“التيار الحر”.. هل يعيد تشكيل المشهد الحزبي في مصر؟

المؤتمر الصحفي للتيار الحر، يظهر أقصى اليمين طلعت خليل عضو البرلمان السابق والقيادي بحزب المحافظين، وإيهاب الخولي عضو مجلس النواب السابق، ثم جميلة إسماعيل رئيس حزب الدستور، وفي أقصى اليسار محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية.

 

بعد حوارات استمرت أشهرًا عدة، وتأجيل تلو تأجيل، ظهر أخيرا “التيار الحر” ممثلا لأربعة أحزاب ليبرالية مصرية (المحافظين- الدستور- الإصلاح والتنمية- مصر الحرية)، إضافة إلى بعض الشخصيات المستقلة، وأعلن التيار عن ولادته في مؤتمر صحفي بمقر أحد أحزابه المؤسّسة، طرح خلاله برنامجه الذي يميزه عن غيره من التيارات، ولوحظ أنه برنامج منقوص حيث اقتصر على القضايا الاقتصادية دون السياسية، وربما كان الأمر مقصودا من مؤسسيه تجنبا لبعض الألغام، وإن فرضت القضايا السياسية نفسها على المؤتمر الصحفي للمؤسسين الذين طالبوا بضمانات حقيقية للانتخابات المقبلة، مؤكدين أن ما جرى في انتخابات 2018 لا يمكن تكراره.

ولادة التيار الحر كانت بمثابة حجر في بركة السياسة المصرية الآسنة منذ عشر سنوات، وقد جاءت ولادته مواكبة للحديث عن الانتخابات الرئاسية التي ستبدأ إجراءاتها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والتي أعلن التيار في مؤتمره الصحفي أنه يفكر في خوضها بمرشح منه، أو من خارجه حال توفر الضمانات الكافية، كما جاءت متزامنة مع حوار وطني شكلي، ظهرت من داخله كتلة ليبرالية أخرى تسمى “كتلة الحوار” تضم بضع شخصيات أقرب إلى السلطة بل هي صنيعتها، ولم تعلن برنامجا واضحا لكنها احتمت وتدثرت فقط بمظلة ومسمى الحوار، وتستعد لإشهار نفسها حزبا جديدا، وجاءت ولادة هذا التيار أيضا في ظل حراك إعلامي تقوده بعض المبادرات والمواقع الصحفية الجديدة التي تبنت لغة إعلامية مختلفة عن الإعلام الرسمي، واستضافت شخصيات محرومة من الظهور في ذلك الإعلام قالت كلاما لم يعتد المصريون سماعه طيلة السنوات العشر الماضية.

تجفيف الحياة الحزبية

الحياة الحزبية كما غيرها من مظاهر الحياة في مصر عاشت منذ انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 عشرية سوداء، حيث أُغلقت أحزاب عدة كبرى مثل حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي للإخوان المسلمين، وحزب البناء والتنمية الجناح السياسي للجماعة الإسلامية، وحزب الاستقلال، كما جُمدت أحزاب أخرى مثل حزب مصر القوية، وحزب الوسط، واختفت الأحزاب السلفية باستثناء حزب النور، كما انكمشت الأحزاب الليبرالية واليسارية داخل مقراتها، وتراجع تمثيلها البرلماني إلى حد التلاشي، رغم أنها كانت جزءا من منظومة 30 يونيو/حزيران.

رغم أن المشهد الحزبي كان أكثر ازدهارا بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، فإن الحدود لم تكن واضحة بين الأحزاب الليبرالية وتلك اليسارية، فجميعها كانت تتحدث لغة متقاربة، وكان غالبية المصريين يصفونها في مجملها بالأحزاب الليبرالية، ترى مثلا شخصا يساريا طيلة حياته، أو ناصريا قحا (فريد زهران أو حسام عيسى، أو خالد داود نموذجا) يرأس أو يتولى موقعا قياديا في حزب ليبرالي مثل المصري الديمقراطي أو الدستور، ترى أحزابا يسارية متشابهة إلى حد التطابق في برامجها مثل التجمع والتحالف الشعبي والاشتراكي المصري، وأخرى ناصرية لا يميزها عن بعضها سوى قادتها مثل الحزب الناصري والكرامة والوفاق وهكذا دواليك، والأمر نفسه ينطبق على الأحزاب الإسلامية وخصوصا السلفية.

