الساعات الحاسمة.. إلى أين تتجه الأمة التركية؟

يوم طويل جدا بدأ منذ ساعات هذا الصباح ويمتد طوال ليلته المتعبة والمرهقة لكل من يتابع الأحداث في تركيا. أنفاس محبوسة تخرج من جوف أجساد أرهقتها فترة انتخابات مليئة بأحداث ومنافسات لم تحسم نتيجة التنافس على مقعد الرئاسة في دولة باتت محورية خلال سنوات القرن الحادي والعشرين.

لا أحد في العالم يستطيع أن ينكر الدور التركي، حتى هؤلاء الذين يتمنون إزاحة تركيا عن دورها، وأظهروا ميلهم مؤخرا بشكل واضح. تمضي الساعات القادمة ثقيلة ومرهقة على الجميع في انتخابات لا تعرف التوقعات، أنظار أنصار كل مرشح تتجه إلى حركة القادمين نحو أماكن الاقتراع، فكل صوت في هذه المعركة قد يرجح كفة مرشح عن آخر وتلك هي الديمقراطية.

ساعات، قد تبيت تركيا ليلة الاثنين الخامس عشر من مايو/أيار الجاري وقد عرفت وجهتها خلال سنوات قادمة هي بداية مئوية الجمهورية الثانية. وهذا الاحتمال يبدو ضئيلا فحسم معركة الرئاسة من الجولة الأولى لا تتعدى نسبة حدوثه 1%، وهي نسبة الفوز لأي مرشح أيضا سواء أُعلنت النتيجة بفوز أحدهما مساء اليوم، أو اتجهت تركيا بمرشحين للرئاسة إلى جولة آخرى نهاية الشهر الحالي. أما الانتخابات التشريعية فصبيحة الغد تكون قد أُعلنت نتائجها وعرف كل حزب من الأحزاب المتحالفة سواء في تحالف الجمهور الحاكم، أو في تحالف الشعب المعارض، وبدأت تظهر ملامح التحالف الذي سيشكل الحكومة القادمة.

تركيا إلى أين؟

الجميع في تركيا وحولها يحبس الأنفاس في انتظار ظهور اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات في العاشرة من مساء اليوم، فإلى أين ترسو سفينة الدولة التي وضعت قدميها أخيرا في السياسات العالمية بتوازن كبير، ولعبت دورا هائلا في أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك بتوقيع اتفاقية الحبوب بين الدولتين، واحتفظت تركيا حتى الأسبوع الماضي بهذا الدور، وتتمتع بمساحة علاقات مع الجميع بشكل متوازن، سواء الدول الغربية والولايات المتحدة أو الشرق ممثلا في روسيا، الصين، إيران، وأخيرا انفتحت في علاقات مع المملكة السعودية، الإمارات، وبدأت مباحثات مع سوريا، فضلا عن اتجاه لعودة علاقتها مع مصر، إضافة إلى تلك العلاقة المتميزة مع قطر.

الاتجاه السابق للدولة التركية قد يشهد تغيرات حال اتجهت تركيا إلى كفة تحالف الأمة، فالمرشح الرئاسي للتحالف أعلن موقفا من اللاجئين السوريين في تركيا البالغ عددهم قرابة الخمسة ملايين، وقال إنه سيرحلهم إلى بلدهم، ويأخذ موقفا من العرب الموجودين في تركيا وهؤلاء ليسوا أعدادا قليلة، ووجودهم فيها ليس وليد ظرف سياسي فقط.

اتهم مرشح تحالف الأمة روسيا في أيام حملته الأخيرة بأنها قد تتلاعب بنتائج الانتخابات لصالح الرئيس التركي الحالي ومرشح تحالف الجمهور رجب طيب أردوغان، وقد تسبب هذا في أزمة مما اضطر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يعلن أن بلاده لا تتدخل في الشؤون التركية، إضافة إلى ذلك فقد أعلن مرشح المعارضة ميلا كبيرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأوربا وموافقته على توسيع حلف الناتو، كل هذا يعني ميلا تجاه الغرب وأمريكا، وقد علق الرئيس التركي قائلا إن التوازن التركي هو رمانة ميزانها كدولة موثوق فيها من الجميع.

