آثار وسائل التواصل الاجتماعي على الفرد والمجتمع

تعتبر السرعة من أهم سمات عصرنا، لا بل إنها أبرز صفة له، ولذلك يسمى هذا العصر “عصر السرعة”. والسرعة صفة حميدة ومطلوبة في العديد من المواطن، لكنها في بعض الأحيان مضرة، وقد شرح هذه الجدلية شاعر العصر الأموي القطامي عمرو بن شييم فقال:

قد يدرك المتأني بعضَ حاجته * وقد يكون مع المستعجل الزللُ

وربما فات قومًا بعضَ أمرهمُ * من التأني وكان الحزم لو عجِلُوا

فهناك وسائل النقل السريعة التي اختصرت الزمن وقاربت بين أبعد الأماكن في العالم، حتى أصبح العالم قرية صغيرة، وفي المقابل نجد الوجبات السريعة التي أزالت المتعة من تناول الطعام وكان لها العديد من الآثار الضارة على الصحة. لن نتحدث هنا عن أهمية السرعة أو الآثار السلبية للتأخر في المواضع التي تستلزم الحزم، بل سنتحدث عن مخاطر التعجيل بالشيء قبل أوانه، وخصوصًا الاستعجال في إدخال المبتكرات الحديثة من دون أخذ الوقت المطلوب لدراسة آثارها البعيدة على الأفراد والمجتمعات، وسوف يقتصر حديثنا على واحدة منها، وهي وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعتبر من أبرز المكتشفات الحديثة التي أحدثت متغيرات كبيرة في حياة الناس، وهي في نفس الوقت من أوضح الأمثلة على التسرع في إدخال تطبيقات التكنولوجيا من دون إدراك لآثارها البعيدة على الأفراد والمجتمعات، مع تقديم بعض المقترحات العملية التي من شأنها التخفيف من الأضرار وزيادة المنافع.

النمو السريع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي

يعتبر تطور وسائل التواصل الاجتماعي من أسرع الظواهر التي نعيشها اليوم، وهذه الظاهرة حديثة جدًّا، إذ تعود بداية استخدامها إلى إطلالة القرن الحالي، وبالتحديد عند وصول أول موقع للتواصل الاجتماعي (MySpace) إلى مليون مشارك عام 2004.

أما اليوم فهناك العديد منها ويبلغ عدد مستخدميها أكثر من 4.8 مليارات مستخدم، أي ما يعادل 60% من سكان العالم، وهذا الرقم يزداد سنويًّا بما يقارب 150 مليون مستخدم، والأهم من ذلك أن معدل الوقت الذي يقضيه كل مستخدم يصل إلى حوالي ساعتين ونصف يوميًّا، بمعنى أن عدد ساعات استخدام هذه الوسائل يصل إلى حوالي 12 مليار ساعة يوميًّا. هذه الأرقام تعطي فكرة واضحة عن انتشار هذه الوسائل، ولعل أحد أهم أسباب ذلك، هو أنها في ظاهر الأمر “مجانية”، أي أن المستخدم لا يدفع شيئًا مقابل الاستخدام، وهي فكرة خاطئة تمامًا لأن الخدمة إذا كانت مجانية فإن المستخدم هو الذي يكون البضاعة، وذلك من خلال قيام الشركات المالكة لهذه الوسائل باستخدام وقت المتابعة لتسويق البضائع، تدل على ذلك الأرباح الخيالية التي تجنيها تلك الشركات، حيث تبلغ القيمة السوقية لشركة ميتا المالكة لفيسبوك وواتس أب وإنستغرام حوالي 730 مليار دولار، وتعتبر إحدى أكبر عشر شركات في العالم.

الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي

النمو السريع لوسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها العالمي أفرز عدة محاذير بالنسبة للأفراد والمجتمعات، ونكتفي هنا بذكر بعض منها:

الخطر على الأمن القومي للدول
تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي من أكبر الأخطار التي تهدد اللحمة الوطنية للدول؛ وذلك بسبب سهولة استخدامها من قبل الدول والجماعات الخارجة على القانون لغرض الإرجاف من خلال بث الشبهات والأكاذيب وإثارة الفوضى في المجتمعات.

ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك التقرير الذي نشرته لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكي عن الجهود التي قامت بها المخابرات الروسية لبث الخلافات وإشاعة الفوضى في المجتمع الأمريكي قبل ست سنوات. وكان مما ذكره التقرير، أن المخابرات الروسية كانت تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي في بث الإشاعات وجمع المعلومات والسعي للنفاذ إلى الجماعات المعارضة في سبيل التأثير فيها، واستشهد التقرير بحادثة المركز الإسلامي في هيوستن، حيث قامت المخابرات الروسية بإنشاء جماعة متشددة الغاية منها معارضة تطبيق الشريعة الإسلامية في تكساس واتهمت المركز الإسلامي بالدعوة إلى ذلك. بالطبع لا أحد يدعو إلى تطبيق الشريعة في تكساس. كذلك قامت بإنشاء مجموعة أخرى للدفاع عن المركز الإسلامي، وقد بلغ الذين انتسبوا لكلا المجموعتين أكثر من مئتي ألف شخص، ثم أوحت إلى المجموعة الأولى بالدعوة إلى مهاجمة المركز الإسلامي وإلى المجموعة الثانية بالتحرك للدفاع عن المركز، وكانت الغاية إحداث صدام عنيف بين المجموعتين، لكن يقظة قوى الأمن في المدينة فوتت الفرصة.

وشرح التقرير كذلك الجهود التي قامت بها المخابرات الروسية للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين كلينتون وترمب قبل ست سنوات واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لبث الإشاعات حول كلينتون عشية الانتخابات، مثل الادعاء بأنها تنتمي لجماعة تأكل لحوم الأطفال. بالطبع فإن الأمر ليس محصورًا في روسيا، فجميع الدول أصبحت لديها جيوش من الذباب الإلكتروني تستخدمها لأغراضها الداخلية والخارجية والتأثير في الرأي العام. كذلك نذكر هنا اعتماد الجماعات الإرهابية والمتطرفة على وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أفكارها وتجنيد وتدريب الشباب على العمليات الإرهابية. وهذه الأمثلة وغيرها توحي بأن الفعاليات الأخطر في الحروب القادمة سوف تجري في العوالم الافتراضية.

الآثار الفكرية والاجتماعية لوسائل التواصل
لاشك في أن لتلك الوسائل دورًا محمودًا في توفير منصات البث والنشر أمام الناس، لأنها كسرت احتكار أصحاب المال والحكومات، فأصبح بإمكان أي شخص في أي مكان في العالم أن ينشر ما يشاء من دون الحاجة إلى شيء سوى جهاز اتصال ذكي. لكن هذه الميزة أفرزت وضعًا جديدًا وهو الكم الهائل من الغث مقابل القليل من المفيد، وأفرزت كذلك نمطًا من التفكير، ورفعت منزلة بعض الأفراد الذين لاهم لهم سوى نشر التافه والمثير من المواد والأفكار، لا لشيء سوى الحصول على أكبر عدد من المشاهدات وتحقيق الثراء من خلال ذلك، فنشأت طبقة من محترفي وسائل التواصل الاجتماعي لا إنجاز لهم سوى تسويق التفاهة، لدرجة أنه أصبح يشار إلى عصرنا هذا بأنه عصر “التفاهة”.

ومما يزيد خطورة الأمر أن عامة الناس لا يحسنون التمييز بين الغث والمفيد من المعلومات؛ مما يؤدي إلى فوضى فكرية. يقول المفكر الكندي آلان دونو (Deneault  Alain) صاحب كتاب “نظام التفاهة”: “نحن نعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة تتعلق بنظام أدى تدريجيا إلى سيطرة التافهين على جميع مفاصل الدولة الحديثة”.

