مظاهرات صاخبة في الصين.. هل أصبح الانفجار مسألة وقت؟

المظاهرات التي روجت لها السلطات الصينية هي تلك التي خرجت ضد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي لتايوان

 

اندلعت مظاهرات غاضبة في 100 مدينة صينية، الأيام الماضية، احتجاجا على تجميد حسابات مواطنين، وتجاهل السلطات تسليم وحدات سكنية لآخرين دفعوا ثمنها منذ أعوام، بعد أن توقفت شركات مقاولات -أغلبها حكومية- عن استكمال البناء.

بدأت التظاهرات منذ أشهر في مدن الجنوب بمنطقة “خنان”، عندما اكتشف مزارعون إيقاف حساباتهم في البنوك التي أفلست فجأة، بسبب الفساد المالي لمديري البنوك بمشاركة قيادات حزبية وحكومية. تصاعدت أزمة شركات العقارات منذ عام تقريبا، وعرف الناس عنفها مع انهيار ثانية كبرى شركات مقاولات “إيفرغراند” إثر تلاعب رئيسها التنفيذي ومديرها المالي بأموال المساهمين، بما عرّضها للإفلاس وعدم سداد 310 مليارات دولار، وتسليم مليوني وحدة سكنية دفع أصحابها ثمنها نقدا.

مظاهرات صاخبة

مظاهرات الغضب تحركت من مدينة إلى أخرى، بعد أن فجرت “إيفرغراند” كارثة، تكتّم عليها المسؤولون سنوات، فإذا بها تتكشف أمام الجميع العام الحالي، في 320 مشروعا عملاقا، تقام في 24 منطقة من بين 31 منطقة تضمها الدولة القارية.

شاهدت عشرات من الفيديوهات التي أرسلها زملاء من داخل الصين، نشرها ذووهم على صفحات التواصل الاجتماعي المحلية، وأخرى أعادت وكالات أنباء بثها بالخارج. تبدو المظاهرات صاخبة، وتوجه اتهامات إلى قيادات الحزب الشيوعي، وتحمّل الحكومة المسؤولية، وتُظهر صداما عنيفا بين المتظاهرين والشرطة، ومليشيات أمنية بملابس مدنية تنقض على المتظاهرين لخطفهم وفضهم بالقوة من أمام البنوك والشركات، وتسحقهم بالأرجل والعصي الكهربائية. سجل المتظاهرون بمهارة أعمال القمع الوحشي، وأظهروا كم الغضب الذي يملأ الصدور.

وقفات احتجاجية

لم تنقطع مظاهرات الغاضبين في الصين، فقد شاهدنا في العقد الأول من القرن الحالي، وقفات احتجاجية أمام الوزارات وشركات سرحت العمال، ومقار حكومات محلية أخلت مناطق سكنية قديمة لإقامة مجتمعات حديثة. سعت السلطات إلى تحجيم الوقفات وإبعادها عن أبواب الوزارات والشوارع الرئيسية، مع السماح للمحتجين -أحيانا- بالوقوف بأعداد قليلة، وحمل لافتات تعبّر عن مطالبهم. لم يتورع الأمن عن شق تظاهرات تتجاوز أعدادها عشرات من الأفراد بالقوة، فقد تعلموا من مظاهرات الطلبة عام 1989، التي بدأت بأفراد يطالبون بالتغيير الديمقراطي، فتحولت إلى موجة شعبية عارمة.

توظف السلطات قدراتها التكنولوجية لمراقبة الأفراد والتجمعات البشرية في كل مكان، لضبط سلوكها وتغيير مساراتها، وتفتيتها إذا توحدت في أعمال تمثل خطورة على النظام.

حطم المتظاهرون القواعد التي وضعتها السلطات، وارتفعت أصواتهم بحرارة، تندد بالفساد الذي أضاع ثرواتهم، وتطالب الحكومة بالتدخل الفوري لحل مشاكلهم مع الشركات العقارية والبنوك، التي حرمتهم من تسلم وحداتهم السكنية، وفي الوقت نفسه، أصبح مطلوبا منهم سداد 1.5 تريليون يوان (223 مليار دولار) ثمن الوحدات، تمثل 4% من قروض الرهن العقاري للبنوك، التي حصلوا عليها بضمان الشقق رغم أن مواقعها مازالت رمادا، وشركاتها متوقفة عن العمل أو أفلست، ومر على فترة الاستلام ما بين عام و3 أعوام.