صراع الوعود والتصريحات

شهدت الأيام الأخيرة وعودًا وتصريحات متبادلة للتحالفين الأكبر في الانتخابات خاصة بعد انسحاب المرشح الثالث القوي محرم إنجه الذي تعرض لتسريبات صحفية وتهديدات، وهو المرشح الذي نافس في الانتخابات السابقة وحصل على 30% من الأصوات في مواجهة الرئيس التركي. وشهد حزب البلد وهو حزب المرشح المنسحب صدمة كبيرة، واستقال عدد من قياداته في الأقاليم وانضموا إلى تحالف الجمهور الحاكم، ولا يدري أحد إلى من تتجه الأصوات التي تتدفق إلى اللجان الانتخابية الآن وكان نيتها التصويت له، بينما قال إنجه إنه ينسحب حتى لا تحمله المعارضة نتيجة فشلها.

وعود المرشحين تتوالى فقد وعد كمال كليجدار أوغلو المرشح المعارض أن الأزمات الاقتصادية سوف تتلاشى صبيحة يوم إعلان النتيجة، وقال إن سعر الليرة التركية سوف يرتفع في مواجهة الدولار، وقد شهد سعر الليرة أمام الدولار انخفاضا كبير قبل التصويت بأيام قليلة حتى إنه ارتفع بمقدار ليرة ونصف في الـ48 ساعة الماضية.

يعد المرشح المعارض الأتراك بعودة السوريين إلى بلادهم، وأيضا بنهوض الاقتصاد التركي والتحالف القوي مع الغرب والولايات المتحدة، والموافقة على كل شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوربي. يذكرني كليجدار أوغلو بوعود أنور السادات في مصر بعد قرارات الانفتاح الاقتصادي، وعقد معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني.. وعود الرخاء التي لم يتحقق منها شيء، كما يذكرني بالرئيس السوفيتي صاحب البيروسترويكا ميخائيل جورباتشوف، وما وعد به الشعب السوفيتي في عام 1989.

الرئيس التركي ومرشح تحالف الجمهور الحاكم أصدر عدة قرارات خلال الأيام الماضية، كان أهمها رفع الحد الأدنى للأجور في تركيا إلى 22 ألف ليرة بما يعادل 1000 دولار الآن، وكان 1100 عند صدور القرار عشية الخميس الماضي، يبدو أن هناك صراعا في سعر العملة يمتد أثره على الانتخابات التي نتابعها ونحن نقرأ هذا المقال.

وعود الرئيس التركي تتعلق أيضا بإزالة أثار الزلزال وعودة كل المضارين إلى أماكنهم خلال هذا العام، أيضا مع بداية التنقيب على الغاز الطبيعي والبترول كانت الوعود بإنتاج يتعدى الـ100 مليار دولار، يضاف إلى ذلك استمرار تركيا في صناعاتها العسكرية التي حققت فيها تطورا كبيرا خلال الأعوام السابقة، وصناعاتها الآخرى في مجال السيارات والصناعات الثقيلة.

كل ما حدث خلال الفترة الماضية في معركة انتخابية انتهت مساء السبت ببداية فترة الصمت الانتخابي لا يحسم المعركة التي يتابعها العالم الآن، وخلال الساعات القادمة حتى إعلان النتيجة الليلة أو استمرار هذا اليوم الطويل أسبوعين قادمين.

الحاسم الوحيد لها هو الصوت الانتخابي التركي والاتجاه الذي يختاره الأتراك في تلك الساعات؛ فهل يذهبوا إلى دولة محورية في المنطقة شهدنا حرب الإعلام الغربي عليها؟ أم يصوت الأتراك لبيروسترويكا تركية غافلين عما تم من دروس التاريخ؟ على كل الأحوال فإن أهم ما يميز التجربة أنه لا أحد يستطيع أن يعرف النتيجة إلا مع دقات العاشرة حين يعلن رئيس الهيئة العليا للانتخابات اسم الفائز، أو جولة إعادة. ما نتمناه أن يمر إعلان اسم الفائز والأيام القادمة على خير بلا شغب أو احتجاجات تؤلم الأمة التركية.

المصدر : الجزيرة مباشر