سجل أنا عربي

قطاع غزة أثناء قصف إسرائيلي بالصواريخ (الفرنسية)

 

 

(1) صيحة القيامة

كم مضى علينا في الشعوب العربية ونحن نخجل من النظر إلى أنفسنا في المرايا.. نخشى النظر إلى صورتنا المهشمة وهويتنا المبعثرة والتفكير في ليلنا الطويل الذي لا يعقبه فجر.. وحين ظننا أن فجرنا حان ميقاته، تحول إلى دخان أسود خنق ما تبقى في نفوسنا من أمل ورغبة ملحة في أن نمتلك لحظتنا وحاضرنا بعد أن عشنا عمرنا في ظل أنظمة اعتقلتنا في سجون اليأس من التغيير، لتحقق رغبتها المحمومة في الاستمرار في السلطة وبقاء الحاكم متشبثا بمقعده حتى يجبر على الرحيل برفقة ملك الموت.

متى ينتحر الأمل؟

حين تيأس من قدرتك على تغيير الواقع لأن البندقية تكسب دوما رهان البقاء، استيقظنا يوما على نداء الثورة ونمنا على جنائز الضحايا، وبعد أن ظن بعضنا أن حدوده السماء أدرك أنه لا يملك إلا أنفاسه.

هزمنا الواقع وتركنا في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء نلهث وراء سراب تتجدد معه المعاناة، وكأننا موتى في القبور ننتظر صيحة القيامة التي جاءت فجر يوم 7 أكتوبر مع تكبيرات كتائب القسام، وكأن عملية “طوفان الأقصى” مدت لنا طوق النجاة من الغرق في طوفان التغريبة، وأكدت أن فلسطين ستظل القضية الجامعة لكل العرب وهي القاسم المشترك الأعظم لكل محاولات التحرر والتغيير.

(2) الغرب الكذوب

كانت عملية طوفان الأقصى أشبه بالصاعقة، وقد تلقتها الشعوب العربية بالفخر والإشادة، أما معظم الحكومات العربية فكانت محكومة بالحذر والعبارات الدبلوماسية والقلق من السقوط في دائرة عنف تتوسع إقليميا ويطولها منها بعض الشرر. المعسكر الغربي والدول التي تدور في فلكه، استقبلت الأمر وكأنه هجوم مباشر عليها وتم وصف العملية العسكرية بالإرهابية وبالغوا في الإعلان عن دعمهم غير المحدود لدولة الاحتلال، وبدا واضحا السقوط الأخلاقي للغرب وازدواجية المعايير التي يتعاملون بها مع الشعب الفلسطيني مقارنة بانتفاضتهم لحماية الشعب الأوكراني من روسيا والمساعدات غير المسبوقة التي قدمت هناك، فضلا عن طوفان الأسلحة التي تنهال على كييف للهجوم على روسيا.

في المقابل يشاهدون حصار غزة وسياسة الفصل العنصري التي تنتهجها إسرائيل مع الفلسطينيين طوال سنوات دون أن يتحرك لهم جفن، وكأن الغرب “أعور” يرى الأمور بعين واحدة، وهي أنه الجنس الأعلى إنسانية والأغلى قيمة دون غيره من الأمم، فهو صاحب الحضارة الحالية، ومن حقه الهيمنة على العالم بقيمه المخادعة، وعلى شعوب الأرض أن تقبل الفتات ممزوجا بالمذلة بلا مقاومة ولا محاولة لتغيير هذا الواقع الخبيث.

السنوات الأخيرة أثبتت كذب هذه الخدعة الكبرى وأسطورة الغرب الذي لا يقهر، فلقد خرجت أمريكا تجر أذيال الخيبة من أفغانستان، وكذلك فرنسا طردت بمهانة من مستعمراتها السابقة في إفريقيا، وفي أوكرانيا لم تحسم المعركة بعد، وها هم العرب الفلسطينيون يوجهون صفعة جديدة إلى الغطرسة الغربية، يبدو معها الغرب وعلى قمته أمريكا وقد فقد رشده، وستذكر معركة طوفان الأقصى باعتبارها تاريخا فارقا بين عهدين: النظام العالمي القديم والجديد الذي يتشكل من دول كبرى أبدت توازنا منطقيا في تعاملها مع الشعب الفلسطيني وحقه في حياة كريمة.

(3) ” 7 أكتوبر” يوم تغير العالم

ذكرني طوفان الأقصى بقصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش يعلن فيها هويته العربية التي يريد المحتل أن يمحوها، ويقول:

“أنا عربي/ سُلبت كروم أجدادي

وأرضا كنت أفلحها/ أنا وجميع أولادي

ولم تترك لنا ولكل أحفادي/ سوى هذي الصخور

فهل ستأخذها/ حكومتكم كما قيلا

إذن

سجل برأس الصفحة الأولى

أنا لا أكره الناس/ ولا أسطو على أحد

ولكني إذا ما جعت/ آكل لحم مغتصبي

حذار حذار من جوعي/ ومن غضبي”

البعض يستهين بانفجار الغضب في نفوس الفلسطينيين من جراء أفعال سلطة الاحتلال، والبعض أيضا يجد أن العملية الفريدة من نوعها التي قامت بها كتائب القسام الجناح العسكري لحماس بمثابة انتحار جماعي، لأنه سيتبعها عمليات عسكرية انتقامية سيقوم بها جيش الاحتلال مستهدفا تدمير غزة على رؤوس أهلها متحصنا بالحماية الأمريكية التي تجعله يخرق القوانين الدولية دون خوف من مساءلة أو حساب، والمجتمع الدولي يغض الطرف عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في حق المدنيين العزل من الفلسطينيين.

ما المطلوب إذن من حماس التي تدير القطاع المحاصر منذ عام 2007 والمحروم أهله من الحياة الطبيعية وشبابه من المستقبل؟

أن يبتلعوا الذل والمهانة والعدوان وأن يرضوا بما تلقيه لهم سلطة الاحتلال من بقايا موائد المفاوضات وبيانات الشجب المرتجفة وصوت الحق الأخرس.

سلطة الاحتلال تتعامل مع أهل غزة وكأنهم كائنات غير إنسانية متحفظ عليهم في سجن كبير وعليهم أن يرضوا بهذا الوضع غير الإنساني وغير المحتمل وكأنه قضاء وقدر لا فكاك منه.

الموت قدر مكتوب علينا جميعا، هناك من يختار أن يموت في فراشه مذعورا وهناك من يختار أن يواجه الموت من أجل الحياة، وعلى الدول العربية أن تتذكر هويتها الحقيقية وقضيتها المركزية وأن تتكاتف وتتخذ قرارات قوية تساند بها الحق الفلسطيني وتجبر الطرف الآخر على التفكير مئة مرة قبل محاولته إبادة غزة من الخريطة كما فعلت من قبل في حرب 1973. وليسجل التاريخ: أنا عربي… حذار حذار من جوعي ومن غضبي.

المصدر : الجزيرة مباشر