أمريكا وجريمة العصر في غزة

دعمت إدارة بايدن حكومة إسرائيل اليمينية بأحدث ما تملكه واشنطن من أسلحة وعتاد (رويترز)
دعمت إدارة بايدن حكومة إسرائيل اليمينية بأحدث ما تملكه واشنطن من أسلحة وعتاد (رويترز)

جريمة العصر الأكثر وحشية، إنها الحرب الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، بضوء أخضر وسلاح أمريكي، بل بمشاركة أمريكية كاملة، فالولايات المتحدة -حقيقة- هي التي تدير الحرب ضد غزة، وترفض وقف إطلاق النار، وهي شريك كامل لإسرائيل في جرائم الحرب، وحرب الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، التي تحدث في غزة.

الجرائم الهمجية لن تمحو الهزائم

خلال الحرب على غزة، لم يكن هناك جريمة من الجرائم الهمجية التي تخضع للقانون الدولي لم ترتكبها إسرائيل، أو بالأحرى لم ترتكبها الولايات المتحدة الأمريكية.

وإذا لم يكن ما يحدث في غزة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، فما هو توصيف هذه الجرائم التي فاقت كل وصف، وبلغت من الهمجية مبلغا يتجاوز كل تصور، ويشاهدها العالم يوميا على الهواء مباشرة، وتوثقها التقارير؟

منذ بداية الحرب الإسرائيلية الهمجية على غزة كان التركيز الأمريكي منصبا على إفساح المجال أمام الاحتلال الإسرائيلي لتدمير حماس -الذي يبدو مستحيلا- دون أدنى اكتراث لما يؤدي إليه ذلك من سقوط آلاف الضحايا من المدنيين، وإحداث دمار شامل في القطاع.

وبحثًا عن نصر لن يتحقق وأهداف مستحيلة أُطيل أمد الحرب على غزة، وليس هناك من هدف سوى الانتقام، وتدمير ما يمكن تدميره، وقتل أكبر عدد ممكن من أهل غزة، ودفع شعب ليترك أرضه قسرا، فضلا عن مآرب سياسية واقتصادية تقف وراء ذلك.

يبالغ الاحتلال الإسرائيلي، ويبذل كل طاقته في ارتكاب الجرائم ضد المدنيين في غزة، في محاولة لتحقيق أي نصر مزعوم، لكن الجريمة لن تمحو الهزيمة التي تلقاها، ومعه حلفاؤه الأمريكيون والغربيون.

جرائم إسرائيلية بأسلحة أمريكية

مع استمرار العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة لا تتوقف أعداد الشهداء والمصابين عن الارتفاع، حيث بلغت أعداد الشهداء حتى الآن ما يقرب من 20 ألف شهيد، وتجاوز عدد الجرحى 46 ألف شخص بجروح متفاوتة، إضافة إلى آلاف المفقودين.

وبينما تواصل إسرائيل ارتكاب المزيد من الجرائم، تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في دعمها على كافة الأصعدة. فمنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، أقامت أمريكا جسرا جويا وبحريا يدعم الخطط الهجومية واستمرار القتال، وقد شحنت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تل أبيب أكثر من 10 آلاف طن من الأسلحة والمعدات، شملت مركبات مدرعة، وأسلحة، ومعدات حماية شخصية، ومعدات طبية، وذخيرة وغيرها.

وقد استخدمت إسرائيل آلاف الأطنان من الأسلحة والمتفجرات الأمريكية الصنع ضد قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته على 360 كيلومترا، ويبلغ عدد سكانه نحو 2.2 مليون نسمة، وهو أمر فاق حدود كل تصور، حيث تجاوزت حصة الفرد منذ بداية الحرب وحتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول، أكثر من 10 كيلوغرامات من المتفجرات، بحسب توثيق حقوقي للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، كما أسقط الجيش الإسرائيلي أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات، خلال هذه الفترة على قطاع غزة بما يعادل قنبلتين نوويتين.