وسائل التواصل الاجتماعي مصدر معلومات غير موثق به
يستخدم كثير من الناس وسائل التواصل للوصول إلى معلومات حول العديد من الأمور المهمة في حياتهم مثل الأخلاق والعقائد والقيم والمعاملات والسياسة والصحة. وقد تجلى دور وسائل التواصل الاجتماعي بجانبيه السلبي والإيجابي في أوضح صوره في أزمة كوفيد-19؛ إذ إن تلك الأزمة -بحسب أبحاث أجرتها منظمة الصحة العالمية- “أظهرت عملية التضخم الهائل وانتشار المعلومات الخاطئة حول الوباء على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الأخرى التي أثبتت الوقائع أنها بنفس خطورة الوباء على الصحة العامة. إن التقدم التكنولوجي ومواقع التواصل يمكن أن يمثلا فرصة للحفاظ على السلامة من خلال إيصال المعلومات، لكن تلك الوسائل لها القدرة أيضًا على تضخيم المعلومات الخاطئة التي تقف عائقًا أمام الاستجابة العالمية للوباء وتعرقل الإجراءات التي يمكن أن تساعد على السيطرة على الوباء”[†].

ومما زاد الأمر خطورة أن عددًا كبيرًا من الناس كان يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومات حول الوباء والوقاية منه، ومن ذلك النظرة إلى دور اللقاح في العلاج. وقد أجرى مركز “بيو للدراسات” استطلاعًا للرأي في الولايات المتحدة حول استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مصدرًا للمعلومات عن لقاح الكوفيد-19، حيث وجدت الدراسة أن حوالي نصف السكان في الولايات المتحدة (48%) يعتبرون أن مواقع التواصل الاجتماعي مصدر لبعض المعلومات (30%)، وأغلب المعلومات (18%) حول اللقاح[‡]. بالطبع هذه النسبة قد تكون أعلى بكثير في المجتمعات الأقل تطورًا من الولايات المتحدة. المشكل في الأمر أن المعلومات التي تبث من خلال المواقع ليست خاضعة لأي معيار من حيث المصداقية، لذلك كان لها الأثر السلبي الكبير الذي أشار إليه تقرير منظمة الصحة العالمية أعلاه.

خطر وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية والعقلية للشباب والأطفال
هناك جدل يدور حول أثر الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العامة وخصوصًا عند جيل الشباب والأطفال، لذلك أطلق الجراح العام الدكتور فيفيك مورثي، الذي يمثل أعلى سلطة طبية في الولايات المتحدة، صيحة تحذير حول آثار وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العامة للشباب والأطفال، وأشار إلى أن استخدام وسائل التواصل ظاهرة عالمية، وهي تكثر عند جيل الشباب حيث يستخدمها ما يقارب 95% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عامًا.

وقد ذكر بعض الأمثلة على طبيعة الأضرار الناتجة عن استخدام وسائل التواصل ومنها: نظرًا لأن المراهقة والطفولة تمثل مرحلة حاسمة في نمو الدماغ فإن ذلك يجعل الشباب عرضة أكثر للتضرر بوسائل التواصل الاجتماعي. يتعرض الأطفال لمحتوى ضار على وسائل التواصل الاجتماعي، بدءًا من المحتوى العنيف والجنسي، حتى التنمر والتحرش.

وبالنسبة للعديد من الأطفال، فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يضر بنومهم ووقتهم الشخصي الثمين مع العائلة والأصدقاء. يمكن أن يصبح استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ضارًّا بحسب مقدار الوقت الذي يقضيه الأطفال على المنصات، ونوع المحتوى الذي يستهلكونه أو يتعرضون له، ودرجة تأثير ذلك على الأنشطة الضرورية للصحة مثل النوم والنشاط البدني. قد يصبح استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مفرطًا وسببًا للمشكلات بالنسبة لبعض الأطفال، حيث تظهر الأبحاث الحديثة أن المراهقين الذين يقضون أكثر من ثلاث ساعات يوميًّا على وسائل التواصل الاجتماعي يواجهون خطر التعرض لآثار صحية عقلية سيئة، مثل أعراض الاكتئاب والقلق؛ علمًا بأن دراسة استقصائية أجريت عام 2021 للمراهقين وجدت أنهم يقضون، في المتوسط ​​حوالي 3.5 ساعات يوميًّا على وسائل التواصل الاجتماعي. أثبتت الدراسات أن أكثر من ثلث الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 11 و15 سنة يشعرن بأنهن “مدمنات” على بعض منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك أفاد أكثر من نصف المراهقين أنه سيكون من الصعب عليهم التخلي عن وسائل التواصل الاجتماعي.