100 حزب.. ولكن!

في مصر الآن أكثر من 100 حزب، والمعروف منها لا يتجاوز العشرة، وأكبرها حزب الأغلبية البرلمانية الذي أسسته جهات أمنية ورتبت له تحالفا انتخابيا منحه أغلبية البرلمان، لكن الحزب بدا هشا لا يقوى على المنافسة الحرة، في استنساخ مشوه للحزب الوطني الحاكم قبل يناير، ولو قررت الجهات الراعية رفع يدها عنه فإنه سيتبخر في ساعات، كما تبخر الحزب الوطني في اللحظات الأولى لثورة يناير.

تمتلك مصر تجربة حزبية طويلة ولكنها متقطعة، بدأت مطلع القرن العشرين وتحديدا في العام 1907 بتأسيس حزب الأمة (أحمد لطفي السيد) وحزب الإصلاح الدستوري ( الشيخ علي يوسف) والحزب الوطني ( مصطفى كامل) وبعض الأحزاب الأخرى، ثم كانت الموجة الكبرى بعد ثورة 1919 بتأسيس حزب الوفد، الذي انبثقت عنه أحزاب مثل السعديين، والكتلة الوفدية، مع ظهور أحزاب أخرى مثل الاتحاد، والشعب، ومصر الفتاة، وأحزاب شيوعية وجماعة الإخوان المسلمين، وكانت الفترة منذ ثورة 1919 وحتى يوليو 1952 هي فترة الازدهار الحزبي والسياسي، وتناوبت أحزاب عدة على رئاسة الحكومة في ظل ملكية دستورية.

نحو مشهد جديد

كان أحد “الإنجازات الأساسية!!” لحركة الضباط هي القضاء على الحياة الحزبية بزعم فسادها، فألغت الأحزاب وصادرت ممتلكاتها، وعزلت قادتها سياسيا، بل وضعت الكثيرين منهم في السجون بعد محاكمات عبثية، وظل الأمر كذلك حتى النصف الثاني من السبعينيات حين قرر الرئيس السادات استعادة الحياة الحزبية تدريجيا، بدءا بما سُمي المنابر، ثم تحويلها إلى أحزاب، لكن التجربة ظلت مشوهة من خلال وجود حزب مهيمن على السلطة مثّل امتدادا للاتحاد الاشتراكي الذي كان الحزب الوحيد من مطلع الستينيات وحتى منتصف السبعينيات، وزاد الطين بلة ترؤس رئيس الجمهورية لهذا الحزب (الحزب الوطني) الذي ظل مهيمنا على المشهد السياسي أكثر من 30 عاما حتى قيام ثورة 25 يناير 2011 التي أنهت وجوده، وإن توزع رجاله على أحزاب جديدة بعد الثورة وحتى الآن.

من الجيد أن تُشكّل أحزاب ليبرالية تيارا يميزها عن غيرها من الأحزاب، ومن المهم أن تحذو الأحزاب اليسارية والناصرية وما تبقى من الأحزاب الإسلامية حذوها، فتُشكّل مظلات نوعية خاصة بها، ليتمكن الشعب من تمييز بعضها عن بعض، وليحدد موقفه تجاهها، وحتى يتم إنهاء حالة العشوائية الحزبية، وبدء حياة حزبية حقيقية لا تكتمل إلا برحيل الحكم العسكري، وفتح المنافسة السياسية الحرة، والتداول السلمي الحقيقي للسلطة، وإعادة الأحزاب الإسلامية المحظورة أو المجمَّدة.

المصدر : الجزيرة مباشر