هل يساهم البنك الأفريقي في حل مشكلة سداد الدين المصري؟

رئيس بنك التنمية الأفريقي، أكينوومي أديسينا، يلقي نظرة على جواكيم شيسانو، الرئيس السابق لدولة موزمبيق الواقعة في جنوب أفريقيا، خلال اجتماع لتصفية الديون في العاصمة هراري بزيمبابوي في 15 مايو 2023

تشير بيانات البنك المركزي المصري إلى الحاجة إلى سداد 22.4 مليار دولار خلال العام الحالي، من أقساط وفوائد القروض الطويلة والمتوسطة الأجل، 11.7 مليار دولار منها في النصف الأول من العام، و10.7 مليارات دولار في النصف الثاني منه، وذلك فضلًا عن 27 مليار دولار من أقساط وفوائد القروض القصيرة الأجل.

وإذا كانت الإدارة المصرية قد اعتادت تجديد القروض القصيرة الأجل، فإن الأمر يظل الأمر منصبا على أقساط وفوائد الدين المتوسطة والطويلة الأجل، خاصة أنها تتضمن أقساطًا لبعض إصدارات السندات التي أصدرتها مصر بالخارج، بينها سند بقيمة 1.3 مليار دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وأقساطًا لقروض من مؤسسات تمويل دولية وإقليمية من الصعب تجديدها، تبلغ قيمتها 7.9 مليارات دولار العام الحالي، 4 مليار دولار منها تحلّ في النصف الثاني من العام.

وتزداد صعوبة تسديد أقساط وفوائد القروض في ظل نقص الدولار منذ فبراير/ شباط من العام الماضي، والحاجة إلى كمّ دولاري أيضا للواردات السلعية والخدمية الضرورية، وفي ضوء الاجتماعات السنوية للبنك الأفريقي للتنمية بمدينة شرم الشيخ المصرية حاليا، يثور هذا السؤال: هل يمكن أن يساعد البنك مصر على سداد تلك الديون؟ خاصة أن مجموعة البنك الأفريقي تضم إلى جانب البنك: صندوق التنمية الأفريقي وصندوق نيجيريا الائتماني وبعض الصناديق الثنائية الأخرى.

  شروط الصندوق الأفريقي لا تتوفر في مصر

وللإجابة عن هذا السؤال يتطلب الأمر التعرف على مجموعة البنك الأفريقي، حيث يعد البنك الذي تم تأسيسه عام 1964 هو المسؤول الأكبر عن النشاط الإقراضي، في حين يختص صندوق التنمية الأفريقي الذي تأسس 1972 بإقراض الدول الأفريقية ذات الدخل المنخفض بشروط ميسّرة.

ولأن مصر من دول الدخل المتوسط فإنها لا يمكن أن تستفيد من قروض الصندوق، مثلها في ذلك أربع دول عربية أخرى هي: ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، ولكن يمكن لخمس دول عربية أفريقية أخرى الاستفادة من قروض الصندوق، وهي: السودان والصومال وموريتانيا وجيبوتي وجزر القمر.

أما صندوق نيجيريا الائتماني فهو صندوق صغير الحجم تبلغ أصوله 181 مليون دولار، ويتجه نشاطه إلى الدول الأفريقية الفقيرة، ولم يستفد من قروضه من الدول العربية الأفريقية سوى موريتانيا، أما الصناديق الائتمانية والثنائية الموجودة بمجموعة البنك الأفريقي، فهي منشأة من خلال منح من الدول الغربية عادة، وقيمتها صغيرة، وقد اقترضت مصر من أحدها وهو صندوق أفريقيا ننمو معا قيمة 48 مليون دولار حاليا.

وللتدليل على عدم قدرة بنك التنمية الأفريقى على مساعدة مصر لسداد ما عليها من ديون ، نجد أن إجمالى إقراض البنك الأفريقى للدول الأفريقية عام 2021 ، قد بلغ 4.5 مليار وحدة حسابية – الوحدة الحسابية تعادل 1.4 دولار – مقابل 4.2 مليار وحدة حسابية عام 2020 ، وبالفترة من عام 2012 وحتى 2021 كان أعلى رقم للإقراض السنوى 7.3 مليار وحدة حسابية عام 2019 ، وهكذا فإن قروض البنك لكل الدول الأفريقية تقل عن المطلوب لسداد أقساط فوائد الدين الخارجى المصرى فى نصف عام .

