ماذا يعني إدراج مصر في مؤشر جي بي مورجان الأمريكي؟ هل هو شهادة ثقة؟!

بنك جي بي مورجان

كالعادة هلّلت وسائل الإعلام المصرية لعودة إدراج مصر في مؤشر بنك جى بى مورجان الأمريكي للسندات بالأسواق الناشئة، بعد خروجها منه فى يونيو 2011 لعدم الوفاء بمتطلباته حينذاك، واعتبرته وزارة المالية كالمعتاد شهادة ثقة جديدة في الاقتصاد المصري.

والمعروف أن مصر قد أصدرت عدة إصدارات للسندات بالخارج بالدولار واليورو خلال السنوات الأخيرة، حتى وصل مجمل تلك السندات 34.8 مليار دولار حتى سبتمبر الماضي، حيث بلغت تلك السندات نسبة 28% من إجمالي الدين الخارجي في نفس التوقيت البالغ 137.4 مليار دولار.

وتمتد آجال تلك السندات حتى أربعين عاما قادمة، مع التجهيز حاليا لإصدار صكوك سيادية بالخارج وهي أداة مالية شبيهة بالسندات، كما تم الإعلان عن الاستعداد لإصدار سندات بالين الياباني بقيمة نصف مليار دولار، إلى جانب طرق الاقتراض الخارجي الأخرى، سواء من المنظمات الدولية والإقليمية أو من الدول وصناديق التمويل والبنوك الإقليمية والوطنية، خاصة مع ظهور نقص بالعملات الأجنبية أدى إلى تآكل صافي العملات الأجنبية بالبنوك المصرية في شهر يوليو الماضي، ثم تحوله إلى عجز أخذ في التزايد حتى تخطى عشرة مليارات من الدولارات في شهر ديسمبر الماضي.

كما تقوم السلطات المصرية من ناحية أخرى بإصدار سندات وأذون خزانة أخرى بالداخل معظمها بالجنيه المصري وجانب منها بالدولار واليورو، ويقوم المستثمرون الأجانب بشراء الأذون والسندات للاستفادة من فوائدها المرتفعة المضمونة من قبل وزارة المالية المصرية.

تراجع مشتريات الأجانب لأدوات الدين

وتوفر مشتريات الأجانب لأدوات الدين الحكومي المصري من أذون وسندات خزانة قدرا جيدا من الدولارات، حيث يقومون بإدخال العملات الأجنبية لشراء تلك الأذون والسندات بالجنيه المصري، وعند انتهاء مدة الأذون أو السندات يقومون بتحويل قيمتها مع أرباحها إلى الدولار مرة أخرى، والخروج بقيمة الأصل والعائد خارج البلاد.

ووفرت تلك المشتريات حوالي 33 مليار دولار حتى شهر أغسطس الماضي، لسبب أساسي وهو ارتفاع الفائدة عليها إلى أكثر من 14%، بينما تقل عوائد الودائع والسندات في بلادهم عن ذلك كثيرا، في ضوء عوائد صفرية بدول اليورو وغيرها من الدول الأوربية.

لكن تلك المشتريات تراجعت بسبب إعلان بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي عزمه على رفع الفائدة، حتى بلغت 25 مليار دولار بنهاية العام الماضي، ويتوقع تراجعها عن ذلك مع بدء رفع الفائدة الأمريكية المتوقع في شهر مارس القادم.

ومن هنا فقد سعت مصر لإدراج سنداتها في مؤشرات دولية للسندات كوسيلة للترويج، حيث يكثر اطّلاع المستثمرين على تلك المؤشرات والاستعانة بها في اتخاذ قرار الشراء، ومن هنا فقد انضمت مصر لمؤشر الفايننشال تايمز لسندات الأسواق الناشئة بالعملة المحلية في شهر يونيو الماضي، كما انضمت إلى مؤشر جي بي مورجان للسندات بالأسواق الناشئة بنهاية يناير الماضي.

تصنيف مصر غير استثماري

ويظل السؤال هو: هل تتحقق آمال السلطات المصرية في زيادة مبيعات أذون وسندات الخزانة بعد الإدراج في مؤشر جي بي مورجان في وقت يخرج فيه الأجانب من عدد من الأسواق الناشئة؟ حيث اتجهت العديد من بلدان العالم لرفع الفائدة خلال الشهور الأخيرة.

ففي نوفمبر الماضي زادت 18 دولة الفائدة، منها ثلاث دول أوربية هي رومانيا والتشيك وبولندا، وفي ديسمبر زادت 20 دولة الفائدة منها روسيا والمكسيك وشيلي وثلاث دول أوربية، وفى يناير زادت 18 دولة الفائدة منها كوريا الجنوبية وأوكرانيا والأرجنتين، وفي فبراير الحالي وحتى الثامن منه زادت ست دول الفائدة منها إنجلترا وبولندا والتشيك والبرازيل، وهو ما يعني وجود منافسة مع أدوات الدين المصري خاصة بالدول الأوربية، في حين لم يحرك البنك المركزي المصري الفائدة منذ نوفمبر 2020.

