تركيا ومواجهة التصعيد الغربي في الحرب الروسية الأوكرانية

بايدن

الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرًا لأوكرانيا، في ذكرى مرور عام كامل على بدء شرارة الحرب الروسية ضدها، وإعلانه عن زيادة حجم المساعدات العسكرية لكييف بقيمة نصف مليار دولار، وإشارته في تصريحاته التي أطلقها خلال الزيارة إلى أن حلف الناتو أصبح مؤخرًا أقوى من أي وقت سابق، اعُتبر تهديدًا مباشرًا وصريحًا لروسيا من جانب واشنطن، وإعلانًا رسميًا عن رغبتها في إطالة أمد هذه الحرب وتصعيدها، وتوسيع نطاقها، رغم ما تسببه من استنزاف للقدرات الاقتصادية والعسكرية للدولتين إلى جانب خسائرهما البشرية.

ومما يؤكد صحة هذا الافتراض أن التصريحات الأمريكية جاءت متزامنة مع استمرار تدفق المعونات والأسلحة الأوربية الداعمة للقوة العسكرية الأوكرانية في مواجهة القوات الروسية، وهو ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إعلان تعليق مشاركة بلاده في معاهدة نيو ستارت، بينما حمّل مسؤولون روس الولايات المتحدة والدول الأوربية المسؤولية عن ما يمكن أن يسفر عنه انهيار آخر معاهدة نووية بين موسكو وواشنطن.

واشنطن والغرب والرغبة في التصعيد وإطالة أمد الحرب

التصعيد الذي أصبح يدق الأبواب بشدة وضع تركيا في موقف صعب، كونها ومنذ بداية اندلاع هذه الحرب وهي تبذل جهودًا دبلوماسية ضخمة من أجل إيقافها، وإفساح المجال أمام القنوات السياسية للعمل على تهيئة الأجواء أمام قيام مباحثات ثنائية بين طرفي النزاع، لبحث نقاط الخلاف، والعمل على التوصل لحلول مرضية لها من الجانب الروسي، ونظيره الأوكراني.

وهي الدبلوماسية التي استطاعت إقناع موسكو من قبل بإعلان هدنة واسعة النطاق من جانب واحد، شملت جبهات القتال جميعها، وذلك بمناسبة أعياد الميلاد، كما نجحت قبلها بالاشتراك مع الأمم المتحدة في التوصل لاتفاق يقضي بتصدير الحبوب الأوكرانية من خلال الموانئ التركية على البحر الأسود إلى دول العالم، وهو الاتفاق الذي منع حدوث أزمة غذاء عالمية جراء الحرب، وقيام موسكو بمحاصرة الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود.

هل تصمد حيادية تركيا في وجه التصعيد الروسي–الأوكراني؟

ومع التصعيد الأخير، وسعي الغرب لتأجيج الأزمة، وتوسيع نطاقها عبر تصريحات قياداته، وتدفق أسلحته الثقيلة على أوكرانيا، توجهت عيون دول العالم صوب تركيا مرة أخرى، للوقوف على وجهة نظرها، وموقفها من هذا التصعيد الذي يتم بمباركة كاملة من الولايات المتحدة، وما يمكن أن تقدمه من أجل الحد من الأضرار المحتملة له، والتي أصبحت تلوح في الأفق، كونها الدولة الوحيدة التي لديها علاقات جيدة مع طرفي النزاع، وما زالت تحتفظ بحيادتيها تجاههما.

خصوصًا وأن زيادة التوتر بين الدولتين، ودفع مسار الحرب نحو حافة الهاوية، يجعل من الصعوبة بمكان استمرار أنقرة على حياديتها، كونها إحدى دول حلف الناتو الداعم الرئيس لكييف ضد موسكو، كما أنه لا يمكن في ظل هذا التصعيد ضمان تنفيذ اتفاق تصدير الحبوب لدول العالم، إلى جانب أنه يقضي على أي أمل في إمكانية التوصل إلى هدنة ممتدة يمكن من خلالها بدء التفاوض، والتوصل إلى حلول دبلوماسية وسياسية لهذه الأزمة التي تستنزف ليس فقط طرفيها، بل الكثير من دول العالم، وتهدد باندلاع حرب عالمية ثالثة.

