هل تتدخل الصين لإنقاذ مصر من أزمة القمح؟!

ديفيد فيكلينج: ” الحرب على أوكرانيا سببت أزمة لمصر لا تستطيع حلها سوى الصين”

فلاديمير بوتين

تسببت الحرب الروسية على أوكرانيا في كارثة حقيقية للمصريين. لم تؤدِّ الحرب إلى تدهور الحركة السياحية إلى مصر فقط، بل تسببت في غلاء فاحش لجميع الأغذية والسلع. جاء إيقاف استيراد القمح من روسيا وأوكرانيا ضربة مباشرة، في ظل صعوبة توفير العملات الصعبة التي تمكّن من زيادة احتياطي البلاد من محصول البلدين، رغم أنهما الأرخص والأكثر تقديما لتسهيلات الدفع.

يستهلك المواطن المصري 145 كيلوغراما من القمح، ضعف المتوسط العالمي سنويا، ويقدَّر الاستهلاك العام بنحو 20 مليون طن. تستورد مصر ما يتراوح بين 10 ملايين و13 مليون طنا من القمح، يأتي 45% منها من روسيا و27% من أوكرانيا، وبذلك فقدت 72% من واردات القمح مع الضربات الأولى في الحرب.

القمح بالنسبة للمصري لقمة عيش وحياة، فهو ليس مجرد رغيف خبز يملأ معدته الخاوية، وبالنسبة للنظام فإن اختفاءه يعني كارثة. فقد تحوّل الخبز، منذ قيام حركة 23 يوليو/تموز 1952، إلى أداة للسيطرة على الجماهير، بالتحكم في سعره، وعندما حاولت السلطة تحريك السعر، انتفض الشعب للمرة الأولى ضد نظام يوليو في يناير/كانون الثاني 1977، وبسبب صعوبة الحصول عليه قامت ثورة 25 يناير 2011. وتتعامل معه كل الحكومات بميزان حساس، خوفا من غضبة مفاجأة، لا تُبقى ولا تذر.

الخوف على مصر

عدم قدرة مصر على توفير احتياجاتها من القمح، دفعت قيادات -مثل مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجينا- إلى التعبير عن “مخاوفها من مرورها بحالة من عدم الاستقرار”. وصدرت تقارير من منظمات دولية، تحذّر من وقوع حالة من الفوضى في مصر والدول المحيطة بها.

جاء تقرير الخبير ديفيد فيكلينج -الذي نشرته منذ أيام وكالة بلومبرغ المتخصصة في الشؤون الاقتصادية- لافتا للدهشة. يشير الكاتب المخضرم إلى أن “الخبز الرخيص في مصر أمر محوري لشرعية النظام، كما كان يمثل ذلك للإمبراطورية الرومانية في الأيام التي كانت تتغذى فيها روما على صادرات الحبوب التي تُزرع في دلتا النيل”. قال الكاتب “الحرب على أوكرانيا سبّبت أزمة لا تستطيع حلها سوى الصين”.

مخزون القمح الهائل

استند التقرير إلى معلومات أصدرتها هيئة الزراعة الأمريكية منذ أيام، حول امتلاك الصين احتياطيا من القمح يبلغ 142 مليون طن، بما يعادل 50% من الاحتياطي العالمي، يمكنه توفير القمح لسكانها البالغ تعدادهم 1.4 مليار نسمة، لمدة 18 شهرا. اطّلعت على التقرير، فوجدت أن الصين تمكنت بما لديها من سيولة مالية هائلة، من شراء المخزون من روسيا وأوكرانيا وغيرهما، وتخزين السلع الحيوية من بترول وفحم وغاز ومعادن، بما يفوق حاجاتها لمُدد طويلة.

يكفي أن الاتحاد الأوربي بأكمله، يبلغ احتياطيه من القمح 10 ملايين طن، وتملك روسيا 13 مليون طن، والولايات المتحدة 18 مليون طن، والهند 25 مليون طن.

