الصينيون إلى أكبر هجرة بشرية يشهدها العالم.. الأسبوع المقبل!

انتظر الصينيون أكثر من 1000 يوم ليستردوا حريتهم في السفر بأكبر هجرة بشرية يشهدها العالم، خلال الأسبوع المقبل. ودّعوا القيود الصارمة الواسعة النطاق، بعد تراجع الرئيس شي جين بينغ المفاجئ عن سياسة “صفر كوفيد”، وإعلانه، في 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي، القواعد العشر للعودة إلى الحياة الطبيعية.

قفزت عمليات البحث عن وجهة الزوار على منصة (Qiangyou) بنسبة 310% خلال 24 ساعة، وزادت حركة الطرق السريعة 93%، والطلب على الرحلات الداخلية 280% في أسبوع. ارتفعت حجوزات السفر إلى الصين، ومنها إلى إندونيسيا وتايلاند وهونغ كونغ وسنغافورة وأوربا وأستراليا والولايات المتحدة، من دولة توقعت منظمة السياحة العالمية منذ سنوات أن يخرج منها نحو 100 مليون سائح كل عام.

فرحة مكبوتة

رفعت الحكومة قيود الحجر الصحي للمسافرين، وأوقفت تطبيق “رمز السفر” الذي يتتبع حالة 500 مليون مصاب على موقع (Webo)، بما دفع الناس إلى التكالب على السفر داخليا ومن الخارج، للمشاركة في الاحتفال بالسنة الصينية الجديدة لعام” الأرنب” وبداية التقويم القمري “تشون يون”، الذي يستمر 40 يوما، من 7 يناير/كانون الثاني إلى منتصف فبراير/شباط المقبل.

تمنح الحكومة المواطنين إجازة 7 أيام، بدءا من 22 يناير حتى مطلع فبراير، تمتد عادة إلى 16 يوما. يعود المهاجرون إلى ديارهم، من المناطق الغنية في الشرق والجنوب إلى الوسط والغرب، ومن الحضر إلى القرى، إلى أحضان العائلة وزيارة الأسلاف، للعودة إلى الجذور، وتناول وليمة رأس السنة، والمشاركة في مهرجان الفوانيس.

تتوقع الحكومة القيام بنحو 2.1 مليار رحلة، تُمثّل ضعف العام الماضي، وأقل 30% من مستوى الهجرة السنوية لعام 2019، قبل انتشار وباء كوفيد.

صدمة الوباء

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فالناس الذين عاشوا صدمة انتشار الوباء، وأملوا الاحتفال والتنقل بحرية، وجدوا أنفسهم عالقين بين حَجْرين. جاء الأول من دول غربية، اشترطت دخول الصينيين أراضيها، لمن يحمل بطاقة اختبار سلبية من الوباء، وأخرى امتنعت عن استقبالهم، كما فعلت كوريا واليابان.

يدفع الصينيون المحبطون ضريبة تنمّر “شي” على الدول التي رفضت قراره حظر دخول الأجانب، ومنهم طلاب وعلماء ورجال أعمال، لأنحاء الصين، مع بداية انتشار كورونا. اتهم “شي” الغرباء بأنهم مصدر الوباء، وافتخر بأن “صفر كوفيد” قللت عدد الموتى، مع وقفه السفر إلى بلاده وبين مدنها، وفرضه قيودا صارمة على حياة المواطنين.

وقع الحَجْر الثاني كالصاعقة على رؤوس الجميع، فكان الدافع الأكبر وراء تحفظ الدول على دخول الصينيين إليها، رغم المبالغ الهائلة التي ينفقونها عادة في رحلاتهم الخارجية بتلك المناسبة، تُقدَّر بنحو 380 مليار دولار. أدى التراجع المفاجئ عن “صفر كوفيد” إلى تصاعد موجة الوباء فأصابت 248 مليون شخص، بما يعادل 18% من تعداد السكان نهاية ديسمبر الماضي. ترتفع معدلات الإصابة في المدن الكبرى، وخاصة بيجين وشنغهاي والمناطق الصناعية التي سيخرج منها المهاجرون إلى القرى والمدن الصغيرة، الأقل في الإمكانات الصحية والمادية.