لم تتأخر تركيا سريعًا في توضيح موقفها من التطورات على ساحة الصراع الروسي-الأوكراني، وحجم الدعم العسكري الذي يقدم لأوكرانيا، ويثير غضب موسكو وحنقها، إذ أعلنت موقفها بكل صراحة ووضوح رافضة التحركات الأمريكية–الأوربية التي تزيد وفق وجهة نظرها من أمد هذه الحرب، وتعمق من جذورها، وتؤدي إلى زيادة حجم الموت والدمار الذي تشهده المنطقة.

التحذير من أزمة عالمية في الطاقة والغذاء

ودعا عدد من المسؤولين الأتراك موسكو تحديدًا إلى إعلان هدنة جديدة من طرف واحد، في إطار إبداء حسن النوايا الروسية تجاه أوكرانيا، كونها من بدأت الحرب وتديرها على الأراضي الأوكرانية، وهي الهدنة التي يمكن من خلالها إفساح المجال أمام الجهود الدبلوماسية والسياسية للتوصل إلى اتفاق يقضي ببدء مباحثات ثنائية تنهي القتال الدائر، وتعيد الأمور إلى نصابها.

وحذّرت أنقرة من أن إطالة أمد هذه الحرب سيعني مزيدًا من الدمار والخسائر على المستويات كافة، وهو ما يعني وبشكل تلقائي أن على العالم أن يستعد لمواجهة أزمة في مصادر الطاقة والحبوب والغذاء عمومًا في حال تم السماح لهذه الحرب أن تستمر.

داعية الغرب والولايات المتحدة ودول حلف الناتو، إلى التعاون معًا من أجل إقناع الأطراف المتصارعة بالكف عن القتال، والجلوس لطاولة المفاوضات، في ظل صعوبة إمكانية أن يحقق أحدهما نصرًا عسكريًا حاسمًا ينهي به هذه الحرب بعد مضي عام كامل على اندلاعها دون نتائج حقيقية ملموسة لأحد طرفيها.

الدعوة لهدنة موسعة وإفساح المجال للجهود الدبلوماسية

موقف تركيا يأتي منسجمًا تمامًا مع ما أعلنه صندوق النقد الدولي، الذي حذّر أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، أن العالم في العام الجاري سيواجه ظروفًا اقتصاديًا صعبة، وسيشهد ركودًا عنيفًا بصورة ربما لم يتعرض لها العالم من قبل.

وهو ما يقتضي وفق الرؤية التركية سرعة العمل على تبني آلية جديدة أكثر واقعية، وملاءمة، لتهيئة الظروف التي يمكن أن توقف الصراع، وتجمع الطرفين الروسي والأوكراني لبحث مشاكلهما عبر الأطر السياسية والدبلوماسية وليس العسكرية.

خطة تركيا تضمن وضع الحرب الروسية الأوكرانية لأوزارها

وترى أنقرة أن من أهم الخطوات التي يجب تنفيذها لضمان وضع هذه الحرب أوزارها قبل فوات الأوان، قيام روسيا بانسحاب تدريجي من الأراضي الأوكرانية، وبدء عملية واسعة لتبادل الأسرى، والدخول في مفاوضات جادة لضمان الأمن النووي للمنطقة، واستمرار اتفاق تصدير الحبوب لمنع تعرض العالم لأزمة غذاء عالميًا قد تصل إلى حد المجاعة، وغيرها من المحاور الرئيسة التي تعد المفاصل الأساسية للحرب الروسية–الأوكرانية، وهو ما تواصل الدبلوماسية التركية بذل الجهود المكثفة من أجل تحقيقه، واستخدام السبل والقنوات كافة وتوظيف العلاقات للوصول إليه قبل أن يتفاقم الوضع ويصبح من المستحيل معالجته أو وقف نتائجه.

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر