دروس عملية للمطبعين
أيها المطبعون مع هذا الوحش، السائرون عكس أبجديات المنطق والتاريخ والإنسانية، أصحاب البصيرة العمياء، والقلوب الصماء، كيف تجرعتم هذا السم؟ وهل آن الأوان لأن تكفروا عن خطاياكم، وعن الدماء البريئة التي سالت حينما وقفتم بجانب القاتل تزينون له سوء صنعته التي اعتاد عليها؟
هل اقتنعتم هذه المرة أنه كيان عنصري إجرامي، وأنها ليست واحة للديمقراطية وحقوق الإنسان في محيط عربي يغرق حتى الثمالة في الاستبداد حسبما علموكم؟
هل تأكدتم أن هذا المحيط العربي البائس هو أصلًا من صنعت بؤسه، وبنته طوبة طوبة بعدما ردمت أسفله الشعوب العربية جمعاء، لا سيما بعد اكتمال بلائها على فلسطين الحبيبة؟
ومن جهد البلاء أنه وقر في يقين من يضع عينيه على كرسي الحكم منكم أنه لكي يصل إليه لا بد أن يطأطئ رأسه ويسخر لها إمكانيات دولته التي هي ميراث شعبه الكاره لهذا الكيان كقرابين ولاء، وإذا أراد أن يمكث أطول على الكرسي الملعون فعليه أن يقدم القرابين الأثمن والأغلى.
وعلمته التجارب أيضًا أن من يعارضها سيقتل، وينكل به أو يسجن، بل وسيموت متعفنًا في محبسه، أو يحاصر ويشيطن ويحرم من حق الرد، مهما اتسعت شعبيته التي هي الشيء الأكثر هامشية في الأمر، وأن المهم فقط الرضا الإسرائيلي الذي إذا ناله سيخلد على كرسي الحكم، وسيفعل بشعبه ما يشاء وكيفما شاء، وسيجد أبواب عواصم الدنيا تنفتح أمامه بالدعم.
حقائق وأراجيف
هل اقتنعتم الآن أن الفلسطينيين حينما هجّروا للشتات واكتظت بهم مخيمات الأرض وملاجئها لم يبيعوا أرضهم؟ بينما ترون حلقات الإعادة لنكبة عام 1948 نفسها صوتًا وصورة وأنينًا ودموعًا ودماء وحسرات تغرق وسائل الإعلام الاجتماعي وعلى الشاشات كلها.
ألم يستقر في أنفسكم يقينًا بأنه لا حل لإنسان أمام هذا الجحيم إلا الفرار مع أسرته أو مع من تبقى منهم حيًا لينجو بهم من جهنم الأرض لكي لا يصبحون مجرد أرقام في عداد القتلى الذي لا تكترث إنسانية الغرب به، ولا يهمها كثيرًا إن كان يعد بالمئات أو الآلاف أو حتى عشرات الآلاف، حاملًا في ذاكرته وجعًا لا يمحوه الدهر وتفاصيل التآمر الغربي وغدر وخذلان من يفترض فيهم أنهم يقفون في صف الصديق؟
صدقتم أراجيف رواياتهم التي لم يقدموا على صحتها دليلًا حقيقيًا واحدًا، فيما كذبتم روايات الضحايا والمشردين وأسر الشهداء وهم كائنون أمامكم بآلامهم، وأنكرتم التاريخ والتراث المفعم بماضيهم، وأغمضتم أعينكم عن أعمال القتل اليومية التي يتعرضون لها في الضفة الغربية وغزة منذ 75 سنة مضت، وهم أصحاب الدار والمزرعة والتراث والميراث الأصليون.
ولم تشعروا بالخجل حينما بررتم أنتم لأجانب جيء بهم من بقاع الأرض كافة ليغتصبوا حقوق من هم من بني جلدتكم ويشردونهم، في حين أن غربيين كثر مثل جوزيب بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية يقول صراحة إن المشكلة في الشرق الأوسط أن إسرائيل لا تريد أي وجود للشعب الفلسطيني أساسًا وهذا لا يجلب أبدًا السلام، وإن المشكلة ليست في القضاء على “حماس” من عدمه.
وكنتم كالشيطان الذي ينشط بالإدانة والتنديد والتحريض حينما يقاوم المقاوم، في حين يصيبه العمى والخرس حينما يشتد ظلم الظالم، وما نطقت ألسنتكم للمظلوم ببنت شفة بمثل ما نطقت به بعض ألسنة هؤلاء الأعداء أنفسهم كـ”يائير لابيد” زعيم المعارضة هناك الذي جهر بأن ما تقوم به بلاده في غزة عمل غير أخلاقي، فيما انطلق عشرات الآلاف من اليهود أنفسهم في أمريكا وأوروبا يتظاهرون في الشوارع ويقولون إن ما حدث في غزة لهو عار يلاحق الإنسانية جمعاء وليس إسرائيل فقط.
تغطية الشمس
نحن رأينا الصورة كاملة منذ البداية ليس لقوة نظر لدينا، ولكن لأن الصورة كانت واضحة تمامًا ولا مجال للغموض فيها، وكنا نتعجب من أولئك الذين يرون غير ذلك، لأننا ببساطة أمام حقيقتين ساطعتين، حقيقة استيلاء ظالم مدعوم من ظالمين كبار في هذا العالم في وضح النهار على بلد كاملة صغيرة مسالمة ليست له، فقتل من شعبها من قتل وشرد منهم من شرد، وظل يُهجِّر المهَجّر ويطارد المطرود بلا توقف حتى لو من 15% تبقت من مساحة أرضه.
وحقيقة أخرى وهي وجود شعب مظلوم، مهَجَّر ومطرود من بلاده، ضاقت عليه أرض الله الواسعة حينما أصبح فجأة بلا وطن، وترك نهبًا لآلة قتل وحشية لا تهمد، وماكينة دعاية سوداء عملاقة تقوم بشيطنته مع أنه هو المجني عليه وليس الجاني، وأنه من حقه أن يقاوم دفاعًا عن 100% من مساحة أرضه المسلوبة، بل ومن الواجب الأخلاقي على العالم الحر أن يمد له يد العون لتحقيق ذلك.
ها هي الصورة إن كنتم لم تروها من قبل، فهل ستعودون عن مسار التطبيع، أم أنكم أدمنتم الاستسلام بالصورة الدبلوماسية كافة؟