سعر الصرف والفائدة وراء انتفاخ أصول البنوك المصرية

البنك المركزي المصري

 

مرت البنوك المصرية العام الماضي بظروف صعبة نتيجة استمرار نقص العملات الأجنبية فيها، وعجزها عن تلبية مطالب الشركات لتدبير العملات الأجنبية للإفراج عن المواد الخام ومستلزمات الإنتاج المكدسة بالموانئ، إلى جانب تكرار رفع الفائدة أربع مرات خلال العام بإجمالي 8% مما أثر في صعوبة اقتراض الشركات وصعوبة سدادها ما عليها من مستحقات للبنوك.

ورغم ذلك فقد أشارت بيانات البنك المركزي حول أداء البنوك في العام الماضي التي أعلنها قبل أيام، إلى معدلات نمو عالية حيث زادت الودائع بنسبة 33% والقروض بنمو 32% والأوراق المالية والاستثمارات في أذون الخزانة وسندات الخزانة بنمو 33% مما أدى لنمو الأصول بنسبة 32%.

وهي نسب نمو يتفاخر بها مسؤولو البنوك وغيرهم من المسؤولين عن الملف الاقتصادي رغم ما أعلنته وزيرة التخطيط عن تراجع معدلات النمو، واستمرار حالة الركود في الأسواق خلال كل شهور العام الماضي حسب مؤشر مديري المشتريات، وتراجع قيمة تحويلات المصريين بالخارج عبر القنوات الرسمية.

وحتى نوضح أسباب تلك المعدلات المرتفعة للنمو، دعونا نبدأ بمعدل نمو الودائع الذي بلغ 33%، حيث جاء هذا المعدل نتيجة عاملين رئيسين، أولهما أن هناك ودائع بالعملات الأجنبية يقوم البنك المركزي بإعلان أرقامها بالجنيه المصري، ومن الطبيعي أن وديعة بقيمة ألف دولار ببداية العام الماضي كانت قيمتها تعادل 15 ألف و71 جنيهًا مصريًا في الشهر الأول من العام، بينما الألف دولار نفسها بلغت قيمتها بالجنيه في الشهر الأخير من العام 24 ألفًا و74 جنيهًا مصريًا بنسبة نمو 57% خلال العام.

فوائد شهادات الادخار تضخم الودائع

ولهذا كان يجب أن يذكر البنك المركزي نسبة النمو للودائع باستبعاد أثر سعر الصرف، حتى يمكن التعرف إلى نسبة النمو الحقيقية للودائع مثلما فعل عام 2016 بعد التعويم الذي جري في شهر نوفمبر/تشرين الثاني منه، حيث ذكر وقتها أن معدل نمو الودائع خلال العام 42%، وباستبعاد أثر سعر الصرف تصل نسبة النمو للودائع إلى 21% عام 2016.

وفي محاولة من جانبنا لاستبعاد أثر سعر الصرف في الودائع بالعملات الأجنبية مقومة بالجنيه المصري، التي ذكر البنك المركزي أنها زادت بنسبة 79% خلال العام الماضي، فقد حولنا قيمتها الإجمالية إلى الدولار في بداية العام وفي آخره، وكانت النتيجة زيادة القيمة من 51.340 مليار دولار إلى 60.842 مليار دولار بنسبة 18.5% فقط، مع الأخذ في الاعتبار أن تلك الزيادة البالغة 9.502 مليارات دولار ليست كلها ودائع جديدة بالعملات الأجنبية، وإنما جانب منها عبارة عن زيادة سعر الفائدة الذي تم خلال العام.

ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي زادت البنوك أسعار الفائدة على شهادات الإيداع الدولارية ذات الثلاث سنوات والخمس سنوات، من 2.25% إلى 5.3% للعائد السنوي ذاته، كما زادت في الشهر نفسه أسعار الفائدة على الودائع سواء بالدولار أو باليورو أو بالجنيه الإسترليني، وبعد أن كانت الفائدة على الودائع باليورو صفر بالمائة أصبحت 0.4% وزادت للدولار من 0.9% إلى 2.9%.

