ماذا يعني تدمير البارجة الروسية (موسكوفا) وما الآثار الناتجة عنه؟

فَقْدَ سفينة حربية يُعد خسارة لا تضاهيها أي خسارة أخرى..هذه هي المرة الأولى في تاريخ العالم، التي تغرق فيها سفينة بهذا الحجم.

موسكوفا

في 13 أبريل 2022 بدأ صدور بيانات متعددة من جانب مصادر روسية وأوكرانية، تفيد بإصابة وتدمير سفينة قيادة الأسطول الروسي موسكوفا، المضادة لحاملات الطائرات من طراز سلفا. وبعد ثبوت الخبر من خلال الصور المختلفة وتحديد موقع الحادث ووقته، أعلنت روسيا أن طاقم السفينة موسكوفا قد غادر السفينة نتيجة انفجار الذخيرة، وأن البارجة موسكوفا قد غرقت أثناء محاولة سحبها إلى الميناء. ومع هذه التطورات أدلى كل من الجانبين الروسي والأوكراني، بتصريحات مختلفة لتفسير أسباب حادث غرق السفينة وتقييم الموقف وبيان مصير السفينة.

أعلنت روسيا أن النيران التي اندلعت على السفينة تسببت في أضرار جسيمة لها، وأن السفينة غرقت نتيجة عاصفة أثناء جرها بواسطة قاطرات السحب، بينما أعلنت أوكرانيا أن السفينة أصيبت بصاروخ نبتون المضاد للسفن.

كانت البارجة موسكوفا حاملة صواريخ موجهة من طراز سلفا، وقد أعيد تسمية هذه السفينة التي كانت تدعى سلفا، وكان طولها يبلغ 186 مترًا، إلى اسم “موسكوفا”، مما يؤكد روح العصر والأهمية المولاة للسفينة.

إن هذه السفينة التي دخلت الخدمة عام 1979، على الرغم من قِدَمِ تاريخ بنائها، تم تحديثها وتجهيزها بأحدث الأسلحة وأنظمة التكنولوجيا الروسية عام 2020. وقد كانت الميزة الأكثر بروزا وجذبا للانتباه في السفينة هي أنها كانت تتمتع بقوة نارية عالية. وتأتي تفاصيل هذه القوة النارية على النحو التالي: تحمل البارجة، التي كان طاقمها 510 أشخاص، 16 صاروخا مضادا للسفن من طراز “P-1000 Vulcan” بمدى يبلغ 700 كيلومتر، بالإضافة إلى 64 صاروخا للدفاع الجوي جاهزة للإطلاق من طراز S-300. وكانت سفينة القيادة (البارجة) ضمن قوات البحرية الروسية في البحر الأسود.

خسارة كبيرة

ومع ما مُنتيت به روسيا بفقدها للبارجة موسكوفا، يمكن القول دون مبالغة إنها بذلك فقدت جزءا من تراب الوطن؛ حيث إنه تبعا لِما هو متعارف عليه في القانون الدولي، تُعدُّ السفن الحربية جزءًا من الدولة الذي ترفع علمها. كما أن فَقْدَ سفينة حربية يُعد خسارة لا تضاهيها أي خسارة أخرى. فخسارة السفن الحربية، التي تؤثر بشكل مباشر في كل من الظروف النفسية والسياسية للمجتمعات، تزيد على خسارة وحدة برية وجوية.

إن الردود الروسية على غرق السفينة، تؤكد أهمية هذه السفينة بالنسبة للمجتمع الروسي. وبصرف النظر عن الأبعاد الاجتماعية والسياسية للحدث، فإن القيمة الاقتصادية للسفينة موسكوفا كبيرة جدا. فعند مراجعة المخزون الكلي والميزانية الموجهة للأنشطة التشغيلية للسفينة، فإن خسارة البارجة موسكوفا تسببت في خسائر اقتصادية تزيد على مليار دولار. وفي السياق الاقتصادي والعسكري والاجتماعي، يعتبر فقدان سفينة حربية أعلى قيمة من فقدان وحدات من القوات البرية والجوية؛ فمن ناحية الكم عدد السفن الحربية أقل، ومن ناحية أخرى فإن خسارة سفينة حربية لا تعادلها خسارة طائرة، بل إن فقدان سفينة حربية واحدة يعادل خسارة أسطول من القوات الجوية.