هذه بعض النتائج التي وردت في التقرير، وهو يشير إلى آثار سلبية كبيرة يجب توقيها وإيجاد الحلول للتقليل من أضرارها، فما هو السبيل؟

كيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي

لا أحد ينكر الدور التوعوي والاجتماعي الذي توفره وسائل التواصل الحديثة التي صارت بمثابة منصات اللقاء بين المتباعدين في العالم الافتراضي، ولذلك فليس من الإنصاف ولا المعقول أن يُطلَب من الناس وخصوصًا الشباب الامتناع عنها بالكلية. لذلك لابد من الاعتدال في التعامل معها، وذلك من خلال القواعد التالية:

العلم
أول الخطوات قبل أي عمل هو العلم، لقوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} (محمد: 19)، ويشرح معنى ذلك سفيان بن عيينة عندما سئل عن فضل العلم فقال: “ألم تسمع قوله حين بدأ به {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} فأمر بالعمل بعد العلم”.  والعلم المطلوب، هنا اليقين بأننا مسؤولون عما نسمع ونشاهد ونقول، وذلك لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولً} (الإسراء: 36)، وسبب ذلك هو أننا نتأثر بما نشاهد ونسمع، ولذلك يجب أن نقي حواسنا ونحافظ عليها من كل ما يضرها، لأن الحواس هي أبواب النفوس، يدل على ذلك الحديث الذي رواه الألباني في الجامع الصحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تُعرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ عَرْضَ الحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ سَوداءُ، وأيُّ قلبٍ أنْكَرَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ بيضاءُ، حتى يصِيرَ القلبُ أبيضَ مثلَ الصَّفا، لا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ، والآخَرُ أسودَ مُربَدًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعرِفُ مَعروفًا، ولا يُنكِرُ مُنكَرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هَواه”. والكوز هو إناء شرب الماء، و”مربدًّا”، أي قاتمًا كالرماد، و”مجخيًّا”، أي منكوسًا لا يستقر فيه ماء، وهي دلالة على فقدان القلب للغاية التي وجد من أجلها.

وضع معيار واضح للتعامل مع ما يرد من معلومات من خلال الشبكة
إذا استقر في نفس الإنسان أنه محاسب على ما يسمع ويرى، وأنه يتأثر بذلك شديد الأثر، وجب عليه أن يقي نفسه المهالك والمسؤولية، وذلك من خلال وضع معايير واضحة لطبيعة ما يطلع عليها، وبداية ذلك تكون من خلال النظر إلى المعلومات وتصنيفها في ثلاثة أصناف هي:

  • معلومات مهمة أو مفيدة مثل النصائح والمواعظ والمحاضرات العلمية والأخبار، وهذه نحرص عليها.
  • مواضيع لا فائدة ترجى منها ولا ضرر يترتب عليها مثل الطرف والنوادر وأخبار الرياضة، وهذه يؤخذ منها بقدر معين.
  • أفكار خطيرة ومضللة وهدامة وهي من باب نشر الإرجاف والإشاعات والإباحية، خصوصًا ما يتعلق منها بالمعتقدات والصحة والأمن وغير ذلك، وهذه يجب تجنبها والابتعاد عنها والتحذير منها ومن آثارها، ومن ذلك أن يضع الآباء قيودًا واضحة على المعلومات والمواقع التي يمكن للأبناء الاطلاع عليها.

