أزمة القوى السياسية المصرية.. الناصريون نموذجا

كمال أبو عيطة وزير القوي العاملة السابق

تفجرت في أوساط القوى السياسية المصرية، أزمة أخلاقية عميقة إثر تقدم الوزير السابق، والمعارض الحالي، الناصري التوجه، كمال أبو عيطة، ببلاغ ضد الناشر ورئيس مجلس “التيار الحر” الليبرالي، هشام قاسم، يتهمه فيه بالسب والقذف.

قاسم الذي تم استدعاؤه إلى النيابة بصفته شاهدا، في بلاغ يختص بجرائم المعلومات، فوجئ بأنه متهم بسب وقذف وزير القوى العاملة السابق أبو عيطة.

القضية لم تتوقف عند ذلك الحد، بل تطورت عقب رفض قاسم، دفع الكفالة المقدرة بخمسة آلاف جنيه، للإفراج عنه وفق قرار النيابة؛ مما استدعى احتجازه، قبل أن يتقدم أفراد من الشرطة ببلاغ جديد ضده بتهمة السب والقذف أيضا، فقررت النيابة حبسه 4 أيام على ذمة التحقيق.

بغض النظر عن تطورات القضية وما إذا كان شوط الحبس سيمضي إلى نهايته، أم يتم الإفراج عن قاسم في أي لحظة، فقد ألقى الحادث بظلاله على المشهد السياسي داخل مصر، خاصة أن مقدم البلاغ “أبو عيطة” لطالما اشتهر بمواقفه الداعمة للعمال زمن حكم مبارك، وبعد الإطاحة به، دخل مجلس الشعب عام 2011 ضمن قائمة التحالف الديمقراطي المحمولة على أكتاف الإخوان المسلمين، قبل أن يتحول إلى معارضتهم، والانحياز بشكل واضح وصريح إلى مشروع الإطاحة بالرئيس مرسي.

الأزمة أعادت التذكير بموقف تماهي بعض أطياف المعارضة المصرية مع السلطة على حساب المشروع الوطني، وللإنصاف فإن هذا التماهي لم يقتصر على فصيل دون فصيل، بل ضم جميع ألوان المعارضة، بدرجات متفاوتة وفي أوقات مختلفة.

فالرئيس السابق حسني مبارك، تمكن بفضل الخبرات السياسية التي أحاطت به، من التلاعب خلال سنوات حكمه الثلاثين بالعديد من القوى السياسية، وكان حينما يفشل في استقطابها يكون هناك البديل المتمثل في تفجير الأحزاب السياسية من داخلها.

وما يحدث مع هشام قاسم ربما يكون استنساخا بدرجة ما لهذا الأسلوب القادم، إذ تمت جرجرته إلى النيابة العامة عن طريق سياسي آخر وليس بواسطة السلطة التي واظب على نقدها بشدة.

الأزمة أعادت التذكير أيضا بالدور الذي لعبه الناصريون على مدار عقود في تدعيم السلطوية بشكل واضح باستثناء بعض الشخصيات التاريخية التي آمنت فعلا بالديمقراطية والحرية.

الناصريون إذ يعوقون التحول الديمقراطي

الناصرية في جوهرها أشبه بـ”الجماعة” أو “التنظيم” منها بالتيار الفكري أو السياسي؛ لذا فقدرتهم على التغيير أو التطوير ضعيفة بل تكاد تكون منعدمة.

فالفكر الناصري يقوم في جوهره على الانتساب، إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من خلال خطبه والأدبيات المنسوبة إليه مثل كتاب “الميثاق”، والمفارقة أن هذه كلها كتبها الصحفي الشهير محمد حسنين هيكل لعبد الناصر، وقد اعترف هيكل في لقاءات متلفزة بأنها كانت تعبر عن أفكاره هو في المقام الأول؛ لذا لم يكن مستغربا أن يتورط هيكل وهو على أبواب الرحيل عن الحياة في كتابة بيان 3 يوليو 2013 الشهير!!

هذا الانكفاء على شخص “عبد الناصر” امتد إلى تصرفاته وممارساته التي تعامل معها الناصريون بتقديس مبالغ فيه، ووقفوا عاجزين عن نقد ذلك التراث وخاصة فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان.

إن حالة الناصريين هنا تتشابه مع جماعة أخرى، بينهما من العداء التاريخي والخلاف ما عجزت السنون عن جبره، وأعني جماعة الإخوان المسلمين.

فمعظم الدعوات الإصلاحية داخل الجماعة، التي تطل علينا بين الفينة والأخرى، تبني دعوتها على العودة إلى تراث مؤسس الجماعة حسن البنا، دون أن تعكف على نقد ذلك التراث والاقتناع بأن كثيرا مما طرحه البنا خاصة فيما يتعلق بالتغيير كان مرتبطا بواقعه الذي عاشه وأسس فيه الجماعة.

كذلك الوضع مع الناصريين، إذ استمدوا شرعية الوجود والاستمرار من شخصية عبد الناصر بما لها من حضور طاغ، فوقفوا عاجزين عن النقد، أو التطوير، بل استمروا يحلمون بتكرار النموذج -دون تقديم رؤية متماسكة للتغيير- فكنا أشبه ما نكون بأننا أمام حالة من “المهدوية” السياسية أي انتظار المهدي “الناصري” الذي لم يأتِ بطبيعة الحال، فكانت الاستعاضة عنه بأي نموذج يشبه النموذج الأول وأعني عبد الناصر.

الناصريون والتحالف مع الدكتاتورية

بعد وفاة عبد الناصر، تولى السادات الحكم، حيث سارع بالتخلص من رجال العهد السابق في مايو 1971، وانتهاج سياسة جديدة بوجوه جديدة، وفتح الباب أمام نقد عبد الناصر وممارسات عهده؛ لذا كان لا بد من بحث الناصريين عن محاضن جديدة، فكان تحالفهم مع أنظمة الاستبداد العربية من نظام القذافي إلى صدام حسين، وصولا إلى نظام الأسد “الأب ثم الابن” حيث تابعنا منذ فترة وجيزة زيارة المرشح الرئاسي السابق الناصري حمدين صباحي ووفد من الرفاق لدمشق ولقاء بشار بابتسامة عريضة دون أي اعتبار لملايين السوريين المقتولين والمعتقلين والمخفَين قسريا والنازحين داخل البلاد واللاجئين في منافي الأرض!

ثم كانت المفارقة غير المفهومة، في الغزل الصريح غير البريء، بين الناصريين وبين إيران وأذرعها في المنطقة خاصة في لبنان، فالناصريون دعاة للقومية العربية، ويعادون الدولة “الدينية”، لكن ذلك لم يمنعهم من مد حبل الوصال مع نظام “ولاية الفقيه” الديني الصريح!!

بلاغ “أبو عيطة” أعاد التذكير بكل هذه الممارسات، وأثار جدلا على مواقع التواصل بشأن مدى استفادة الحركة الوطنية من الناصرية والناصريين، فانحيازهم الواضح ليس إلى الإنسان، بهمومه ومشاكله ومتطلباته، بل إلى السلطة خاصة في طبعتها الدكتاتورية الرديئة، وإلى الأفكار السلطوية مهما تصادمت مع الحرية والديمقراطية.

المصدر : الجزيرة مباشر