بالطبع سيتساءل البعض عن نسبة النمو بالودائع غير الحكومية بالجنيه المصري، التي بلغت 21% حيث أنها خالية من أثر سعر الصرف، لكن هذه النسبة للنمو لا تعبّر كلها عن تدفق ودائع جديدة بالجنيه المصري، حيث أن جانبًا كبيرًا منها عبارة عن قيمة الفوائد الداخلة بها، حيث بلغت متوسط نسبة الفوائد على الودائع بالجنيه ببداية العام 7.5%، ثم جاءت نسبة زيادات الفوائد خلال العام والبالغ مجموعها 8%.

وهنا سيقول البعض أن هناك جانبًا من الودائع عبارة عن حسابات جارية لا تتقاضى فائدة، وهو أمر صحيح جزئيًا حيث أن بعض البنوك تمنح فوائده للحسابات الجارية فيها، وحسب بيانات لجهاز الإحصاء الحكومي عن التوزيع النسبي لودائع الأفراد كانت نسبة 7% منها فقط عبارة عن حسابات جارية.

بينما كانت نسبة 60% منها شهادات ادخار، وخلال العام الماضي طرحت البنوك الحكومية شهادات ادخار بالجنيه المصري بفائدة 18% في شهر مارس/آذار، ثم طرحت شهادات ادخار بالجنيه في شهر أكتوبر/تشرين الأول بفائدة 17.25%.

القروض والاستثمارات وانتفاخ الأصول

وما ينطبق على الودائع ينطبق على القروض، حيث ذكرت البيانات نموها بنسبة 32% خلال العام، حيث يدخل بتلك النسبة أثر سعر الصرف في القروض بالعملات الأجنبية، فإذا كانت نسبة نمو القروض بالعملات الأجنبية مقومة بالجنيه المصري في العام الماضي 52% فإن معدل نمو سعر الصرف 57%، ولاستبعاد أثر سعر الصرف كانت نسبة النمو لأرصدة القروض بالعملات الأجنبية ما بين بداية العام ونهايته أقل من 4%، وهي النسبة التي تشمل زيادات الفوائد على القروض بالعملات الأجنبية.

والأمر نفسه للقروض بالجنيه المصري التي زادت خلال العام بنسبة 24%، لتشمل نسبة الفائدة ببداية العام البالغة 13.5% كمتوسط للفائدة على القروض، وأضيف لها زيادات أسعار الفائدة خلال العام.

ويتكرر أثر سعر الفائدة مع استثمارات البنوك في أذون الخزانة التي زادت قيمتها خلال العام بنسبة 41%، لتعويض خروج الأجانب خلال غالبية شهور العام، حيث زادت الفائدة على أذون الخزانة لمدة ثلاثة أشهر من 11.6% في العام الأسبق إلى 18.1% في العام الماضي، وتزيد الفائدة على سندات الخزانة عن ذلك، لكونها متوسطة وطويلة الأجل.

ولأن القروض تمثل نسبة 36% من إجمالي أصول البنوك، والاستثمارات في أذون وسندات الخزانة تمثل نسبة 37% من الأصول، أي أن كليهما يمثلان نسبة 73% من الأصول، فيمكن من خلال ذلك تفسير النمو الكبير للأصول في العام الماضي.

وبصرف النظر عن نسب النمو لمكونات أصول البنوك والتزاماتها، فإن الأهم هي مؤشرات السلامة المصرفية للبنوك في العام الماضي بالمقارنة للعام الأسبق، وهنا سنجد تراجعًا بالعديد من المؤشرات، ففي مؤشرات كفاية رأس المال انخفضت المؤشرات الأربعة في العام الماضي عما كانت عليه بالعام الأسبق.

وفي مؤشرات جودة الأصول انخفضت نسبة القروض المقدمة للقطاع الخاص من إجمالي القروض، وفي مؤشرات نسبة تغطية السيولة انخفضت النسبة سواء بالعملة المحلية أو بالعملات الأجنبية، كذلك انخفضت نسبة القروض إلى الودائع سواء بالعملة المحلية أو بالعملات الأجنبية.

وانخفض عدد البنوك إلى 37 بنكًا بسبب دمج بنك عودة في أبو ظبي الأول، كما ينتظر إنقاضها بنكًا آخر مع اكتمال دمج بنك بلوم في بنك أ بي سي، وخلال العام انخفض عدد فروع البنوك  بينما زادت ماكينات الصرف الآلي بحوالي ثلاثة آلاف ماكينة.

 

المصدر : الجزيرة مباشر