الإسلاموفوبيا والواقع الأوربي

رجل يحمل لافتة "متحدون ضد الإسلاموفوبيا" خلال وقفة احتجاجية لضحايا إطلاق النار على مسجد في نيوزيلندا ، خارج مبنى البلدية في تورنتو.
يحمل لافتة "متحدون ضد الإسلاموفوبيا" خلال وقفة احتجاجية لضحايا إطلاق النار على مسجد في نيوزيلندا.

صدر عن الأمم المتحدة منذ أيام قرار مهم يتعلق بظاهرة الإسلاموفوبيا في العالم، التي تتصاعد مع مرور الوقت بشكل ملحوظ ومخيف، وكان نص الخبر: “اعتمدت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة بالإجماع قرارا اقترحته باكستان يقضي بتحديد يوم 15 من مارس من كل عام يوما لمكافحة الإسلاموفوبيا”.

ومن أهم الكتب الحديثة التي تناولت موضوع الإسلاموفوبيا، من حيث مناقشة الظاهرة، وأسبابها العلمية، وتطوراتها، ورصدها في الخطاب الغربي بشكل دقيق ومنصف وعلمي، كتاب “الإسلاموفوبيا والواقع الأوربي”، الذي نشره المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث منذ ثلاث سنوات، وهو من تأليف الأستاذ حسام شاكر، وهو من أبرز المختصين في هذا الموضوع، وفي الخطاب الإسلامي في الغرب، ولديه إحاطة كبيرة جدا بطبيعة الخطاب الغربي وما يناسبه، بحكم إقامته الطويلة في الغرب، ودراسته للموضوع بشكل مستفيض، وسوف نقتبس أهم أفكار الكتاب المتعلقة بالموضوع، وعلاقته بقرار الأمم المتحدة الأخير المشار إليه.

سبب الإسلاموفوبيا:

فالإسلاموفوبيا تمثل حالة من حالات الخوف المرضي غير المبرر، كما أن كراهية الإسلام والمسلمين ترقى لأن تكون نمطا من أنماط العنصرية، فهي تتأسس على تصورات غير سوية، أو على جهل وهواجس ساذجة، وتتغذى من القوالب النمطية والأحكام المسبقة غير الموضوعية.

وظاهرة الإسلاموفوبيات تتأسس على سببين أساسيين، أولهما: ما يقوم به بعض الحمقى من المنتسبين للإسلام، من أعمال عنف وإرهاب، بين الحين والآخر في بلدان أوروبا. والثاني: تنامي الوجود الإسلامي في أوروبا، حيث يتكاثر عدد المسلمين كمًّا ويتطورون كيفًا ليكونوا أحد مكونات المجتمع الأوروبي.

وسائل وخطابات الإسلاموفوبيا:

من وسائل الإسلاموفوبيا المستخدمة في الغرب ضد المسلمين: العنصرية الانتقائية، فالعنصرية نوعان: انتقائية، وتقليدية، أما التقليدية فهي تستعمل ضد كل المخالف للمكون الأوربي، لكن الانتقائية هي ضد عنصر معين، وهو المسلم في أوروبا، وقد اتضحت أكثر في نموذج اللاجئين الأوكرانيين، واختلاف معاملتهم عن معاملة اللاجئين المسلمين القادمين من سوريا وأفغانستان وغيرهما، كما برز ذلك في تصريحات لصحفيين غربيين كبار، بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

وهناك مواسم تشتعل فيها الإسلاموفوبيا، وعلى رأس هذه المواسم الانتخابات في كثير من دول أوربا، فهي فرصة وبخاصة لليمين المتطرف في هذه البلدان، حيث يستخدم فزاعة التخويف من وجود الإسلام والمسلمين في أوربا، لحصد أصوات الناخبين.

وتنقسم خطابات الإسلاموفوبيا إلى عدة أنواع، فهناك الخطاب الثقافي الذي يركز على أن ثقافة الأوربيين لا تلتقي مع ثقافة المسلمين، وأن المسلمين خطر على الثقافة الأوربية، ويزعم أن أوربا تقوم بالانتحار ثقافيا باستيعاب المسلمين في أحشائها، وقبول وجودهم على أراضيها، سواء كانوا مقيمين أو مواطنين فيها.

