تبييض السّجون

نقل القوات الإسرائيلية لسجناء فلسطينيين من سجن الدامون في دالية الكرمل إلى سجن عوفر بالضفة الغربية المحتلة، قبل إطلاق سراحهم

تركيب، مجازيّ، معبّر، له حمولة إنجازيّة كبيرة، تستحثّ المهتمّ بالمصطلح، والمُعجميّ لتأمّل خلفيّة هذا التّركيب المُشبعة باللّونين الأبيض والأسود. فالسّجن اسم جامع يختزل كلّ أنواع الظُّلم والظُّلمات، وهو معادل موضوعيّ للّون الأسود المُشبع بعناصر الخوف والظّلم والقهر والاستبداد.

وقد تردّد هذا التركيب من جديد على لسان النّاطق باسم المقاومة الفلسطينيّة، أبو عبيدة، منذ اندلاع عمليّة “طُوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023م، مُعيدًا إلى الذّاكرة تاريخ أوّل استعمال عربيّ لهذا المصطلح، المرتبط بقانون تبييض السّجون، الصادر في 1965م بالأردن، في سياق توجيه الأمر الملكي بإعداد قانون العفو العامّ الشّامل، بخصوص المتّهمين بالجرائم السّياسيّة واللّاجئين السّياسيين بالخارج. ففي هذا العام صدر قانون بالعفو العام أطلق الناس والصحافة عليه وصف “قانون تبييض السجون” لإفراغ السّجون من كافّة السُّجناء الذين يشملهم هذا القانون.

جديد على المعجم العربي

فهذا المصطلح، بهذا المعنى، جديدٌ على المعجم العربيّ. ويقابل اللّفظ (تبييض) في المعجم الإيتيمولوجي الغربيّ (whitewash) ويرجع استعماله إلى تسعينيّات القرن السادس عشر، بمعنى: غسل سطح المبنى بسائل أبيض، واللّفظ مركّب من white وwash.

“لقد تبين منذ زمن طويل أن الطلاء أفضل من تبييض جدران السجن، وأن الأرضيات التي يتم فركها جيدًا تكون نظيفة تمامًا مثل تبييضها”.

ومنذ تسعينيات القرن السادس عشر أيضًا ظهر التركيب ليدلّ على لباس أو تزيين شخص بدون أسلوب أو ذوق، على نحو ما دوّنه المعجم الإيتيمولوجيّ للّغة الإنجليزيّة. ورصد هذا المعجم، أيضًا، لهذا التركيب معنى التستر والإخفاء وإعطاء مظهر زائف للنظافة.

ولكلمة أبيض وما يشتق منها معان ودلالات واسعة تعبر عن ثراء اللغة العربية وسعتها مما يدخل في مجال اهتمام معجم الدوحة التاريخي، ومنه أقتبس بعض هذه المعاني وشواهدها وتواريخ استعمالاتها:

التَّبْيِيضُ: لُبْسُ البَيَاضِ، وَهُوَ شِعَارُ المُخَالِفِينَ لِلدَّوْلَةِ العَبَّاسِيَّةِ.

قَالَ يُخْبِرُ عَنْ أَبِي الوَرْدِ مَجْزَأَةَ بْنِ الكَوْثَرِ:

“وَكَانَ سَبَبَ تَبْيِيضِهِ الخَوْفُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلى قَوْمِهِ فَبَايَعَتْهُ قَيْسٌ وَغَيْرُهُمْ”.

مُخَلَّد بن محمّد بن صالح (من موالي آل عثمان بن عفّان)

تَبْيِيضُ الشَّيْءِ: تَحْوِيلُهُ إِلَى البَيَاضِ.

“فَإِذَا وَجَدْتَ الأَبِقَ تَرُدُّهُ إِلَى الَّذِي أَبَقَ مِنْهُ فَهَذَا هَوُ التَّبْيِيضُ الَّذِي أَعْلَمْنَاكَ مِرَارًا، هَوَ الَّذِي يُخْرِجُ ظِلَّ الأَجْسَادِ وَسَوَادَهَا وَيُصَيِّرُهَا بِيضًا”

منسوب إلى جابر بن حَيّان

تَبْيِيضُ النُّحَاسِ: طِلَاؤُهُ بِالقِصْدِيرِ لِيَلْمَعَ

“فَأَفْتِنِي عَنِ الكِبْرِيتِ اللَّيِّنَةِ الَّتِي زَعَمْتَ أَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى تَبْيِيضِ النُّحَاسِ وَحْدَهَا”

منسوب إلى جابر بن حَيّان.

تَبْيِيضُ الوَجْهِ: جَعْلُهُ مُشْرِقًا مُتَهَلِّلًا.

“وَمَنْ جَازَاهُ مِنْهُمْ بِمَا جَازَاهُ مِنْ تَبْيِيضِ وَجْهِهِ وَتَكْرِيمِهِ وَتَشْرِيفِ مَنْزِلَتِهِ لَدَيْهِ بِتَخْلِيدِهِ فِي دَائِمِ نَعِيمِهِ فَبِغَيْرِ ظُلْمٍ مِنْهُ لِفَرِيقٍ مِنْهُمْ بَلْ لِحِقٍّ اسْتَوْجَبُوهُ”

الطّبريّ (محمّد بن جرير).

المصدر : الجزيرة مباشر