأزمات وفي الأفراح الكروية على أرض قطر.

المصدر : الجزيرة مباشر