ويستخدم الإسلاموفوبيا كذلك خطاب الهوية الأوربية، فيقول إن المسلمين يشكلون خطرا على هوية الغرب المبنية على المسيحية، وإنهم يأتون إلى البلاد الغربية بدين مختلف من حيث الهوية، ولا يمكن أن يندمجوا في المجتمع الغربي لأنهم يتمسّكون بأمور من ثقافتهم مثل الحلال والحرام وحجاب المرأة، وهو ما يصادم الهوية الأوربية، بحسب زعمهم.

ويستخدم الإسلاموفوبيا أخطر الخطابات، وهو الخطاب التاريخي والأمني؛ إذ يستغل أحداث التاريخ القديمة، فيستدعي الصراع التاريخي بين الغرب والإسلام، والحروب الصليبية مع المسلمين، كما يستغل الخطاب الأمني باستدعاء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبعض ممارسات جماعات العنف في الغرب، واستخدام ذلك وسيلة لشيطنة كل المسلمين، ولكنه لا يفعل ذلك مع أحداث مماثلة تصدر من غير المسلمين، فلا ينسب إرهابهم إلى أديانهم، بل ينسبه إلى أشخاصهم، وغالبا ما يصنّف مرتكبي ذلك بأنهم مرضى نفسيًّا.

أدوار والتزامات في ضوء قرار الأمم المتحدة:

لا شك أن ظاهرة الإسلاموفوبيات لن تنتهي بين يوم وليلة، ولا بقرار من الأمم المتحدة بجعل يوم لمناهضة هذه الظاهرة، لكن هذا القرار مهم في إطار تحرك المسلمين طوال السنوات الماضية لإنهاء المظالم والعنصرية التي تلاحقهم جراء هذه الظاهرة.

وهو ما يفرض عليهم في الواقع الأوربي أدوارا وجهودا والتزامات ينبغي القيام بها، وحسنًا صنع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بعرضه أن يقوم بأي دور يطلب منه في هذا الإطار، وأعتقد أن كيانا علمائيا آخر مهم وهو المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث عليه أن يقوم هو الآخر بدوره في ذلك، وينبغي أن تنضم إليهما كل الكيانات الإسلامية في أوربا، بما لها من سمعة حسنة، وتعاون طويل مع المجتمع الأوربي.

ومن الجدير بالذكر أن هناك دولا عربية تصطف -للأسف- مع الجهات التي تغذي الإسلاموفوبيا وتنميها، فقد حملت هذه الدول على عاتقها محاربة تيارات إسلامية وسطية، وحرضت عليها دولا أوربية، وقامت بتصنيف مراكز إسلامية على أنها منظمات إرهابية. وقد دافعت بعض الدول الأوربية عن هذه المراكز، وهو ما ننوه به وننبه إليه، وكان لحسن سمعة تلك المراكز دور مهم في ذلك؛ فدفاع دولة كالسويد عن مراكزها الإسلامية، كان سببه ما قدمته هذه المراكز منذ سنوات للواقع والمجتمع الأوربي في السويد، من حيث المواطنة الصحيحة، التي جمعت بين الالتزام بالقوانين، والتمسك بالإسلام.

وهو الشعار الذي رفعه التيار الوسطي للمسلمين في أوربا: تمسك بلا انغلاق، واندماج بلا ذوبان، وهي معادلة استطاع كثير من المسلمين في الغرب تحقيقها، وهو ما جعل جهات حكومية تتولى أمر الدفاع عن المراكز الإسلامية في بلادها، لمعرفتها الكاملة بما تقوم به، ولمراقبتها هذه المراكز.

قرار الأمم المتحدة، وما تم مؤخرا في ألمانيا، من تسمية حديقة محكمة ألمانية كبيرة، باسم طبيبة مصرية مسلمة هي مروة الشربيني التي قتلها ألماني من أصل روسي في قاعة المحكمة، صنع مساحة من التعاطف والتأييد، والشعور بخطورة تنامي خطاب الإسلاموفوبيا، وهي مساحات مهمة ينبغي للمسلمين الحفاظ عليها، والعمل على زيادتها وتنميتها.

المصدر : الجزيرة مباشر