حين يرفض الرئيس وأتباعه قبول الخسارة

الرئيس البرازيلي المنتخب

 

(1) الترمبية في البرازيل

كل وسائل الإعلام العالمية قارنت أعمال الشغب التي شهدتها البرازيل مؤخرا بما حدث قبل عامين في أمريكا، حين اقتحم مؤيدو الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب مبنى الكونغرس الأمريكي. في الحالتين رفض مؤيدو الرئيس الذي خسر الانتخابات نتيجة الصندوق، وشككوا في آلية التصويت في أمريكا وأجهزة الاقتراع الإلكتروني في البرازيل، واتهموا جهات مسؤولة بسرقة الانتخابات لصالح المرشح المنافس، ورغم أن شخصية الرئيس الأمريكي ترمب تختلف عن شخصية الرئيس البرازيلي بولسونارو، فإن كلا منهما يميني يستخدم دعم الرب له في حملاته الانتخابية وأثناء مخاطبة مؤيديه من المتعصبين المستعدين دوما لاستخدام العنف لفرض وجهة نظرهم. في كلا البلدين الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل تم اتخاذ تدابير أمنية سريعة اتجاه المشاغبين وعادت الأمور إلى نصابها لكن يبقى سؤال: كيف حدث ذلك في أمريكا الدولة الديمقراطية العظمى، ولماذا تكرر في البرازيل التي اختارت المسار الديمقراطي منذ عقود، لماذا حدث هذا النكوص؟ وما دور الرئيس الخاسر في انقسام المجتمع واستقطاب أفراده؟

(2) حين يتحول المواطن إلى تابع

تعامل كل من دونالد ترمب و جايير بولسونارو، مع المواطنين في بلاده على أنهم فصيلان متضادان وليسوا شعبا واحدا، فصيل معه والآخر عدو له، وعمّق كل منهما الخلاف بين المعسكرين بتنظيرات إيديولوجية غير حقيقية، استخدم فيها مصطلحات وأوصافا لشيطنة المعارضين الذين ألصقت بهم تهم مثل الشيوعية ومعاداة الرب. هذا الخطاب اليميني المتعصب ساهم في تحويل أنصار “ترمب” و”بولسونارو” من مجرد مواطنين يصوتون لصالح مستقبل أفضل لبلدهم إلى أتباع مخلصين أشبه بالحواريين مستعدين للدفاع عن زعيمهم حتى الموت على اعتبار أنه ليس مجرد رئيس في بلد ديمقراطي علماني، بل هو رسول العناية الإلهية الذي جاء ليحقق مجد الرب على الأرض.

ولعلنا نتذكر كيف وصف ترمب نفسه، أثناء حكمه، في مؤتمر صحفي بأنه “مختار” من الله لخوض حرب تجارية مع الصين، وكان لوزير الخارجية الأميركي في عهد ترمب “مايك بومبيو” ردا مدهشا خلال زيارة لإسرائيل، حين سُئل عن إمكانية أن يكون ترمب اختير “للمساعدة على إنقاذ الشعب اليهودي في مواجهة التهديد الإيراني”، فقال: “كمسيحي، أؤمن بالتأكيد بأن هذا ممكن”. الرئيس البرازيلى السابق “بولسونارو” قال شيئا شبيها بذلك في بث مباشر على إحدى منصات التواصل الاجتماعي: “الرب وحده يبعدني عن الكرسي الرئاسي”، وهذا على الأرجح ما أقنع به أتباعه حتى صرح أحدهم لمراسل البي بي سي قائلا: “أعتقد أن لدى بولسونارو الكثير من العيوب، لكنه رجل الله، لديه مبادئ صحيحة، هذا هو الشيء الأهم بالنسبة لي”.

كيف استطاع ترمب و بولسونارو أن يقنعا مؤيديهما بأنهما رجلا الرب وأنهما في مواجهة إيمانية مع منافسيهما: جو بايدن الديمقراطي في أمريكا، ولولا دا سيلفيا الاشتراكي في البرازيل؟ نشكر الله على أنه في نهاية الأمر تم تنصيب الرئيس الجديد والتعامل بالقانون مع مثيري الشغب، وهو ما لا يحدث في مناطق أخرى من العالم.

(3) حكام يريدون حكما أبديا

أفريقيا هي القارة صاحبة الرقم القياسي في بقاء قادتها في الحكم، هناك زعماء ظلوا نحو 4 عقود ووصلوا إلى أرذل العمر ورغم ذلك ظلوا متمسكين بالسلطة وكأنها حق إلهي لا ينازعهم فيه أحد، وظلوا يرددون على مسامع شعوبهم أن بقاءهم في الحكم قرين الاستقرار والبلاد من دونهم ستعمها الفوضى والخراب.

وحين ثارت الشعوب على الحكام بسبب فسادهم وسوء أحوال البلاد والعباد تحت حكمهم غير الرشيد، رفض معظمهم المغادرة في سلام، وفتحوا أبواب جحيم الحروب الأهلية والفوضى العارمة. شاهدنا ذلك في دول الربيع العربي، حيث دفعت الشعوب وما زالت تدفع أثمانا باهظة بسبب التمسك بأبدية الحكم عند بعض الحكام العرب. كان يجب أن يكون الربيع العربي درسا قاسيا لكل حاكم مستبد، لكن للأسف ما زال الأمر يتكرر بعده. في غامبيا، رفض الرئيس “يحيى جامع” الامتثال لنتائج الانتخابات الرئاسية عام 2016 التي أتت بمنافسه المعارض “أداما بارو” إلى الحكم. ظل “جامع” 23 عاما في السلطة، ولم يكن يرغب في ترك كرسي الحكم رغم طول المدة، حتى تم تهديده بالتدخل العسكري من قبل  جيوش دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا. الحاكم المستبد حين يبقى في الحكم لعقود يظن أنه أصبح عنوانا لبلاده فهو البلد والبلد هو.

ما حدث في غامبيا حدث مثله في زيمبابوي، مع الزعيم “روبرت موغابي” الذي ظل في الحكم مدة 37 عاما كاملة، وكان يريد حكما أبديا، وأجبر على تقديم استقالته عام 2017 بعد مظاهرات كبيرة في الشوارع لإقالته، وكل القادة المستبدين يبدؤون حكمهم بوعود وردية تتلاشى سريعا لتتحول إلى كابوس، ورغم أن موغابي يعد بطلا حارب في سبيل استقلال بلاده وأنهى حكم الأقلية البيضاء، فإن حبه للسلطة وفساد حاشيته أديا إلى تدمير بلاده واقتصادها.

تمسك حكام بالسلطة يحدث في الدول النامية الحديثة العهد بالديمقراطية كما يحدث في دول متقدمة عريقة في الديمقراطية، ويتوقف الأمر على شخصية الرئيس ورغبته الملحة في البقاء في السلطة، وكيف يتحول الأمر عنده إلى إدمان يصعب عليه التخلص منه حتى لو أدى ذلك إلى إشعال نار الفتنة والانقسام بين مواطني بلاده والسير بهم فوق سطح صفيح ساخن وجر بلاده إلى الخراب.

المصدر : الجزيرة مباشر