لا تسقطوا مراجعات الجماعة الإسلامية قد تحتاجون إليها!

تتعرض الجماعة الإسلامية في مصر هذه الآونة لهجوم مفاجئ غير مفهوم، بدأته قناة “العربية” من خلال الوثائقي الذي أعدته عن مسيرة عادل إمام الفنية وادعت فيه، على غير الحقيقة، عبر أحد الأشخاص “المجهولين” أن الجماعة الإسلامية كانت تنوي اغتيال عادل إمام عقب عرض إحدى مسرحياته في معقلها بمدينة أسيوط أواخر الثمانينات.

ثم تلقفت الحملة، قناة مصرية، ووجهت اتهامات متنوعة للجماعة من تكفير شيوخ أجلاء مثل الشيخ الشعراوي رحمه الله إلى حكايات أخرى ملفقة عن قصص اغتيالات مصطنعة لم تحدث أصلا، رغم أن الجماعة كانت تقر – خلال سنوات الصدام – بما تنفذه، ولم تنكر شيئا.

هدف الحملة الحقيقي الوصول إلى جماعة الإخوان المسلمين، عبر اتهام الجماعة الإسلامية – والتي تمثل أهم حلفائها الرافضين للانقلاب – بالإرهاب، لكن من أطلق هذه الحملة ووقف خلفها لم يمتلك عقلا سياسيا راشدا، إذ لم يدرك أنه بذلك يدمر واحدة من أهم الإنجازات الفكرية والأمنية، التي تحققت خلال الثلاثين عاما الماضية وأعني المراجعات التي أنجزتها الجماعة الإسلامية مطلع الألفية الحالية بعد أن أطلقت البيان التدشيني لمبادرة منع العنف في يوليو 1997.

إطلاق هذه الاتهامات المختلقة والمكثفة الآن، تحت ستار كشف الأسرار المخفية، يعني أن المراجعات التي كانت محط إشادة كبيرة داخليا وخارجيا، لم تكن سوى محض “مسرحية” تعاونت فيها الجماعة مع أجهزة الأمن المصرية وفي مقدمتها جهازا مباحث أمن الدولة “الأمن الوطني حاليا” والمخابرات العامة التي كان رئيسها السابق اللواء عمر سليمان، يترأس اللجنة الأمنية التي منحت في عام 2003 الموافقة النهائية على صحة المراجعات إيذانا بإغلاق ملف المعتقلين نهائيا، وهذا ما لا يصح ترويجه بأي حال من الأحوال، وخطأ فادح لا ينبغي للدولة المصرية الآن الوقوع فيه تحت تأثير خلافات سياسية ستزول يوما ما، لكن تتبقى تجربة المراجعات الذاتية ممتدة التأثير والمفعول للأجيال تشرح لهم بشفافية ووضوح كارثية استدعاء العنف إلى ميدان الصراع السياسية.

ماذا تعني مراجعات الجماعة الإسلامية؟؟

حظيت مراجعات الجماعة الإسلامية باهتمام كبير في الأوساط الإسلامية والدولية حتى أن كبرى مكتبات المملكة العربية السعودية حازت حقوق طباعتها وتوزيعها داخل وخارج المملكة.

فتفعيل المراجعات تزامن مع الهجوم على برجي التجارة في نيويورك في 11 سبتمبر 2001 وما تبعها من موجة تفجيرات دامية تعرضت لها مدن وعواصم عدة أبرزها الرياض ولندن ومدريد إضافة إلى الدار البيضاء وجزيرة بالي الإندونيسية، حيث نسبت تلك التفجيرات إلى تنظيم القاعدة، الذي تحول من تنظيم إلى فكر عابر للحدود، وهنا كان مكمن الخطورة!

ورغم أن الجماعة الإسلامية لم ترتبط بصلات تنظيمية في أي وقت من الأوقات بتنظيم القاعدة، إلا أنها تصدت لذلك المشروع الذي رأت أنه سيدخل الدول العربية والإسلامية في أتون مواجهة عسكرية وفكرية وخيمة العواقب، والذي بدأت بوادره حينها باحتلال أفغانستان ثم العراق.