بحسب تقارير صحفية، فقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل أكثر من 72 ألف صاروخ وقذيفة منذ بداية حربها الهمجية على القطاع، إضافة إلى 100 قنبلة من زنة 2000 رطل، تتحول الواحدة منها إلى قنبلة دمار شامل، عند استخدامها في المناطق السكنية، وقد استخدم جيش الاحتلال قنبلتين من زنة 2000 رطل على الأقل خلال غارة جوية على مخيم جباليا، شمال مدينة غزة، في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز. وبحسب تصريحات لمسؤول أمريكي كبير، كان نحو 90% من الذخائر التي استخدمتها إسرائيل في غزة خلال الأسبوعين الأولين من الحرب عبارة عن قنابل موجهة عبر الأقمار الصناعية تزن ما بين 1000 و2000 رطل، والباقي كان من القنابل صغيرة القطر التي تزن 250 رطلًا، وجميع هذه القنابل صناعة أمريكية.

أمريكا فاعل أصيل في تدمير غزة

لم تتوان إدارة بايدن عن فتح ترسانة الأسلحة الأمريكية لتلبية طلبات إسرائيل من عشرات الآلاف من القذائف الشديدة الانفجار، وقنابل الفسفور الأبيض، والصواريخ الشديدة التدمير، وكافة أنواع القنابل والذخائر، بما فيها المحرمة دوليا.  وخلال أقل من شهرين، وباستخدام الأسلحة الأمريكية ألحق الاحتلال الإسرائيلي -عمدا وبطريقة ممنهجة- بشمال غزة دمارا يقترب من الدمار الذي سبّبه القصف الشامل للمدن الألمانية على مدى سنوات خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تمت تسوية أحياء بأكملها بالأرض في غزة، وتعرض أكثر من 60% من المباني في شمال غزة لأضرار جسيمة، ووصلت النسبة إلى 70% من المباني في بعض المناطق.

وبحسب ما ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” ففي جميع أنحاء غزة دُمر ما بين 82600 و105300 مبنى، وفقا للتقديرات، التي تحصي المباني التي تضرر نصف هيكلها على الأقل.

أمريكا ترتكب جرائم حرب

ليس جديدا أن تُتهم الولايات المتحدة بارتباك جرائم حرب، فمن الفلبين إلى الحرب العالمية الثانية، وكارثتي هيروشيما ونغازاكي، ثم حرب فيتنام والحرب الكورية، ثم الحرب في أفغانستان، إلى غزو العراق، وانتهاء بالحرب في غزة، يمتلئ السجل الأمريكي بجرائم حرب، وجرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، لكنها لم تُحاسب على أي منها.

في الحرب على غزة لا يقف الدور الأمريكي عند فتح الترسانة العسكرية الأمريكية لإسرائيل وإمدادها بكافة أنواع الأسلحة والذخائر بما فيها المحرمة دوليا، بل إن الولايات المتحدة تشارك فاعلًا أصيلًا في تلك الحرب، وتدير الحرب عسكريا وسياسيا، ولو أرادت وقفها لفعلت، ولكنها ترغب في استمرارها، وتمارس الخداع والكذب عبر التصريحات الإعلامية، وفي الوقت الذي تتحدث فيه الإدارة الأمريكية عن رفضها قتل المدنيين في غزة توفر لإسرائيل كافة الأسلحة التي تبيد البشر والحجر، وتؤمن سلطة الاحتلال الإسرائيلي من عواقب الجرائم الهمجية التي ترتكبها.

جريمة العصر هي ما تشارك فيه أمريكا في الحرب على غزة، فلم يحدث أن اجتمعت جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية في مشهد واحد مكتملة الأركان وفقا للقانون الدولي كما اجتمعت في حرب غزة، ولكن رغم ما هو ثابت في حق الولايات المتحدة من مسؤولية هي ووكيلتها إسرائيل يبقى السؤال هو: من يحاسب الولايات المتحدة على جرائمها السابقة وعلى جريمة العصر التي ارتُكبت في غزة؟

المصدر : الجزيرة مباشر