عندما يغضب الصينيون!

رفع المتظاهرون أصواتهم بقوة غير معهودة، في فترة عصيبة، حيث يقود الرئيس شي جين بينغ نظاما استبداديا قمعيا بامتياز، عبر شبكة واسعة من قوات الأمن، ومليشيات شبه عسكرية من شباب الحزب الشيوعي العقائديين المتعصبين للرئيس والحزب.

من غير المعتاد أن نشاهد تظاهرات بهذا التنوع البشري والجغرافي، وتكاتف المتظاهرين بقوة داخل الصين أثناء الوقفات، وتواصلهم عبر شبكات الإنترنت الخاضعة للرقابة المشددة، لكن الخبير في الشؤون الصينية (تاي زي شوي) -أستاذ علم الاجتماع في جامعة كنتاكي- يصفها بأنها مقياس حقيقي لأصوات الغضب المنتشرة في الصين، ويذكر أن “الصينيين عندما يصلون إلى مرحلة مرتفعة من الغضب، يصرون على رفع أصواتهم بصخب، ليُسمِعوا الحاكم والمسؤولين داخل مكاتبهم، رسائلهم التي تعكس تصاعد الأزمات المالية والاقتصادية التي أصبحت تحيط بهم”.

رفض مشترون في 18 مقاطعة و47 مدينة، سداد الرهن العقاري الذي بلغت قيمته 350 مليون دولار نهاية يونيو/حزيران، وهدد 47 ألف مشترٍ بالتوقف عن دفع أقساط في 14 مشروعا، إذا لم يستلموا وحداتهم قبل 20 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. سدد 90% من الحاجزين ثمن وحداتهم بالكامل، في نظام يشجبه (وانغ يونغ لي) -نائب بنك الصين- وهو أحد أكبر سبعة مقرضين عقاريين مملوكين للدولة، قدّموا قروضا عقارية بقيمة 3.9 تريليونات دولار، ويعتبره “مسؤولا عن إهدار حقوق مواطنين هم الطرف الضعيف والبريء في أزمة الرهن العقاري، لأن الدولة تأخرت في مواجهة خطر متراكم، كان انفجاره مسألة وقت”.

بين كارثتين

يقضي النظام بأن يوقّع المواطن طلبا للشراء من الشركة العقارية -مملوكة للحكومة أو مساهِمة بها- ويدفع ما يتراوح من 30% إلى 50% من القيمة، ويحصل على عقد ابتدائي، يتوجه به إلى أحد البنوك ليقترض قيمة الوحدة، رهنا عقاريا بفوائد باهظة، ويدفع قيمة التأمين على القرض، ويسلم المبلغ نقدا إلى الشركة التي تبيع الوحدات، قبل الشروع في تنفيذ أي من مراحلها.

عندما توقفت الشركات، عَلِق الناس بين كارثتين: عدم حصولهم على شققهم، وإلزامهم بسداد قيمة الرهن العقاري والتأمين على القرض. فإذا امتنع المشتري عن الدفع، فازت الشركة بأرباحها، وقد يواجه البنك الإفلاس لعدم سداد العملاء للأقساط، بينما المواطن يوضع في قائمة سوداء تعني بالصين “مواطن ميت”، فلا يمكنه حمل أموال أو طلبها أو البيع والشراء والعمل والتنقل.

سببت ثورة مشتري المنازل صداعا لنظام يستعد لعقد مؤتمر عام للحزب الشيوعي، يعيّن فيه الرئيس لفترة ولاية ثالثة، وبينما تتراجع ثقة الناس به، يجهز كوادره لنضال وحشي في المستقبل، وينكر سوء إدارته لأزمات صحية واقتصادية، أدت إلى تراجع النمو والإنتاج والصادرات والتوظيف، بمعدلات لم تشهدها البلاد منذ أن تحولت إلى مصنع العالم.

سيتراجع السوق العقاري بنحو 47% حتى عام 2030، في نشاط يمثل نحو 30% من اجمالي ناتج قومي بلغ 14 تريليون دولار، وستصل شظاياه إلينا حتما. فبعد أن أصبحت الصين في منطقة الخطر، ستعلو مزيد من الأصوات الغاضبة، أما الانفجار فمسألة وقت.

المصدر : الجزيرة مباشر