الصراع على رئاسة مصر «عمرو موسى وخيبة الأمل» (3-6)

عمرو موسى

ربما تكون كلمات مدرس الابتدائي، إسلام خليل، التي تغنى بها المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم عام 2000، “بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل” هذة القشة التي قسمت ظهر البعير، أو آخر نقطة في كوب العلاقة المتوترة، بين مبارك وموسى، التي فاضت بخروج عمرو موسى من موقعه الأثير، وزير خارجية مصر عام 2001، وانتقاله “بشلوت لأعلى” لمقعد أمين عام جامعة الدول العربية المتوفاة “إكلينيكيًا”.

لكن، ليس صحيحًا أن حلم عمرو موسى بالرئاسة، والأمل الشعبي حول شخصه، وانزعاج مبارك وأجهزته من هذا الحلم، تفجّر مع أغنية شعبان، التي كانت ترجمة لحالة شعبية بين قطاعات مختلفة في المجتمع المصري -وربما العربي- منذ منتصف التسعينيات، ترى أن عمرو موسى هو البديل المقبول شعبيًا لمبارك، والأقرب لكرسي الرئاسة حال غيابه، أو اختياره لنائب مدني مؤهل لخلافته.

الأداء المنفرد والمتميز لوزير الخارجية عمرو موسى، كان يلامس نبض ومشاعر الشارع المصري والعربي، بشكل لا يتناسب مع إيقاع مبارك وخياراته الخارجية، وكان هذا الأداء يزعج بشدة أسرة مبارك الطامحة في التوريث بالدم، وكذلك أجهزته الطامحة في التوريث بالتوظيف، خاصة عمر سليمان، الذي توسع دوره في ملف العلاقات الخارجية، أمريكيًا وإسرائيليًا وفلسطينيًا، بدعوى إحداث التوازن مع مواقف عمرو موسى التي كان خصومه يصفونها أنها عنترية، وأن الرجل مجرد ظاهرة صوتية، تضر بالمصالح المصرية، أكثر مما تنفعها.

الأبعاد

ليس سرًا أن السنوات الأخيرة لعمرو موسى على مقعد وزير الخارجية شهدت إزاحة تدريجية له من ملفات مهمة عدة، بل إن موسى أشار في مذكراته “كتابي” بشكل واضح أن مبارك كان يتعمد إبعاده عن حضور الاجتماعات التي من الطبيعي أن يحضرها وزير الخارجية -خاصة- مع المسؤولين من الولايات المتحدة الأمريكية.

وكان خلو مقعد الأمين العام لجامعة الدول العربية، فرصة مناسبة ليدفن مبارك عمرو موسى في مقبرة فرعونية تحنط فيها قدراته ومواهبه وطاقاته، وليتحول إلى موظف لدى أنظمة “متحنطة”، في إطار جامعة ميتة، خاصة بعد سنوات إدارة عصمت عبد المجيد، التي قتلت ما تبقى من مظاهر الحياة في تلك الجامعة.

لكن خروج موسى من المنظومة الرسمية، ربما أتاح له فرصة التفكير بحرية أكثر في شأن مستقبله السياسي، بعد مغادرة الجامعة العربية، وهو ما ألمح به في الفترة الأخيرة من حكم مبارك، أنه يستبعد فكرة الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة عام 2011، والتي سبقتها ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

عرفت عمرو موسى عن قرب -لأول مرة- عندما سافرت برفقته عام 1995، لحضور افتتاح البرلمان الفلسطيني بغزة، وعند عبورنا لمعبر رفح البري، عطلت السلطات الإسرائيلية دخول الوفد المكون من أربعة أشخاص فقط، لمدة 20 دقيقة، فأخطرهم موسى شفهيًا أن أي مسؤول إسرائيلي سيصل لمصر، لن يغادر المطار قبل 20 دقيقة انتظار معاملةً بالمثل!

تصورت في البداية أن الوزير الهمام منفعل في لحظة غضب، حتى قرأت في الصحف الإسرائيلية لاحقًا، شكوى وأسف نتنياهو من تأخير خروجه من مطار القاهرة لمدة 20 دقيقة، فعرفت يومها أن الرجل يفعل ما يقول.