إن مكانة سفينة موسكوفا التاريخية وقيمتها مهمة للغاية؛ لأنها ليست زورقا حربيا أو زورق صيد صغير، فقد غرقت سفينة موسكوفا مع مخزون أسلحة تصل قيمته ملايين الدولارات وطاقم من مئات الأشخاص. ومن جميع النواحي فإن هذه خسارة فادحة وهي أكبر من أن تقارن بالخسائر الأخرى. وفي حالة السلام، لا يؤدي إسقاط طائرة أو قذف دبابة أو حتى قتل جندي إلى نشوب حرب، لكن إغراق سفينة حربية يكون سببا للحرب. وليس من بين السيناريوهات المقبولة منطقيا، كما أنه أمر غير مسبوق، أنْ تندلع النيران في مثل هذه السفينة وتتسبب في انتشار حريق إلى مستودع الأسلحة، مما يتسبب في انفجار يؤدي إلى غرق السفينة؛ لذلك، فإنه في اقتناعنا أن السفينة تعرضت للهجوم. وفي الواقع فإن عدم تمكن الروس من اكتشاف هذا الهجوم، وفشلهم في التصدي له، وغرق السفينة، كل ذلك يُظهِر عدم كفاية تكنولوجيا الأسلحة الروسية، إلى جانب وجود أوجه قصور في التدريب وأخطاء التخطيط التشغيلي في البحرية الروسية.

العديد من الأسئلة

بادئ ذي بدء، فإن إطلاق صاروخ مضاد للسفن على سفينة مجهزة بنظام الدفاع الجوي S-300 ومحدثة في عام 2020، يثير العديد من الأسئلة. ومن الأسئلة التي لا بد من طرحها: هل كان نظام الدفاع الجوي على متن الطائرة لا يعمل؟ وإذا كان يعمل، فما مدى فعالية أنظمة S-300 هذه؟ وفي حال ثبوت إصابة هذه السفينة حقًّا بصاروخ مضاد للسفن، فيبدو أن هناك إهمالا خطيرا ونقصا في التدريب.

وإذا كان الاحتمال الأكبر أن تكون السفينة قد أصيبت بصاروخ، فإن احتمال اصطدامها بلغم بحري لا ينبغي تجاهله.

هذه هي المرة الأولى في تاريخ العالم منذ 2 نوفمبر 1982 التي تغرق فيها سفينة بهذا الحجم؛ حيث إنها المرة الأولى منذ أن غرقت السفينة الأرجنتينية “الجنرال بيلجرانو” في حرب الفوكلاند، التي كان وزنها يبلغ 12 ألف طن. وقد تصاعدت حرب فوكلاند مع غرق هذه السفينة، وأغرقت صواريخ إكزوست (Exocet) الأرجنتينية المضادة للسفن، السفينةَ البريطانية شيفيلد (HMS Sheffield) وسفينةَ الدعم أتلانتيك كونفيور (Atlantic Conveyor)، مما أدى إلى قطع السبيل أمام إمكانية انتهاء الحرب من خلال القنوات الدبلوماسية.

إن استراتيجية روسيا المتمثلة في تحقيق المكاسب من خلال استخدام القوة استخداما محدودا على الأرض، بهدف المحافظة على تلك المكاسب عن طريق القنوات الدبلوماسية، تلك الاستراتيجية لن تكون سياسة دائمة أو قابلة للتطبيق بعد تدمير السفينة موسكوفا.

ومع خسارة روسيا لسفينة موسكوفا

سوف تنتهج روسيا أسلوبا أكثر عنفا وعدوانية لرفع الروح المعنوية للجيش والتخفيف من حدة الاستياء في المجتمع. خسارة البارجة موسكوفا تعادل “خسارة الوطن” من النواحي القانونية والنفسية والاجتماعية، وانطلاقًا من هذا المعنى، ستزيد روسيا من مطالبها الإقليمية خارج “دونيتسك ولوهانسك” من خلال التركيز على زيادة مساحة المناطق التي يمكنها الحصول عليها عبر أوكرانيا. هكذا امتدت الحرب الآن إلى البحر بعد إطلاق النار على البارجة موسكوفا، وبعد أن تعرضت بيئة السلام في البحر الأسود للخطر من قبل بسبب أنشطة الألغام، ازداد حجم الخطر مع غرق موسكوفا؛ حيث ستبذل روسيا قصارى جهدها أمام أوكرانيا التي أرادت حبسها عن البحر منذ بداية الحرب، وتحويلها إلى منطقة مغلقة (غير ساحلية) تماما.

ومن الواضح أن غرق السفينة موسكوفا سيكون نقطة انهيار للمنطقة بأَسْرها وللحرب المستمرة، ومع غرق سفينة موسكوفا، حقق العديد من الأعداء الذين يريدون “حربا طويلة” ما يريدون. ومن ناحية أخرى، أتيحت لروسيا الفرصة للحفاظ على جيشها وشعبها، اللذين أُحبطا وسئما من إطالة أمد الحرب، نَشِطَين ومتحفزَين بدافع “الغضب والانتقام”، علاوة على أنها ستسعى لفتح باب مفاوضات جديدة تحت مظلة العنف، لحفظ ماء وجهها وتغطية الإهانة الكبيرة لهيبتها. أما فيما يتعلق بأوكرانيا فإن آخر الآمال التي تركتها على طاولة المفاوضات قد غرقت مع سفينة موسكوفا.

ولا يعد من نافلة القول إذا قلنا: إن الستار سينكشف عن الحرب الأوكرانية الروسية الأكثر حِدّةً وعنفًا، مع انتشارها على جبهات جديدة في المستقبل القريب.

المصدر : الجزيرة مباشر