“جناية” العمل الصحفي في مصر!!

صحفيو الجزيرة مباشر.. ربيع الشيخ وأحمد النجدي وهشام عبد العزيز وبهاء إبراهيم

 

لم يكن شعار “الصحافة ليست جريمة” الذي أطلقته قناة الجزيرة منذ العام 2014 تضامنا مع عدد من مراسليها المعتقلين في مصر مجرد كلمات جوفاء فارغة المضمون، بل كان صرخة صادقة في وجه سلطة صنفت العمل الصحفي جناية يُعاقب مرتكبها بالحبس أو حتى بالقتل، وهو ما جرى تنفيذه على أرض الواقع بقتل 10 صحفيين مصريين أثناء ممارسة عملهم سواء خلال فض اعتصام رابعة، أو بعد ذلك، كما زُجّ بعشرات الصحفيين والإعلاميين في السجون عقابا لهم على عملهم الصحفي.

الحكم الذي صدر قبل أيام بسجن مذيع قناة الجزيرة مباشر أحمد طه لمدة 15 سنة عقابا له على حوار تلفزيوني مع المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح الذي نال عقوبة مماثلة حضوريا، كان دليلا جديدا على اعتبار الصحافة جناية أمن دولة يٌعاقب مرتكبها بالسجن المشدد. لم يكن الحكم الأول من نوعه، لكنه كان الأكثر غلظة من حيث مدته، وعدم إمكانية نقضه، والأكثر فجاجة في تحديه لكل الدساتير والقوانين والمواثيق والأعراف المحلية والعالمية التي تضمن احترام حرية الصحافة، وتوفر لها كل التيسيرات لأداء عملها في تنوير المجتمع، وتمنع الحبس في قضايا النشر، ومن بينها الدستور المصري المعمول به حاليا، الذي تضمن ذلك في مادتيه 70 و71.

سجناء العمل الصحفي

لم يكن الحكم بسجن أحمد طه في قضية إعلامية هو الحالة الأولى، لكنه كان الأشد عقوبة، والأكثر شهرة، ربما لشهرة المذيع، أو لشدة تأثير الحوار الذي أجراه، أو لأن القناة التي بثته هي الأوسع انتشارا، وكانت الحالة الأكثر تشابها معه للصحفي الشاب معتز ودنان الذي اعتُقل عقب إجراء حوار صحفي مع رئيس جهاز المحاسبات المصري السابق المستشار هشام جنينة، غير أنه ظل رهن الحبس الاحتياطي لمدة 3 سنوات دون إحالته إلى القضاء.

ونشير أيضا إلى حالات أخرى، مثل إسماعيل الإسكندراني الذي عوقب حضوريا من محكمة عسكرية بالسجن 10 سنوات بسبب تقارير صحفية عن سيناء، وقد شاركه في العقوبة وفي القضية ذاتها صحفيان آخران هما أحمد الطنوبي ووليد محارب (ولا يزال الثلاثة رهن السجن تنفيذا للعقوبة)، كما عوقب مجدي حسين -رئيس تحرير جريدة الشعب السابق- بالسجن بسبب مقال صحفي، وتم الحكم حضوريا بالسجن 5 سنوات على المصور الصحفي محمود شوكان بسبب تصويره لفض اعتصام رابعة، وقضى عقوبته كاملة، وهناك عشرات الأحكام الغيابية بالسجن المؤبد والمشدد بحق صحفيين وإعلاميين مصريين يعملون في الخارج بسبب عملهم.

“الجزيرة” تدفع الضريبة

من بين وسائل الإعلام العربية وحتى العالمية دفعت قناة الجزيرة أثمانا باهظة في العديد من مناطق الصراعات حول العالم، وفي الحالة المصرية التي نحن بصددها كان مراسلوها هم الأكثر استهدافا بسبب عملهم منذ 2013 وحتى الآن، إذ لم تكتف السلطات المصرية باقتحام وإغلاق مكاتبها في القاهرة، بل عمدت إلى اعتقال العديد منهم بدءا من محمد بدر مصور الجزيرة مباشر، ومرورا بعبد الله الشامي مراسل الجزيرة الإخبارية الذي قضى بضعة أشهر في الحبس الاحتياطي، ثم حكمت عليه إحدى المحاكم غيابيا بالسجن 15 سنة.

وكانت قضية الجزيرة الإنجليزية، التي وُصفت إعلاميا بـ”خلية ماريوت” واحدة من أكبر القضايا الإعلامية، إذ ضمت أكثر من 20 إعلاميا سواء من مراسلي قناة الجزيرة ومصوريها مثل بيتر غريستي ومحمد فهمي وباهر محمد، أو المتعاونين مع القناة، وقد صدرت فيها أحكام بالسجن، ونجحت ضغوط “الجزيرة” في إطلاق أبنائها لاحقا، كما اعتقلت السلطات المصرية مراسل الجزيرة محمود حسين لمدة 4 سنوات قبل أن تطلق سراحه، ولا تزال تحتجز 4 صحفيين آخرين بقناة الجزيرة مباشر حتى الآن، هم هشام عبد العزيز وأحمد النجدي وبهاء إبراهيم وربيع الشيخ، بخلاف عدد كبير من المتهمين بالتعاون مع القناة، ناهيك عن الحكم غيابيا بالإعدام بحق مدير تحرير القناة إبراهيم هلال.

حكم كاشف لخلافات الأجنحة

حكم السجن المشدد بحق المذيع أحمد طه وضيفه عبد المنعم أبو الفتوح كاشف لخلافات مستترة بين أجنحة النظام، بين دعاة انفتاح جزئي يطيل عمر النظام، ورافضين يرون أن هذا الانفتاح هو طريق النهاية، وبينما يبدو الفريق الأول هو صاحب فكرة الحوار الوطني وتوسيع وتفعيل لجنة العفو الرئاسي، فإن الجناح الآخر هو الذي يعرقل هذه الخطوات، وهو من يقف خلف صدور الحكم بسجن أحمد طه وأبو الفتوح، ونائبه وغيرهم، وعرقلة مسار العفو عن سجناء الرأي، وعرقلة خطوات الحوار الوطني الذي لم يتم تحديد موعد لبدئه رغم مرور أكثر من شهر على إعلانه، وكذا عرقلة توجيه دعوات للعديد من أحزاب الحركة المدنية والشخصيات العامة.

أخيرا، فإن الحكم ضد طه يشبه “بخة البرص” (الوزغ) وهي التي تُحدث فزعا، لكن ضررها محدود. فالحكم رغم ما أحدثه من دوي إعلامي فإنه غير قابل للتنفيذ عمليا بحكم وجود صاحبه خارج مصر، ورغم الضرر النفسي الذي سبّبه الحكم لعائلته وأصدقائه، فإنه سبّب أضرارا أكبر للنظام المصري نفسه على الصعيد الدولي، وسيسهم مع غيره من الانتهاكات في تراجع جديد لمركز مصر دوليا في مؤشر حرية الصحافة، الذي تراجع هذا العام مركزين نزولا إلى 168 عالميا، وهو ما ينعكس على تصنيفات أخرى للدولة المصرية.

المصدر : الجزيرة مباشر