طوفان الأقصى ومعركة الوعي: كيف تدافع الأمة عن حقها في الحياة؟!

كتائب القسام (الفرنسية - أرشيفية)

من أهم الدروس التي قدمتها المقاومة الفلسطينية للأمة أن الحياة ترتبط بالحرية والعزة، فلا خير في حياة الذل والعبودية والانكسار؛ لذلك أعادت لنا معركة طوفان الأقصى معنى الحياة.

أصبحت الأمة تدرك أن المعركة ليست فقط معركة عسكرية يتم فيها تحديد النصر بالمقاييس المادية، وحسابات المكاسب والخسائر، بل معركة ثقافية، تشكل بداية لعملية تحرير العقول والقلوب من الاستعمار الثقافي الغربي.. ومعركة وجود تدافع فيها الأمة عن حقها في الحياة طبقا لعقيدتها.

وتوضح المظاهرات في بعض الدول الإسلامية أن الوعي بدأ يعود بأننا أمة واحدة تشعر بالحزن والألم لرؤية دماء الفلسطينيين تتدفق في غزة، وتعبر عن غضبها على النظم المستبدة التي تقيدها وتنتهك حقوقها، وترفض الحصار الظالم الذي تفرضه الدول الغربية على غزة بهدف فرض الاستسلام على شعب فلسطين.

كما بدأ الربط بين احتلال أرض فلسطين، وانتهاك حقوق الإنسان في الحياة والتعبير والتغيير، فالدول الاستعمارية الغربية تعمل لفرض سيطرة إسرائيل على المنطقة، وتوفر لها أسباب القوة المادية، في الوقت الذي تنتهك فيه حقوق الشعوب الإسلامية في الديمقراطية، وفي بناء نظم حكم تعبر عن آمالها في حياة كريمة، تستثمر فيه ثرواتها لبناء مستقبلها.

العلاقة بين الحرية والتحرير

أوضحت معركة طوفان الأقصى أن هناك علاقة قوية بين حرية الشعوب وتحرير فلسطين، فالعقول التي تمتلك الحرية والإرادة تستطيع أن تبتكر وتنتج الكثير من الأفكار التي لا يتوقعها العدو، وثورة العقول هي أساس بناء المستقبل.

في أنفاق غزة تجمع شباب فلسطين، وخططوا لتحرير فلسطين؛ فدرسوا مصادر قوة العدو وعوامل ضعفه، وأطلقوا لخيالهم العنان، وفكروا كيف يمكن مواجهة هذه القوة والتغلب عليها، وشحذوا عزائمهم، وفهموا التجارب التاريخية لأجدادهم الذين حرروا فلسطين من الاحتلال الروماني، ومن المؤكد أن الإمبراطورية الرومانية كانت أشد قوة وأكثر عدة وعتادا من جيش الاحتلال الإسرائيلي ومن كل دول الغرب مجتمعة، وكان الجيش الروماني يقوده هرقل وليس النتن ياهو، ومع ذلك انهزم الجيش الروماني، وفرّ مهزوما أمام عدد قليل من المقاتلين المسلمين الذين يعبدون الله وحده، ويؤمنون بأن النصر بيده.

قوة الإيمان في مواجهة القوة الغاشمة

لذلك أعدت المقاومة رجالها من المؤمنين بالله وبحقهم في تحرير أرضهم؛ فقام هؤلاء الرجال بثورة عقول، فبحثوا في أرضهم وبحرهم عن المواد الخام التي حولوها إلى صواريخ ومتفجرات يواجهون بها قوة الجيش الإسرائيلي الصلبة، وهم يدركون جيدا القوة التدميرية لأسلحة العدو.

هذه التجربة توضح لنا أن الانسان أهم من السلاح، وأن شجاعة الرجال هي التي تحقق الانتصارات والمجد، فالجندي الإسرائيلي يستطيع أن يلقي من الطائرات آلاف الأطنان من المتفجرات على غزة، فيدمر بيوتها، ومستشفياتها، ويقتل أطفالها ونساءها، لكنه لا يستطيع أن يواجه بطلا فلسطينيا في ساحة المعركة؛ فيقاتل رجلا لرجل، وهذا ما حذر منه موشي ديان عام 1967، حيث كان يعرف أن الجندي الإسرائيلي لا يستطيع الصمود، فهو أحرص الناس على حياة؛ لذلك لا يمكنه مواجهة رجل يتمنى الشهادة في سبيل الله، ويعتقد أنه سيدخل الجنة بمجرد صعود روحه الطاهرة إلى السماء.

كان ديان يدرك جيدا أهمية العقيدة والثقافة والحضارة والإيمان بالحق في بناء شجاعة المقاتل، وأن الجندي الإسرائيلي يفتقد كل ذلك؛ فعليه الاكتفاء بإلقاء القنابل من الطائرات، والتسلّي بقتل الجنود المصريين الذين أسرهم عام 1967 بعد أن أصدرت لهم قياداتهم الأوامر بانسحاب غير منظم في صحراء شاسعة لا يعرفون طرقها.

الحرب التي يجيدها جيش الاحتلال الإسرائيلي تكون باستخدام الطائرات، وإطلاق الصواريخ من وراء جدر، وفي هذه الحرب يتم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية مثل التطهير العرقي والتهجير القسري.

نوعية جديدة من المقاتلين

أما المقاومة الفلسطينية فقدمت للبشرية نموذجا إسلاميا للمقاتل الذي يقاتل بسلاح محدود الإمكانيات أنتجه بنفسه تحت الأرض، لكنه يمتلك شجاعة القلب والضمير والإيمان، وهو صاحب قضية ورسالة وأهداف عظيمة، لذلك يستخدم سلاحه الذي صنعه بنفسه بكفاءة عالية، ويدمر به الدبابات التي يتفاخر العدو بقوة تحصينها.

هذا المقاتل حقق إنجازا حضاريا وثقافيا، وأعاد لأمته وعيها بأنها تستطيع أن تحقق الانتصارات والمجد، وتقوم بصياغة حياتها على أساس عقيدتها وإيمانها بالله؛ فتنتصر أولا على خوفها من القوة الصلبة الغاشمة.

وإذا كان هذا المقاتل قد تمكن من أن يصنع سلاحه بإمكانيات بسيطة، فماذا تستطيع الأمة الإسلامية أن تفعل إن امتلكت الحرية والإرادة، وقررت أن تدافع عن حقها في الحرية والحياة؟!

وهذا السؤال سوف تقدم الأمة إجابة جديدة ومبدعة عنه خلال السنوات القادمة في ضوء ما حققته المقاومة الفلسطينية خلال معركة طوفان الأقصى؛ التي تشكل بداية مرحلة جديدة من تاريخ الأمة، فاستعادة الأمة لوعيها بالقدرة على تغيير الواقع أهم الإنجازات، والجماهير التي خرجت إلى الشوارع ستنطلق في طوفان جديد لتختار قياداتها، وتعبر عن إرادتها، وتكافح ضد الاستعمار الثقافي الذي كبل قدرتها على الفعل، وبناء القوة وتحقيق الإنجازات.

لذلك فإن الاستعمار الغربي يجب أن يتوقف لمراجعة نفسه، ويدرك أن عهد الاستكبار انتهى، وأن غرور القوة يمكن أن يجره إلى حروب طاحنة، وعليه أن يرغم جيش الاحتلال الإسرائيلي على وقف إطلاق النار في غزة، فكلما طال أمد هذه الحرب، تزايد وعي الأمة بالعمل للدفاع عن وجودها وحقها في الحياة.

المصدر : الجزيرة مباشر