على خطى علمانية فرنسا.. حظر النقاب في المدارس المصرية!

 

وكأنّ وزير التربية والتعليم المصري اكتشف فجأة أن السبب في انهيار نظام التعليم هو ارتداء الطالبات النقاب، فقرر إصدار قراره بحظر ارتدائه في المدارس المصرية، دون مراعاة لمشاعر الطالبات وأولياء أمورهنّ في مسألة اختيار الغطاء المناسب لهن من وجهة نظر دينية، وأعراف في بعض المناطق وتقاليدها.

وهكذا تفتّق ذهن الوزير، فأصدر القرار حتى تتقدم العملية التعليمية في مصر بعد أن صار التعليم يعاني الأمرّين، سواء في الناحية التعليمية، أو مخرجات التعليم نفسه!

علمانية فرنسا.. تقليد أعمى

إن قرار وزير التعليم المصري بشأن منع ارتداء النقاب في المدارس جاء بشكل غريب، حيث حدث بعد أيام من قرار “الاعتداء على الحريات” في فرنسا، ومنع ارتداء العباءات للطالبات.

وذلك بعدما أيّدت محكمة القضاء الإداري الفرنسية هذا القرار، وكانت الحكومة الفرنسية قد استندت في قرارها في نهاية أغسطس/آب إلى مبدأ علمانية الدولة لمنع ارتداء العباءة في المدارس، بسبب طابعها الديني الذي يثير جدلًا، وهذا يتعارض مع قانون منع وضع رموز دينية في المدارس الذي صدر في فرنسا في العام 2004.

وهكذا، كأن وزير التعليم المصري يمشي على خطى وزارة التعليم الفرنسية التي قالت إن “العباءة تدل على الفور على أن مَن تلبسها تنتمي إلى الدين الإسلامي!”.

وفي فرنسا يرون أن الدولة علمانية، وأن الحجاب والنقاب والعباءة ضد العلمانية -على حد زعمهم-، فهل يرى وزير التعليم المصري في دولة مصر الإسلامية وبلد الأزهر أن مصر علمانية أيضًا حتى يحظر النقاب؟!

في فرنسا أثار القرار حفيظة العديد من الجمعيات والمنظمات، ووصفوا الأمر بالتمييز الجنسي ضد الفتيات، والتمييز الطائفي ضد ديانة المسلمين الذين يمثل عددهم في البلاد 10% من عدد 67 مليون نسمة في البلاد، بل إن بعض الجمعيات هي مَن قدمت الطلبات في المحاكم ضد متخذ القرار في مجلس الدولة لمنع حظر قرار منع العباءات.

أين المجلس القومي للمرأة؟

وفي مصر لم نرَ أي تحرك من جمعيات أو منظمات حقوق إنسان وغيرها ضد قرار الوزير، بل لم نسمع من المجلس القومي للمرأة أي صوت أو اعتراض على قرار يخص الطالبات، وينزع عنهنّ حريتهن في ارتداء الزي الإسلامي المفضّل لهن.

وبعيدًا عن حكم الشرع في ارتداء النقاب فأنا لست بالمؤهل شرعًا للإفتاء في هذا الأمر، فهناك رجال دين قادرون على التكلم في هذا الموضوع أفضل مني، لأنهم متخصصون في مجالهم، ولكن الأمر من ناحية الحريات التي يتشدّقون بها؛ فالأمر من هذا الجانب حرية شخصية، وحرية العبادة والعقيدة، وحرية الاقتناع بقيمة معينة، قيمة دينية وأخلاقية نقف ونؤيد مَن يفعلها، ولا نقف ضد مَن يفعل عكسها.

هذه هي الحرية التي ننادي بها، ونطالب بتطبيقها، فلماذا يُقيَّد ويُحظَر على هؤلاء الطالبات ارتداء لباسهن، وفي المقابل نصفّق للعُري والابتذال كما نشاهد في السينما والفضائيات؟

فمنذ متى بدأت الدولة في الوصاية الدينية على أفرادها إلا في هذه الفترة الأخيرة؟ فطالما اللباس ليس به عُري أو فتنة، فإنه لا يمنع من تحصيل العلوم، ولا يؤدي إلى تأخر أمّة في مجال التعليم -كما يحدث حاليًا في مصر- حيث سبقتنا العديد من الدول في التقدم والنهوض تعليميًا وعلميًا، في الوقت الذي تراجعت فيه مصر أرقامًا متأخرة في ترتيب التعليم على مستوى العالم.

الأَولى علاج مشاكل وزارة التعليم

إن وزير التعليم الذي أصدر قراره بحظر النقاب في المدارس بالمخالفة لأحكام قضائية سابقة بعدم جواز حظر النقاب في المدارس، ألم يكن من الأجدَى له أن يصدر قرارات تعالج الأزمات في العملية التعليمية؟

ولماذا لم يصدر قرارًا بمعالجة كثافة الفصول والمدارس ونقص عددها؟ ولماذا لا يحاول حل مشكلة العجز في المدرّسين التي تبلغ مئات الآلاف؟ ولماذا لا يحاول معالجة جودة التعليم ونقص المعامل في المدارس، وعلاج مشكلة الدروس الخصوصية، ونقص كتب الوزارة، وسوء مناهجها، وارتفاع أسعار الكتب الخارجية التي وصلت إلى حدّ لم يعد يتحمله أحد؟ لماذا ترك كل مشاكل وزارته بما فيها الغشّ في امتحانات الثانوية العامة الذي طال مدارس وإدارات كثيرة؟

في قرار وزير التعليم بحظر النقاب في المدارس يظهر أنه قد اختار التركيز على قضايا فرعية بدلًا من التصدّي للمشاكل الأساسية التي تواجه وزارته، هذا القرار يبدو وكأنه يهمّش المشكلات الحقيقية التي تتعلق بمصروفات الدراسة، والزّي المدرسي، وارتفاع أسعار الكتب الخارجية، والدروس الخصوصية.

النقاب والتفوق التعليمي

ويبدو أن الوزير يعتقد أن حظر النقاب هو الحل الجاهز لكل هذه المشكلات دون أن يأخذ في الاعتبار أن هناك طالبات يرتدين النقاب، ويتفوقن علميًا وتعليميًا، وهذا دليل على أن النقاب لم يكن له تأثير سلبي في تحصيلهنّ الدراسي.

وقد أثار القرار الذي أصدره وزير التعليم، الدكتور رضا حجازي، استياء الطالبات والعديد من أولياء أمورهن، لأنهم أحسوا أن القرار الغرض منه التضييق عليهم وعلى بناتهم في أمور يرون أنها متعلقة بالعقيدة والدين.

وفي الوقت الذي يتدخل الوزير في لباس بنات المدارس بما يغضِب أولياء الأمور، لا يستطيع أن يتدخل في اختبارات المدرّسين الذين سيُعيّنون بالوزارة التابعة له، وترك هذه الأمور لجهات أخرى غير تعليمية تختار المعلمين الجدد وتختبرهم في مسابقة مرت عليها سنوات، ولم تنتهِ الجهة الأخرى -حتى الآن- من اختيار هؤلاء المدرسين، بما يؤكد أن الأمر ليس بيده.

ولكن هو يمتلك فقط أن يسير على خطى علمانية فرنسا، ويصدر قرار حظر النقاب.. والسؤال للوزير: هل نجحتَ في النهوض بوزارتك وانتهيت من كل مشاكلها، ولم يبق سوى حظر النقاب؟!

المصدر : الجزيرة مباشر