بعد ثورة يناير، ومغادرة موسى لموقعه الرسمي بالجامعة العربية، توطدت بشدة علاقتي الشخصية بعمرو موسى، الذي اقتربنا -شخصيًا وعائليًا وسياسيًا- لدرجة كبيرة خلال هذه المدة، وبعد استبعادي من انتخابات الرئاسة عام 2012، كان موسى هو المرشح الذي حظى بـ50% من أصوات الهيئة العليا لحزب غد الثورة، عند التصويت على اختيار مرشح للحزب.

لكن الحقيقة أن عمرو موسى خاض معركة انتخابات الرئاسة 2012 في ظروف وحالة شعبية مختلفة، عن الفترة ما بين 1995- 2004 التي كان فيها موسى حلمًا وحيدًا لقطاع شعبي واسع من المصريين.

كذلك فإن كثيرًا من الظروف الموضوعية جرت في غير صالح عمرو موسى، وأهمها ما تبناه بعضهم من أن موسى من “فلول” نظام مبارك، وكذلك موقف الجيش غير الإيجابي من عمرو موسى، وكذلك أجهزة المخابرات التي ورثت عن عمر سليمان موقفًا سلبيًا من الرجل.

على دعوة غداء

وأذكر أني كنت يومًا قبل انتخابات الرئاسة 2012 في دعوة غداء بالمجلس العسكري مع عدد من رؤساء الأحزاب، وكنت على الطاولة الرئيسية مع المشير طنطاوي والفريق سامي عنان، وسيد البدوي رئيس الوفد حينها، الذي بادر عنان بسؤال عن توقعاته للانتخابات الرئاسية، فقال عنان دون تردد، ستكون هناك إعادة بين كل من محمد مرسي وعبد المنعم أبو الفتوح! فسأل البدوي عنان عن موقف كل من عمرو موسى وأحمد شفيق، فقال عنان مستحيل أن يصعد هذا أو ذاك!

بالإضافة لموقف الجيش والمخابرات العامة، وبقايا نظام مبارك السلبي من عمرو موسى، كان الموقف العربي منقسم على شخصه، بسبب بعض مواقفه في جامعة الدول العربية، وأبرزها موقف الإمارات التي كانت تعد موسى خصمًا شخصيًا لقادتها، بسبب سخريته العلنية من المبادرة التي طرحها الراحل الشيخ زايد في شأن أزمة العراق ومصير صدام حسين.

أشهد أن عمرو موسى لم يكن الأفضل لهذه المرحلة، لكنه لم يكن الأسوأ -أيضًا- بل كان من الخيارات المدنية التي يمكن التوافق حولها، وأشهد أيضًا أن الرجل كان متوازنًا في علاقته بالقوى السياسية -خاصة- الليبرالية والإسلامية -بعد الثورة- وكان منفتحًا على تعاون -بدرجة ما- مع فترة حكم الدكتور مرسي، وتجلى هذا في موقفه من المشاركة في الجمعية التأسيسية لدستور 2012، وكذلك عدم ممانعته من تولي ملف العلاقات الخارجية، بصفة نائب أول لرئيس الوزراء، وعندما عرضت عليه الأمر، عقب لقائي بالدكتور مرسي، والذي طلب مني فيه دكتور مرسي بحث إمكانية تشكيل حكومة ائتلافية واسعة، وهو ما تعثر بفعل رفض أطراف مختلفة لم يكن من بينهم عمرو موسى.

أشهد أيضًا أن عمرو موسى الذي عرفته أملًا لجيلي من الشباب ما بين 1995 إلى 2004، وما عرفته شخصيًا ما بين 2011- 2013، ليس هو عمرو موسى ما بعد 2013، والذي وقع في أخطاء تاريخية لا تتفق مع ذكاء الرجل وحكمته وخبرته الواسعة.

أسفت كثيرًا أن الرجل الذي صارع مبارك في أوج قوته على كرسي الرئاسة، لم يقوَ على مواجهة نظام يعلم هو أكثر من غيره أنه أسوأ بكثير من نظام مبارك.

(الأحد الحلقة الرابعة من حكايات الصراع على رئاسة مصر)

المصدر : الجزيرة مباشر