المشروع الفكري الذي ضمنته الجماعة الإسلامية في عدد من الإصدارات فند الأفكار الرئيسية التي اعتمد عليها تنظيم القاعدة وفي مقدمتها حرمة قتل المدنيين بسبب ديانتهم أو جنسهم، وعبثية جر أي تنظيم من التنظيمات الأمة بأكملها في أتون صراع لم تستعد له، كما ركزت المشروع النقدي على المآلات الكارثية التي ستجلبها إستراتيجية “القاعدة” على البلدان الإسلامية، كما طرح جملة من البدائل التي يمكن الاعتماد عليها للتغيير دون الانزلاق إلى مستنقع المواجهات العبثية…إلخ.

داخليا.. كانت مراجعات الجماعة الإسلامية بمثابة درس مسطور للأجيال القادمة تشرح بوضوح تجربة الجماعة دون كذب أو تدليس، وتعترف بأوجه الخطأ التي اعترت مسيرة الجماعة، كما أنها عمدت إلى معالجة أي أخطاء سابقة في الفهم أو التسرع في تنزيل فتاوي لأئمة سابقين على الواقع الحالي دون اعتبار لخصوصيتها الزمانية والمكانية مثل ما حدث مع فتوى ابن تيمية في “قتال الطوائف الممتنعة عن تطبيق شرائع الإسلام”.

تأثير المراجعات آنذاك امتد من مصر إلى السعودية شرقا ثم إلى ليبيا غربا حيث استفادت منها الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية في تصويب مسيرتها، وصولا إلى بلدان المغرب العربي، الأمر الذي مثل انتصارا ناعما للدولة المصرية وترويجا لقدرتها على إنهاء العنف بل وتصدير تلك التجربة إلى البلدان الأخرى فلصالح من يتم اليوم ضرب ذلك الإنجاز؟ ولا أدري كيف تقف الأجهزة الأمنية المؤثرة اليوم تشاهد هذا العبث وهي التي كانت شريكة حينها في تحقيقه؟

ففي حادث ذات دلالة أتذكر حين أراد الكاتب الصحفي عادل حمودة، تكرار ما فعله أثناء رئاسته لتحرير مجلة روزاليوسف عندما دشن حملة عاتية ضد مبادرة الشيخ الشعراوي رحمه الله لوقف العنف بداية التسعينات، أدت إلى وأد المبادرة والإطاحة بوزير الداخلية عبد الحليم موسى، فعاد حمودة ليكتب مقالا في جريدة الأهرام هجوما على المبادرة والقائمين عليها، لكن يومها – وبعد خسائر سنوات طويلة – تم إيقافه ولم يسمح له بتكرار ما فعله من قبل.

الجماعة الإسلامية صمام أمان ما بعد يوليو 2013

في مطلع 2016 جمعتني في إسطنبول، جلسة بقيادات جماعة الإخوان المسلمين، في مقدمتهم د./ محمود حسين، الذي أكد بامتنان واضح، أنهم كجماعة استفادوا بشدة عقب الإطاحة بالرئيس مرسي رحمه الله، من نصائح رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية الراحل د./ عصام دربالة رحمه الله، بضرورة الحفاظ على سلمية الحراك المعارض وعدم الانزلاق في دوامة العنف، استبصارا بتجربة الجماعة السابقة.

لذا كان من المنتظر في وقت تتعرض فيها الدولة المصرية لهجمات إرهابية في سيناء وغيرها أن يعاد التذكير بتجربة ومراجعات الجماعة الإسلامية، لكن البعض اختار السير عكس الاتجاه، ودشن حملة غير مفهومة للنيل من الجماعة ومراجعاتها رغم شدة الاحتياج إليها.

المصدر : الجزيرة مباشر