عامل آخر لا يشجع الأجانب على شراء السندات المصرية وهو أن تصنيف مصر حسب وكالة استاندر أند بورز هو -بى- وهذه الدرجة غير استثمارية وإنما هي درجة مضاربة، وهو ما لا يذكره المسؤولون المصريون الذين يشيدون بتصنيف مصر كلما جددته وكالات التصنيف دوريًّا، اعتمادًا على عدم إدراك المصريين دلالة الدرجة التي تم الحصول عليها.

وبالاطلاع على تصنيف وكالة استاندر أند بور لإصدارات سندات الخزانة المصرية كان معظمها بدرجة بي أو بي سالب، بل إن بعض الإصدارات كان تصنيفها سي سي سي وهي درجة أدنى من بي، ولهذا تعوض مصر تلك المخاطرة برفع سعر الفائدة، حتى إن محللي وكالة بلومبرج قالوا إنهم من خلال تحليلهم لخمسين دولة، لم يجدوا أعلى من عائد سندات الخزانة المصرية.

     فوائد الديون 37% من مصروفات الموازنة

ومن هنا يكون شراء الأجانب للسندات المصرية بسبب ارتفاع فائدتها، وليس كما يردد المسؤولون بسبب الثقة في الاقتصاد، لأن درجة التصنيف سواء لمصر أو للسندات لا تتحقق معها الثقة.

وأثرت الفائدة المرتفعة على أدوات الدين المصري من أذون وسندات خزانة، سلبيًّا على الموازنة المصرية حيث استحوذت فوائد الدين الحكومي على نسبة 36.7%، من جملة المصروفات بموازنة النصف الأول من العام المالي الحالي التي امتدت من يوليو إلى ديسمبر الماضي، مع زيادة العجز في الموازنة بنسبة 20% عن تقديرات الموازنة للعجز.

وخطورة بيع السندات المصرية المصدرة بالجنيه المصري للأجانب تتمثل في ارتفاع فائدتها، حيث صدرت سندات خزانة لمدة 15 عاما في 17 يناير الماضي بفائدة 15.37%، وهو ما يعني أن قيمة تلك الفائدة خلال مدة السند ستصل إلى 231%، أي أن من اشترى من الأجانب سندات خزانة مصرية بقيمة مليون دولار، سيحصل على عائد 2.3 مليون دولار بالإضافة إلى استرداد أصل قيمة الشراء.

وهي نسبة فائدة عالية حتى بالمقارنة مع فائدة السندات التي طرحتها مصر بالأسواق الدولية خلال السنوات الأخيرة، والتي وصلت الفائدة بها 7.6% للسندات البالغ أجلها 12 عاما، و8.75% للسندات البالغ أجلها 30 عاما.

وخلال استعراض إصدارات سندات الخزانة التي لم يتم استحقاقها بعد، والتي اشترى الأجانب بعضها، كانت هناك إصدارات فائدتها 17% بل 18.75% وهي فوائد ثابتة طوال مدة السند.

وتبدو المفارقة هنا في أن عائد الودائع الدولارية بالبنوك المصرية لمدة ثلاثة أشهر حاليًّا هي 0.1% أي بنسبة واحد بالألف فقط، كما تصل فائدة شهادات الادخار بالبنك الأهلي المصري أكبر البنوك المصرية 2.25% سواء كانت مدتها ثلاث أو خمس أو سبع سنوات.

ويبرر مسؤولون ارتفاع الفائدة التي يحصل عليها الأجانب بشرائهم لسندات الخزانة المصرية، بأنهم يُدخلون دولارات جديدة من خارج البلاد، في حين تكون الودائع الدولارية للمصريين عادة موجودة أصلا داخل البلاد، حتى ولو كانت آتية من المصريين العاملين بالخارج.

لكن هذا مردود عليه بأن الفوائد التي يحصل عليها المصريون، سينفقونها بالداخل فيحركون الأسواق أو يدخرون جانبا منها، وبالتالي تظل تلك الحصيلة داخل البلاد، بينما يقوم الأجانب بإخراج الفوائد والأصل خارج البلاد، ولهذا تسمى أموالهم الأموال الساخنة أي التي لا تنتظر بالداخل كثيرا، أو بالعصفور الطائر أي الذي لا يمكث على غصن سوى فترة قصيرة، لينتقل بعدها إلى غضن آخر، فهذه الأموال لا تستقر بسوق أو بلد، بل تظل تنتقل من سوق إلى آخر ببلد آخر.

المصدر : الجزيرة مباشر