   أولويات للتمويل وتوزيع على 5 مناطق

وبالتعرف على قروض البنك الأفريقي لمصر منذ عام 2013 حسب بيانات البنك الأفريقي، نجد أنها بدأت بقيمة أقل من 4 ملايين وحدة حسابية -الوحدة الحسابية تعادل حوالي 1.4 دولار- وظلت تتزايد لتبلغ أعلى رقم سنوي عام 2015 بقيمة 513 مليون وحدة حسابية، ثم تراجعت القيمة السنوية مع تذبذب قيمتها لتصل إلى 211 مليون وحدة حسابية عام 2021، ليصل إجمالي أرصدة إقراض الصندوق لمصر بنهاية عام 2021 نحو 2.3 مليار وحدة حسابية.

وتحتل مصر المركز الثالث بأرصدة قروض الصندوق المتراكمة على دول القارة، التي تصدرتها المغرب بقيمة 4.3 مليارات وحدة حسابية ثم تونس 2.8 مليار وحدة حسابية، ثم تلي مصر نيجيريا وجنوب أفريقيا.

وهناك خمس أولويات للتمويل بالبنك الأفريقي هي: إضاءة أفريقيا وإمدادها بالطاقة، والثاني إطعام أفريقيا من خلال تمويل المشروعات الزراعية والمياه والطرق الفرعية، والثالث تصنيع أفريقيا وتمويل المؤسسات الصغيرة والصغيرة جدًّا، والرابعة تحقيق التكامل أفريقيا من خلال مشروعات الطرق وخدمات النقل والخامسة تحسين جودة حياة الناس في أفريقيا، من خلال تمويل مشروعات توصيل المياه والصرف الصحي والتعليم والتدريب.

كما أن أنشطة البنك يجب أن تتوزع على خمس مناطق جغرافية هي: شمال أفريقيا وشرق أفريقيا ووسط أفريقيا وغرب أفريقيا وجنوب أفريقيا. ففي عام 2021 توزع النشاط الإقراضي للبنك بنسبة 29% للغرب، و23% للشرق ومثلها للوسط، و18% للجنوب و14% للشمال الذي يضم البلدان العربية الأفريقية.

    41 % حصة الدول الغربية في التصويت بالبنك

ومن المهم أيضا التعرف على آلية الموافقة على القروض بالبنك، إذ إن الدول الأفريقية الأربع والأربعون الأعضاء في البنك تستحوذ على نسبة 59% من القوة التصويتية، في حين أن نسبة حوالي 41% من القوة التصويتية تحوزها 27 دولة غير أفريقية معظمها من الدول الغربية، تتصدرها الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة حوالي 6.5% واليابان بـ5.4% وألمانيا بـ4% تليها كندا وفرنسا وإيطاليا بـ2.4%.

ويقل نصيب باقي الدول ليصل إلى 1.2% للصين وثلاثة في الألف للهند واثنين في الألف للبرازيل، ولا يصوت في البنك من العرب سوى دولتين هما الكويت بنسبة أربعة في الألف والسعودية باثنين في الألف، ومن الدول الإسلامية غير العربية والأفريقية توجد تركيا وحدها وتصوّت بنسبة أربعة في الألف.

وبالعودة إلى القوة التصويتية للدول الأفريقية البالغة 59%، نجد أن الدول العربية الأفريقية العشر تستحوذ على نسبة 19% منها، تتقدمها مصر بنسبة 6% فالجزائر بـ5%، والمغرب أقل من 4%، أما أعلى الدول الأفريقية غير العربية في القوة التصويتية، فهي نيجيريا بنسبة 9.3% وجنوب أفريقيا بـ5% وغانا بـ2.2% وزيمبابوي بـ1.7%، وهو ما يعني ضرورة حشد قوة تصويتية كافية للحصول على القروض من البنك من بين 81 دولة أعضاء فيه.