لا تملك مصر سوى 3 ملايين طن في الصوامع، وتأمل أن تجمع بعد شهر من المزارعين نحو 6 ملايين أخرى، ويؤكد نقيب الفلاحين حسين أبو صدام أنه أمر مستحيل تحقيقه. فالتوريد السنوي بلغ بالكاد 3.4 ملايين طن، وهذا العام سيقل، لأن المزارعين سيفضلون عدم بيعه لحكومة تعرض ثمنا بخسا أقصاه 875 جنيها للأردب (150 كيلوغراما)، بينما الحد الأدنى الذي يُرضي المزارع لا يجب أن يقل عن 1000 جنيه للأردب.

ينصح الكاتب الصين بأنها “إذا أرادت أن تثبت جدارتها لحليف كبير لها في المنطقة، ونظام له سلطة استبدادية متنامية على النسق الصيني، يسيطر على ممر تجاري حيوي وموقع استراتيجي في الشرق الأوسط المضطرب، ويمكنه أن يشارك في دعم مشروع (الحزام والطريق) ذلك الحلم الذي يسوّق له الرئيس شي جين بينغ، فعليها أن تساعد مصر فورا في الخروج من أزمتها”.

ويضيف أن “مصر بذلت جهودا مضنية -مع وجود علاقات فاترة من واشنطن- لتحسين علاقاتها مع بيجين في السنوات الأخيرة، وكتبت إلى الأمم المتحدة لدعم سياسية الصين في شينجيانغ (تركستان الشرقية) عام 2019، وهي إجراءات بغيضة من الناحية الأخلاقية، لم تكن سهلة على الصعيد السياسي، حتى إن السيسي حضر افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيجين، الشهر الماضي، على الرغم من عدم مشاركة أي رياضي مصري في هذا الحدث”.

دبلوماسية المعونات

الكاتب يتحدث بجدية، ولا يسخر من دولة مراوغة، مبيّنا أن الولايات المتحدة استخدمت هذا الأسلوب مرارا، بدعم الحلفاء من فوائضها الغذائية، وهو أمر رأيناه بأنفسنا عندما دخلت مصر في معاهدة كامب ديفيد، وجاء القمح والزيت مع المعونة الأمريكية التي توقفت مع بناء السد العالي في بداية الستينيات من القرن الماضي.

لا يدري الكاتب الخصائص النفسية للقادة الصينين الذين رفضوا -بدعوى التقشف- استيراد القطن المصري بعد تأميم قناة السويس، حتى يبتعدوا عن مشاكل “عبد الناصر” في المنطقة. الآن (شي جين بينغ) يأمر شعبه بأكل الأرز، ولا يريد اظهار المزيد من الكرم مع نظام ما زال يعدّه حليفا للغرب، صوّت بضغوط غربية بإدانة حليفه الروسي، وإن ساعده من قبل بقروض لبناء البرج الأيقوني، ومشروعات تفيد بيروقراطية الفساد في الحزب الشيوعي، تشغّل الشركات والشباب الصيني، على حساب الدولة المقترضة بفوائد باهظة.

لا يعلم الكاتب أن الصين تغيّر حلفاءها، فها هو (شي) بعد أن أعلن عن تحالف لا حدود له مع بوتين في 4 فبراير/شباط الماضي -بما شجعه على غزو أوكرانيا- يغيّر دفته بعد أن اكتوى بنيران الحرب، ويحاول ممارسة دور الوسيط بين المتحاربين في معركة لا يصفها إلا بأنها “أزمة”.

وطلب الحزب الشيوعي خلال الاجتماع السنوي لنواب الشعب والمجلس الاستشاري، الأسبوع الماضي، إيقاف مناقشة أي أمور لا تتعلق بالإعداد لمؤتمر الحزب في الخريف المقبل. يرفع الجميع شعار “الاستقرار” ويروّج لـ”الرخاء والرفاهية”، حيث المفهوم لديهم قاصر على الاستقرار للصين، والرفاهية لمن يدعم بقاء مرشدهم الأعلى في السلطة خمس سنوات جديدة، وربما إلى الأبد!

المصدر : الجزيرة مباشر