فوضى عارمة

وصف شو تشنغ قوانغ -نائب وزير النقل- اندفاع السفر بأنه “محفوف بعدم اليقين والتعقيد والتحديات”. ودعا قوه جيان ون -عضو اللجنة الطبية للوقاية من الأوبئة- إلى عدم توجه العاملين بالمدن للعودة إلى أهلهم، وقال محذرا “إذا لم يكن الأهل قد أصيبوا قبل ذلك، فلا تذهب إليهم لتُظهر الاهتمام بهم، بينما تحمل الفيروس إلى منازلهم”. ذكر طبيب آخر الحالة الصحية بأنها “تعاني فوضى عارمة”، بعد إصابة نحو 250 مليون شخص بالوباء، واحتمال انتشاره بين 40% إلى 80% من الصينيين خلال الأسبوعين الماضيين. حذّر أطباء كبار في بيان نشروه في يوليو/تموز الماضي من إصابة 100 مليون شخص، وتوقع دخول 5 ملايين منهم المستشفيات، وتعرّض 1.6 مليون للوفاة في غضون 6 أشهر، إذا رُفع الحجر الصحي. تجاوز عدد المصابين حاليا جميع التوقعات.

يقول Jiao Yahui مسؤول لجنة الصحة الوطنية إن الطلب على الطوارئ والرعاية الحرجة في المدن الكبرى بلغ ذروته، ويرتفع بسرعة في المدن الصغرى والريف. اللافت أن التلفزيون الرسمي، الذي كان يَعُدّ تسرب خبر عن الوباء عارا وطنيا، أعلن أن 80% من وحدات العناية المركزة مشغولة، ارتفاعا من 45% الشهر الماضي.

أشواك في طريق الحرية

يخشى الصينيون أن يتسبب العائدون من المدن -أغلبهم من الشباب – في نشر الوباء بين 85 مليون مواطن فوق سن الستين ممن رفضوا العلاج. يعيش 300 مليون صيني فوق سن 65 عاما، حصل بعضهم على التطعيم مرة واحدة، ويفضلون العلاج بالطب الشعبي، لعدم ثقتهم بالتطعيم، وهم أكثر الفئات عرضة للموت حاليا، بينما العائدون يريدون أن يستمتعوا بلقائهم، بعد سنوات من العذاب بعيدا عن الأهل والفرح في كنف العائلة.

لم يتوقع الصينيون عندما صرخوا في الشوارع منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي “نريد الحرية”، داعين إلى “تنحي الرئيس” والحزب الشيوعي عن السلطة بسبب القيود الخانقة، ستدفع (شي) إلى التخلي عن مواجهة الوباء من النقيض إلى النقض.

ظل (شي) يرى “صفر كوفيد” حرب الشعب ضد الوباء ورمزا للحشد القومي والفخر الصيني، بما أخضع المواطنين لدولة المراقبة الرقمية والأمنية، والحجر القسري. تحوّل (شي) عن شعاره “اسمع كلامي ولا تلتفت لغيري” إلى “كن أول شخص مسؤول عن صحتك”.

“لا داعي للقلق”

الناس مرتبكون، يموتون دون أن تذكر الحكومة حقيقة أرقام المصابين والموتى، فيشاهدون مقاطع الفيديو لتكدس المرضى في المستشفيات وطوابير الجنازات والجثث المكدسة أمام المحارق لأيام، بينما الإعلام الرسمي يردد “لا داعي للقلق”. بين عشية وضحاها، ترك النظام الناس يدافعون عن أنفسهم، ويكافحون للحصول على الدواء من السوق السوداء التي يفوز بها الأغنياء.

عندما انتشر الوباء تآكلت ثقة الناس بالنظام، مع إصابة 650 مليون شخص، والسير بالشعب في اتجاه غير معروف ومكلف، وبعد أن تراجع فجأة عن سياساته، خلق عدم الثقة، لأن الإلغاء استهدف في المقام الأول مواجهة التدهور الاقتصادي والصراع الذي نشب داخل الحزب الحاكم، وخوف “شي” من توجه الصينيين إلى مزيد من الوقفات الاحتجاجية، بما يقوض شرعيته.

المصدر : الجزيرة مباشر