ويرتبط بذلك بلوغ عدد العاملين بالبنك الأفريقي بنهاية 2021 نحو 2095 موظفا، منهم 1790 موظف من الدول الأفريقية و305 موظفين من الدول غير الأفريقية، وبالدول الأفريقية كان أعلى نصيب لساحل العاج بـ294 موظفا، تليها تونس بـ123 موظفا ثم نيجيريا بـ119 موظفا، بينما كان نصيب مصر 22 موظفا. أما بالنسبة للدول غير الأفريقية فتصدرتها فرنسا بنحو مئة موظف، والولايات المتحدة بـ48 موظف وكندا بـ44 موظفا، ولم يكن هناك موظفون من تركيا والسعودية والكويت.

وتشير بيانات البنك المركزي المصري الخاصة بالدين الخارجي بنهاية سبتمبر/ أيلول الماضي وهي آخر بيانات متاحة، إلى أن قروض بنك التنمية الأفريقي لمصر قد بلغت أرصدتها مليارين و592 مليون دولار، فضلًا عن 115 مليون دولار لصندوق التنمية الأفريقي وهو دين قديم تتناقص قيمته تدريجيا حسب سداد أقساطه.

وفضلا عن 48 مليون دولار من صندوق أفريقيا ننمو معا، ليصل الإجمالي إلى  مليارين و755 مليون دولار، وهو ما يعادل نسبة 5.5% من إجمالي دين مصر للمؤسسات الدولية والإقليمية العشرين البالغ 49.7 مليار دولار حينذاك، التي يتصدرها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

  5 % نصيب التمويل الأفريقي بالدين المصري

وخارج مجموعة البنك الأفريقي كان هناك ملياران و876 مليون دولار قرضا متوسط الأجل، من بنك الاستيراد والتصدير الأفريقي إلى جانب قيام البنك بإقراض مصر ملياري دولار قرضًا قصير الأجل، وبهذا تبلغ ديون مصر حاليا لكل الجهات الأفريقية 7.6 مليارات دولار من إجمالي الديون البالغة 155 مليار دولار حينذاك بنسبة أقل من 5% من الإجمالي.

ولهذا كان تصريح رئيس البنك الأفريقي الشهر الماضي بتقديم البنك تسهيلا لمصر بقيمة 735 مليون دولار العام الحالي، يتضمن ضمان إصدار مصر سندات الباندا الصينية بقيمة 345 مليون دولار، التي تزمع مصر إصدارها قريبا بقيمة نصف مليار دولار.

وهو ما يفسر تركيز الحاكم المصري خلال حديثه لأعضاء المؤتمر السنوي للبنك بشرم الشيخ، على دعوة المؤسسات التمويلية المتعددة الأطراف إلى إعادة النظر في المعايير والشروط التي تؤهل الدول، للحصول على قروض ميسرة بحيث تكون متاحة للدول المنخفضة والمتوسطة الدخل على حد سواء، خاصة في ظل تصاعد تكلفة الاقتراض وزيادة أعباء خدمة الدين، وما لذلك من انعكاسات سلبية على الموازنات المالية لتلك الدول.

وهي الدعوة التي سبق أن أعلنها منتصف يوليو/ تموز من العام الماضي خلال لقائه المستشار الألماني في برلين، لتوسيط الدول الأوربية لدى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإقناعهما بأن الواقع في مصر لا يتحمل المعايير المعمول بها للإقراض، والتي كررها أيضا بالقمة الأفريقية الأمريكية منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لكن يبدو أن لا توجد استجابة لمطلبه من كلا من المؤسستين الدوليتين حتي الآن، في ضوء إصرار الصندوق على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من مرونة لسعر الصرف، وإتاحة المجال للقطاع الخاص بالنشاط الاقتصادي، وبيع جانب من الأصول العامة، واعتبار ذلك شروطا مسبقة للحصول على القسط  الثاني من قرض الصندوق الذي كان موعده منتصف مارس/ آذار الماضي.

المصدر : الجزيرة مباشر