وجماع ذلك قوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء: 114). فهذه الآية تمثل القول الفصل في الموضوع وتشكل القاعدة الأساسية في التعامل مع كلام الناس عامة وهو مادة وسائل التواصل، فعلى الإنسان أن يحرص على ما ينفعه وأن يقي نفسه وأهله مواطن الزلل بالابتعاد عن الكلام الذي لا ترجى فائدته ولا يؤمن عقابه.

تحديد وقت محدد للاطلاع على وسائل التواصل والالتزام بذلك
ويكون الوقت المحدد متناسبًا مع العمر ومع الحاجة، ولكن وبغض النظر عن ذلك كله فلا يجوز أن يسمح للأطفال والشباب بالاطلاع على الوسائل من دون رقابة أو شروط من حيث النوع والوقت.

تنويع مصادر المعلومات وأخذ المعلومات المهمة من المصادر الموثوق بها
الميزة المهمة لشبكة التواصل أن المعلومات المعروضة فيها تحتوي الكثير من الغث والقليل من المفيد الذي تم تمحيصه وتوثيقه، ولذلك لا يمكن الاعتماد عليها في القضايا الأساسية مثل المعتقدات والقيم والأخلاق التي يجب الرجوع فيها إلى العلماء الثقات والمراجع المعتبرة، أما المعلومات المتعلقة بالقضايا الطبية فيجب الرجوع فيها إلى الأطباء وأصحاب التخصص.

هناك دور مهم للمدارس بالتوعية حول طرق الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي والمحاذير التي تترتب عليها والأهم من ذلك كيفية التمييز بين المعلومات الموثوق بها والأفكار التي لم يتم تمحيصها، وربط الطلبة بالمصادر الأصيلة للمعلومات وكيفية الوصول إليها وتدريب الطلبة على قراءة الكتب وعدم الاكتفاء بالعبارات القصيرة التي تنشر على الوسائل. بالطبع فإن ذلك يتطلب التواصل والتفاهم بين المدارس والآباء والأمهات حول وضع ضوابط عامة والاتفاق على ذلك والالتزام بالتعليمات. الإعلام له دور مهم في توعية الناس وتثقيفهم وتوفير المادة الموثق بها حول القضايا المهمة، لكن ذلك تقف أمامه عقبات من أهمها، أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي بدأت تزاحم الإعلام وتنافسه، دفع به إلى إعادة النظر في مهمته الأساسية التي أصبحت اليوم أقرب إلى الترفيه والتسطيح منها إلى التوعية والتثقيف ومعالجة القضايا بجدية وتعمق، ومما أعان على ذلك وقوع أكبر المؤسسات الإعلامية العالمية تحت سيطرة وتأثير الشركات الكبرى التي تسعى إلى الربح أكثر من سعيها إلى التوعية. لكن رسالة الإعلام مهمة ويجب الحفاظ عليها.

الحكومات لها دور مهم في تقنين الاستخدام والتقليل من الأضرار
ذكرنا بأن أول مخاطر الوسائل هي الأضرار التي يمكن أن تصيب الأمن القومي، لذلك يجب على الحكومات أن تسعى للتقليل من هذا الخطر وذلك من خلال وضع سياسات وتقنين ما يمكن أن يعرض على الشبكات، وكذلك التوعية من خلال المدارس والإعلام وجميع الوسائل المتاحة.

وإنه لما يؤسف له أن أغلبية الحكومات تضع سياسات وتعليمات صارمة فيما يتعلق باستخدام المنصات في النشاط السياسي، وذلك من قصر النظر، لأنها بذلك تغفل عن الأمور الأخرى التي هي الأخطر عليها وعلى المجتمعات على المدى البعيد.

  [*]  سفير العراق الأسبق لدى اليابان والمملكة العربية السعودية

[†] WHO، “Social Media and Covid-19”، December 19، 2021.

[‡] Amy Mitchel and Jacob Liedtke “About Four in Ten Americans Say Social Media is an Important way to Following COVID-19 VaccineNeeds،” at pewresearch.org

المصدر : الجزيرة مباشر